أخبار اليوم - يمثل قطاع العمال في غزة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي، إلا أن مرور نحو عامين على حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع أدى إلى تدهور أوضاعهم بشكل غير مسبوق.
فقد أصابت الحرب معظم المنشآت الاقتصادية والزراعية والتجارية بأضرار جسيمة، ما تسبب في فقدان آلاف العمال مصادر رزقهم، ودفع بعشرات الآلاف من الأسر إلى هاوية الفقر والعوز.
الواقع الصعب جعل من حياة العمال اليومية تحديًا قاسيًا، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، في وقت تتفاقم فيه تكاليف المعيشة مع غياب فرص العمل.
كثير من العمال يجدون أنفسهم أمام خيار وحيد هو الاعتماد على المساعدات المحدودة التي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، فيما يضطر آخرون إلى أعمال مؤقتة أو هامشية بأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد المبذول.
وأفادت تقارير دولية أن معدل البطالة في غزة وصل إلى 80%، مقارنة بـ45% قبل الحرب، في حين تضاعفت نسبة الفقر لتصل إلى 100%، ما يعني أن جميع سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.
يقول مازن أموم، عامل بناء: "فقدت عملي منذ بداية الحرب كنت أعمل في تشييد الجدران وصب الخرسانة، وكان شقيقي واثنان من أبنائي يعملون معي".
ويضيف لـ "فلسطين أون لاين": "اليوم نحن جميعًا بلا عمل، بلا دخل، ننتظر المساعدات التي بالكاد تصل الإنشاءات في غزة كانت تعاني أصلًا بسبب منع الاحتلال إدخال مواد البناء، وبعد الحرب توقفت كليًا آلاف المنازل والمصانع مدمرة، والعمال الذين كانوا يعيلون أسرهم أصبحوا عاطلين".
أما خولة أبو سلطان، وهي عاملة في أحد مصانع الخياطة، فتروي قصتها بصوت يملؤه الألم: "عملتُ في مصنع خياطة أكثر من خمس سنوات، وكان دخلي هو مصدر الحياة الوحيد لأسرتي بعد وفاة زوجي لكن الحرب جاءت لتقضي على ما تبقى؛ جزء كبير من المصنع دُمّر، وصاحبه اضطر لإغلاقه نهائيًا بسبب انقطاع الكهرباء ومنع دخول الأقمشة منذ ذلك اليوم، انقلبت حياتي وحياة أطفالي رأسًا على عقب، فلا عمل ولا مورد رزق."
وتضيف بأسى لـ "فلسطين أون لاين": "نحن النساء العاملات أصبحنا الحلقة الأضعف؛ فقدنا وظائفنا، وتضاعفت أعباؤنا في رعاية أسرنا وسط غياب أي دخل أو دعم حقيقي."
إلى جانب فقدان فرص العمل، يواجه العمال كابوسًا آخر يتمثل في الارتفاع الجنوني للأسعار، حيث تضاعفت تكاليف المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية بشكل غير مسبوق. لم تعد الرواتب – إن وُجدت – تساوي شيئًا أمام موجة الغلاء التي طالت كل جوانب الحياة اليومية.
يقول خالد العطار، سائق أجرة سابق: "حتى لو توفرت فرصة عمل، فإن الدخل لم يعد يغطي شيئًا ما كنت أكسبه في يوم كامل قبل الحرب بالكاد يكفي لشراء بعض الخضار، كنا نعتمد على العمل اليومي لنعيش بكرامة، أما الآن فنقضي ساعات طويلة في طوابير المساعدات، وإن حصلنا عليها فهي لا تكفي سوى لأيام قليلة. كل شيء أصبح مضاعف السعر عدة مرات، حتى المواصلات التي كانت مصدر رزقي توقفت بسبب ارتفاع الوقود وانقطاعه المستمر."
كما فقد القطاع أكثر من 182 ألف وظيفة منذ بداية الحرب، نتيجة تدمير المنشآت الاقتصادية، حيث تضررت أو دمرت أكثر من 163 ألف مبنى، بما في ذلك المنازل والمصانع، مما انعكس بشكل مباشر على فرص العمل والإنتاجية.
تدخل عاجل
من جانبه، يؤكد سامي العمصي، نقيب العمال في قطاع غزة، أن الواقع الحالي مأساوي ويستدعي تدخلًا عاجلًا، موضحًا: "العمال هم الفئة الأكثر تضررًا من الحرب والحصار كما أن فقدان الوظائف وتدمير المنشآت لم يؤثر فقط على العامل نفسه، بل انعكس بشكل مباشر على حياة آلاف الأسر التي باتت بلا دخل ولا قدرة على تلبية أبسط احتياجاتها اليومية.
وأضاف نحن نتحدث عن مئات آلاف الأفراد الذين يعتمدون بشكل أساسي على ما يوفّره العمل اليومي، ومع غيابه لم يعد أمامهم سوى الجوع أو المساعدات المحدودة."
ويضيف العمصي: "العمال هم عماد الاقتصاد المحلي، وإذا لم يتم دعمهم الآن فستنهار ما تبقى من عجلة الإنتاج في غزة.دعمهم ليس رفاهية ولا منّة، بل هو مسؤولية وطنية وإنسانية المطلوب هو تكاتف الجهود المحلية والدولية لتأمين برامج عاجلة تضمن دخلًا كريمًا، وتوفر لهم أدوات العمل من جديد نحن بحاجة إلى مشاريع تشغيلية حقيقية."
ويشدد العمصي على أن إغفال هذه الشريحة سيقود إلى كارثة اجتماعية أكبر، قائلًا: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه، سنشهد ارتفاعًا أوسع في معدلات الفقر والجوع، وتفككًا اجتماعيًا خطيرًا إنقاذ العمال يعني إنقاذ آلاف الأسر، ويعني الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار داخل المجتمع لذلك ندعو المؤسسات الدولية والجهات المانحة إلى التحرك الفوري، وعدم الاكتفاء بالوعود، فالوقت لم يعد في صالحنا."
وأوضح البنك الدولي أن الاقتصاد المحلي في غزة انكمش بنسبة 83.5%، في ظل انهيار الإنتاج ووقف معظم المشاريع الاقتصادية ودفعت هذه الأزمة بالعديد من الأطفال والنساء للعمل في وظائف غير رسمية أو مؤقتة لتأمين احتياجات أسرهم.
المصدر / فلسطين أون لاين