معان- أخبار اليوم - ساره الرفاعي
قال الأستاذ محمد شعبان السعايدة أن محافظة معان، الواقعة جنوب الأردن، أكبر محافظات المملكة مساحةً، إذ تمتد على حوالي 32,801 قصبة، وتبعد عاصمتها حوالي 216 كيلومترًا جنوب العاصمة عمان. تُعرف معان بأنها "أكبر متحف طبيعي تراثي مفتوح في العالم"، فكل كيلومتر مربع فيها يحكي قصة تاريخية عبر موقع أثري، معلم، أو نقش قديم.
تضم المحافظة كنوزًا تاريخية لا تقدر بثمن، ففيها تقع البتراء الخالدة ومدينة وادي موسى الساحرة. كما تحتضن الشوبك بقلعتها ومواقعها الأثرية القديمة، بالإضافة إلى أذرح والجرباء وجبل التحكيم وقرية بسطة ومئات المواقع والشواهد التاريخية الأخرى.
تعتبر معان مدينة النبي شعيب عليه السلام، التي حظيت بشرف عظيم لم ينله غيرها. وهي كذلك أول مدينة يدخلها الإسلام من خارج الجزيرة العربية، حيث آمن أهلها واعتزوا بالله يوم وصل إليها خير العباد محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قدمت معان أول شهيد في الإسلام من خارج الجزيرة العربية، وهو أميرها فروة بن عمرو الجذامي، لتسطر اسمه بحروف من نور في سجل الشهداء.
وعلى أرض معان، أقام جيش المسلمين المتوجه إلى مؤتة لملاقاة الروم، حيث تشاوروا وتجهزوا ليلتين بعد علمهم بحشود الروم الضخمة، قبل أن يقرروا إكمال مسيرتهم وإتمام مهمتهم الظافرة.
كانت معان على مر التاريخ ملتقى القوافل والحجيج بفضل موقعها الاستراتيجي الذي يربط بلاد الشام بالحجاز والديار المصرية. انقسمت المدينة تاريخياً إلى جزءين: معان الشامية ومعان الحجازية، لكل منهما قلعته وبساتينه.
ويتوسط المدينتين السوق التراثي الذي لا يزال عامرًا ببضائعه المميزة ومحلاته التي يزيد عمرها عن 300 عام. وفي نهاية هذا السوق، تقف القلعة العثمانية التي بناها السلطان سليمان القانوني عام 971 هجري (1566 ميلادي) لخدمة وحماية حجاج بيت الله الحرام، لتظل شاهدة على تاريخ المدينة وأصالتها.
ارتبطت معان منذ القدم بحجاج بيت الله الحرام، وعرف عن أهلها حسن استقبالهم لقوافل الحجيج. ولا يزالون محافظين على هذه العادة الكريمة من خلال "السبيل" الذي يقام طوال شهر رمضان المبارك وطوال موسم الحج، ويقوم عليه أهل معان أنفسهم. لم يقتصر دور أهل معان على رفادة واستقبال الحجاج، بل كانوا مسؤولين عن حماية قوافل الحجيج بعد منطقة القطرانة وحتى المدينة المنورة، فشكلوا قوة مجهزة من فرسانهم سميت "قوة الجرداء"، ونسب إليها يقال عن أهل معان "هذا الجرداء".
في العهد الهاشمي، استقبلت معان الأمير عبد الله يوم 11 تشرين الثاني عام 1920، حيث استقبله أشرافها وشيوخها مرحبين مهللين. كانت معان أول محطة له وأول دار ومقر، لتشهد على أول بيعة وتكون أول مداميك الوطن والسطور الأولى في سفر هذا الوطن العظيم. كانت معان العاصمة الأولى للأردن، وأصدرت أول صحيفة أردنية هي "الحق يعلو".
لقد وصف الملك المؤسس عبد الله رحمه الله معان بأنها "الحجر الألماسي في البلاد الأردنية"، ووصفها الملك الحسين بن طلال رحمه الله بأنها "حاضنة طفولة الأردن". إن معان هي المدينة التي كانت ولا زالت وستبقى في خد الأردن نشامى، وفي جبين مجده غرة، وفي قلب أعدائه سهمًا مسمومًا.