أخبار اليوم - داخل خيمتها في مخيم الإيواء غرب مدينة غزة، تجلس السيدة رشا الشرافي (41 عامًا) تحاول جاهدة توفير لقمة الطعام لأطفالها. هذه السيدة التي فقدت زوجها في أغسطس/آب 2024 خلال غارة إسرائيلية، تقول إن حياتها أصبحت صعبة إلى حد لا يُطاق.
وتروي لـ "فلسطين أون لاين": "أنا من أسرة فقيرة جدًا، استشهد زوجي وترك لي أربعة أطفال بلا أي مصدر دخل. أعتمد على المساعدات الإنسانية، لكن عمل المنظمات تراجع كثيرًا بسبب القيود الإسرائيلية على حركة العاملين والمساعدات."
وتضيف: "كنا نعتمد على تكيات الطعام المتنقلة، لكن منذ ثلاثة أيام لم يصلنا شيء. أطفالي لم يأكلوا منذ الصباح، وأحيانًا نمضي أياما كاملة بلا وجبة واحدة." تقول ذلك وهي تكتم دموعها أمام أطفالها الذين يلتفون حولها بصمت.
الخيمة صغيرة ومزدحمة، الأطفال ينامون على حصير رقيق فوق الأرض الباردة، والهواء الملوث بالدخان الناتج عن حرق النفايات يتسرب من كل فجوة. تقول الشرافي: "أحيانًا أشعل بعض الخشب لأدفئهم، لكن الخوف من الحرائق لا يفارقني."
ابنها الأكبر، لم يتجاوز 18 عامًا، اضطر للعمل حمالًا في السوق المجاور ليجمع نحو 30 شيكلًا يوميًا، مبلغ لا يكفي لشراء أساسيات الحياة في غزة. وتقول: "أرى تعب ابني وأشعر بالعجز، لكن لا يوجد بديل."
ورغم قسوة الظروف، تحاول الشرافي التمسك بخيط أمل رفيع: "أتمنى أن تعود التكيات قريبًا، وأن يعيش أطفالي يومًا بلا جوع. لا أطلب الكثير، فقط أن أراهم مبتسمين."
مع اشتداد المجاعة في غزة، أفادت معطيات صحية محلية بتسجيل 3 وفيات جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية بسبب انعدام الغذاء، لترتفع حصيلة شهداء التجويع إلى 266 شهيدًا، بينهم 112 طفلًا. وأكدت أن سياسة التجويع التي تقتل 28 طفلًا يوميًا بمعدل وفاة كل 40 دقيقة هي "سياسة إسرائيلية ممنهجة".
مأساة متجددة في المخيمات
في مخيم "الصامدون" غرب مدينة غزة، يجلس محمد الفيراني (42 عامًا) أمام خيمته المهترئة التي لا تقيه حر الصيف ولا برودة الليل، تحيط به عشرات الخيام، وتغطي المكان رائحة العرق والدخان والنفايات.
يقول لـ"فلسطين أون لاين": "لا أستطيع وصف حجم المأساة. نعيش في خيمة لا تقي من الحر، وزوجتي حامل وتعاني بشدة. لا يوجد رعاية صحية لها، ولا حتى دواء لتخفيف آلامها."
الفيـراني نزح مع أسرته من شمال غزة بعد أن دمّرت غارة جوية منزلهم. منذ ذلك اليوم، لم يعرف الاستقرار: "تظن أنك حين تجد خيمة ستنجو من التشرد، لكنك تصطدم بالواقع: حرارة خانقة، مياه شحيحة وملوثة، وانعدام مواد النظافة. انتشرت الأمراض الجلدية والجرب بين الأطفال وأصبحت جزءًا من حياتنا اليومية."
ابنته الصغيرة (9 أعوام) تقول وهي تحك جلدها: "يا أبي أنا تعبانة.. الحكة لا تتوقف." يتنهد الفيراني: "طفلتي تطلب علاجًا وأنا لا أملك سوى ماء ملوث لأغسل جسدها. كيف لإنسان أن يحتمل هذا؟"
ويضيف: "(إسرائيل) تخنقنا حتى في حياتنا اليومية. تمنع وصول المساعدات وتقيد حركة المنظمات الدولية. لهذا زوجتي بلا دواء وأطفالي بلا طعام."
استهداف ممنهج للعمل الإنساني
من جانبه، أكد المستشار الإعلامي لوكالة "الأونروا"، عدنان أبو حسنة، أن ما يجري في غزة هو استهداف مباشر للعمل الإنساني ومحاولة لخنق ما تبقى من مقومات الحياة.
وقال لـ"فلسطين أون لاين": "القيود المفروضة على عمل المنظمات وغياب حرية الحركة أدت إلى تفاقم المجاعة وانعدام الأمن الغذائي لمئات آلاف المدنيين."
وأضاف: "المجاعة باتت مشهدًا حاضرًا في كل مكان، ولم يعد السكان يحصلون على أدنى احتياجاتهم من الطعام، ما دفع بعضهم لنهب شاحنات المساعدات نتيجة اليأس والجوع."
وشدد على أن استمرار القصف واستهداف العاملين في المجال الإنساني يضاعف من التحديات أمام المنظمات، مؤكدًا أن المجتمع الدولي مطالب بوقفة عاجلة لتمكين المؤسسات الإنسانية من أداء دورها بعيدًا عن العراقيل والتهديدات.
وختم أبو حسنة بالقول: "نحن أمام أزمة إنسانية غير مسبوقة. إذا لم يتحرك العالم سريعًا لفتح المعابر وضمان تدفق الغذاء والدواء والوقود، فإن غزة ستشهد انهيارًا كاملًا لكل مقومات الحياة، وتداعيات كارثية خصوصًا على الأطفال والنساء وكبار السن."
فلسطين أون لاين