تقرأ في الأخبار أن المصارف الأردنية رفضت قرابة 77.2 ألف طلب تمويل جديد، في تسعة أشهر من العام الحالي، بقيمة تجاوزت المليار دينار، وعدد الطلبات مذهل والرقم الإجمالي كبير جدا.
مقابل هذا الرقم هناك أرقام تتحدث عن قيمة التسهيلات المالية الممنوحة للأردنيين على مستوى الأفراد، والشركات، وهي أرقام كبيرة جدا، حتى تظن أن كل أردني مطلوب للمصارف، إما أن سيارته بالتقسيط، أو شقته، أو عليه أقساط جامعية، وبعضهم يتزوج بالقروض المصرفية، وهكذا ما من أردني إلا وفي ظهره طعنة رمح من قرض هنا أو هناك، وكأن الأردن انقسم إلى طبقتين، دائن ومدين، وهي حالة تقرأها في وجوه الناس يوميا.
في رأي لافت لأحدهم قال إن التسهيلات المصرفية التي تم تقديمها للناس كان لها منفعة سياسية، فقد منعت الاحتقان والانفجار لأنها قدمت حلولا للناس، جعلتهم يحلون بعض المشاكل ويجدولون الأزمات، وهذا الرأي على صحته ظاهرا يتناسى صاحبُه أن الحل كان مؤقتا، يجعل الإنسان في حالة شعور بأنه حقق شيئا عبر شراء سيارة بالتقسيط، أو شقة، أو غير ذلك، لكن الكلفة الإجمالية للدين هي المشكلة، لأن أصل القرض يزيد ويتضاعف، ولأن الفوائد أهلكت الناس في حياتهم، وجعلتهم مجرد خدم في النظام الرأسمالي العالمي القائم على الفائدة، وارتفاعها، وصعوبة خفضها فعليا.
المعالجة هنا ليست اقتصادية حتى لا يقفز البعض في وجهي ويقول إن قدرة المصارف على توفير التسهيلات يدل على أنها قوية ماليا، وأن رفض منح التسهيلات لسبعة وسبعين ألف إنسان يدل على صرامة المعايير أصلا، والذي يريد مدح النظام المصرفي قادر على قراءة كل رقم وفقا لما يريد، ووفقا لطريقة قراءة محددة معروفة النتائج.
الأهم هنا بالنسبة لي هو أن كل شيء بات مرهونا للمصارف، وحياة الناس باتت مرتبطة بالقروض والفوائد، وأغلب المظاهر اليومية التي نراها مجرد استعراض مرتبط بقرض هنا أو هناك، خصوصا أن قدرة الناس على حل مشاكلهم دون استدانة باتت شبه مستحيلة، من البطاقات الائتمانية، إلى القروض الفورية، إلى تلك القروض طويلة المدى، في ظل غلاء وتضخم، يقول إن الاستدانة تبدو حلا بديلا بسبب عدم توفر فرص حياة عادلة، ومفيدة حقا هذه الأيام.
تعقدت الحياة في الأردن، فالخزينة غارقة في الديون، والناس عليهم ديون، والكل يعاني من الديون، واقتصاد الدين هذا له تأثيرات اجتماعية وسياسية ليست سهلة، بما يعني أن إعادة النظر إلى الداخل الأردني بطريقة مختلفة مطلوبة، لفتح آفاق للناس، بدلا من ارتهان الناس في شبابهم ذكورا وإناثا لقروضهم الشخصية، أو حتى لسداد الديون الرسمية التي ترتد على حياتنا بطرق مختلفة في سياق جباية المال عبر الرسوم والضرائب، العادية منها وتلك المبتكرة.
يبقى السؤال.. ما هو الحل بعد اتخام البلد بالقروض، وحالة الأفراد الذين يعانون من القروض للمؤسسات المصرفية دون أن ننسى هنا الديون العالقة بين الأفراد أنفسهم، وهي أرقام قد تكون مذهلة وغير موثقة، وغير مسجلة، في سياق عالم سري لا ترصده الدولة أصلا.
في الأردن تدفع ثمن كل شيء، أعلى من سعره، بسبب القرض وفوائده، فيما دخلك أقل مما تستحق، وهكذا تمضي الحياة بخشونتها، جهادا في جهاد، مستغفرين ليل نهار مما آلت إليه أوضاعنا جميعا.