المحامي نزار الشعار
يُعدُّ الحق في حضور المحامي أثناء التحقيق من أبرز الضمانات التي كفلها النظام القانوني والدستوري، وذلك تعزيزًا لمبدأ العدالة، وترسيخًا لسيادة القانون وحماية الحقوق الفردية. ولا يمكن النظر إلى هذا الحق بوصفه مسألة إجرائية بسيطة، بل هو عنصر جوهري في منظومة المحاكمة العادلة، حيث يشكّل التحقيق الجنائي مرحلة مفصلية يُبنى عليها مسار الدعوى الجزائية بأكملها، وقد تترتب عليها نتائج تمس حرية الأفراد وكرامتهم.
وقد أقرَّ المشرّع الأردني هذا الحق بنص صريح في قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ ألزم السلطات المختصة بتمكين المتهم من الاتصال بمحاميه وحضوره التحقيق، ولا سيّما أمام المدعي العام. إلا أن الممارسة العملية تكشف عن تفاوتٍ ملحوظ في التطبيق، لا سيما في التحقيقات التي تُجرى داخل المراكز الأمنية، حيث تُقيَّد في بعض الأحيان قدرة المحامي على الحضور أو الاتصال بموكله في الوقت المناسب.
إن منع المحامي من الحضور أثناء التحقيق، أو تأخير تمكينه من أداء مهامه القانونية إلى ما بعد انتهاء التحقيق، يُعدّ إخلالًا جوهريًا بمبدأ المحاكمة العادلة المنصوص عليه في الدستور الأردني والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إذ تؤكد هذه المواثيق على حق المتهم في الحصول على المساعدة القانونية منذ لحظة احتجازه.
كثيرًا ما يثار التساؤل حول مدى قانونية مراجعة المحامين للمراكز الأمنية وسلطات التحقيق دون الحاجة إلى ترتيبات مسبقة أو اتفاقيات مفعّلة بين نقابة المحامين ومديرية الأمن العام. وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن المرجعية القانونية الأساسية هي النصوص التشريعية، لا الاتفاقيات الإجرائية أو التفاهمات المؤقتة، والتي لا يمكن أن تسمو على القانون.
فقد نص قانون نقابة المحامين النظاميين في المادة (6) على أن مهنة المحاماة تشمل:
"التوكل عن الغير للادعاء بالحقوق والدفاع عنها لدى المحكمين ودوائر النيابة العامة والحكام الإداريين والضابطة العدلية."
ومن المعلوم أن الضابطة العدلية تشمل، وفقًا للتشريعات النافذة، رجال الأمن العام العاملين في المراكز الأمنية، ما يمنح المحامي حق مراجعة تلك الجهات، وممارسة مهامه القانونية كاملة دون حاجة إلى إذن مسبق أو ترتيبات إدارية.
صلاحيات المحامي المتدرب في إجراءات التحقيق
لم يغفل المشرّع عن بيان اختصاصات المحامي المتدرب، إذ نصّت المادة (32) من قانون نقابة المحامين على أن للمحامي الأستاذ والمتدرب الذي ينيبه، الحق في تعقب جميع المعاملات لدى المراجع القضائية والإدارية، ولهما أن يحضرا التحقيقات أمام الشرطة والنيابة العامة سواء مجتمعَين أو منفردَين. وهذا يُعدّ تأكيدًا واضحًا على أن حضور المحامي المتدرب لجلسات التحقيق هو حق قانوني مستقل، لا يتطلب إذنًا أو ترتيبًا خاصا
إن ما ورد في المادة (110) من قانون نقابة المحامين، من تكليف لرئيس الوزراء ووزير العدل بتنفيذ أحكام القانون، يلقي على عاتق السلطة التنفيذية مسؤولية التطبيق المباشر والصارم لكافة نصوصه، بما في ذلك المواد التي تنص على صلاحيات المحامي في تمثيل موكليه أمام الجهات الأمنية. وبالتالي، فإن أية محاولة لتقييد هذا الحق أو تعطيله لا تستند إلى أساس قانوني، وتُعدّ مخالفة صريحة لإرادة المشرّع
إن الالتزام بتمكين المحامي من أداء مهامه أثناء التحقيق لا يُعدّ مجرّد إجراء شكلي، بل هو انعكاس مباشر لمدى التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. فحضور المحامي إلى جانب موكله منذ اللحظة الأولى للاحتجاز يُشكّل ضمانة حقيقية ضد الانتهاكات، ويُسهم في تحقيق العدالة، ويمنع المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
وختامًا، لا بد من التأكيد على أن حق الدفاع، باعتباره أحد أعمدة العدالة، لا يجوز تقييده أو الانتقاص منه تحت أي ظرف، وأن التذرع بالإجراءات أو الترتيبات الإدارية لا يُغني عن احترام النصوص القانونية الصريحة. فلا اجتهاد في مورد النص، ولا مبرر قانونيًا أو دستوريًا لحرمان المحامي من القيام بدوره في هذه المرحلة الحساسة من الإجراءات الجزائية