المنتدى: الدين العام لا يُعد جيدًا أو سيئًا بحد ذاته لكن تتحدد نتائجه بمدى قدرته على تمويل استثمارات إنتاجية تخلق نموًا حقيقيًا
المنتدى: إجمالي الدين العام في الأردن تراكم تدريجيًا ليبلغ نحو 117.9% من الناتج المحلي الإجمالي حتى آب 2025
المنتدى: أكثر من 90% من الموازنة يذهب للإنفاق الجاري فيما يبقى الاستثمار الرأسمالي محدودًا
المنتدى: استمرار توجيه الاقتراض لتغطية النفقات الجارية بدل الإنفاق الرأسمالي المنتج يزيد من هشاشة المالية العامة
المنتدى: الاعتماد الكبير على الإيرادات الضريبية وضعف العائد من المشاريع الوطنية يحدّ من تنوع مصادر الدخل العام
المنتدى: غياب إطار استدانة واضح ومحدد جعل الاقتراض يميل إلى تلبية الاحتياجات الجارية بدل تمويل المشاريع المنتجة
المنتدى يدعو الى تبنّي قاعدة مالية ذكية ومُلزمة تربط الاقتراض بالعجز وإعلان سقف سنوي للاقتراض الجديد مرتبط بأهداف النمو في الرؤية الاقتصادية
أخبار اليوم - أصدر المنتدى الاقتصادي الأردني ورقة سياسات بعنوان "أثر الخطط الوطنية التنموية على الدين العام: قراءة في التجارب السابقة وفرص رؤية التحديث الاقتصادي"، هدفت إلى تحليل التأثير الفعلي للخطط الوطنية التنموية على الدين العام عبر تفكيك العوامل المكوّنة للمديونية كالنمو وأسعار الفائدة والرصيد الأولي وجودة الإنفاق، إلى جانب مقارنة التجربة الأردنية بنماذج دولية حققت توازنًا بين الطموح التنموي والانضباط المالي، مع تقديم توصيات عملية لتحويل الدين من عبء مالي إلى أداة تحفيز للنمو والاستثمار.
وأكدت الورقة أن الدين العام لا يُعد جيدًا أو سيئًا بحد ذاته، لكن تتحدد نتائجه بمدى قدرته على تمويل استثمارات إنتاجية تخلق نموًا حقيقيًا، محذّرةً من أن توجيه الدين لتغطية النفقات الجارية يحوله إلى عبء متزايد يضعف الاستدامة المالية.
واستندت الورقة إلى منظور اقتصادي كلي يربط استدامة الدين العام بالتوازن بين كلفة خدمته ومعدل النمو الحقيقي، معتبرة أن كفاءة الاستثمار العام هي العنصر الأكثر حسمًا في تحديد الاتجاه؛ فإذا وُجّه الدين إلى مشاريع عالية العائد، يمكن أن يسهم في تقليص المديونية وتعزيز الإيرادات العامة.
وفي هذا السياق، أشارت الورقة إلى أن إجمالي الدين العام في الأردن تراكم تدريجيًا ليبلغ نحو 117.9% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر، نتيجة عجز مالي مزمن تداخلت أسبابه بين محدودية الإيرادات وتراجع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والصدمات الخارجية كأزمة الطاقة وجائحة كورونا.
وفي تحليل واقع الدين العام الأردني، بيّنت الورقة أن إجمالي الدين بلغ حتى آب 2025 نحو 46.849 مليار دينار، مقارنة بنحو 25 مليار دينار عام 2015، موضحة أن الدين الداخلي والخارجي يتوزعان بنسب متقاربة وأن عبء خدمة الدين يواصل الارتفاع مع تجاوز مدفوعات الفوائد 3.38 مليار دينار حتى آب 2025.
وأكدت أن استمرار توجيه الاقتراض لتغطية النفقات الجارية بدل الإنفاق الرأسمالي المنتج يزيد من هشاشة المالية العامة.
وأوضحت أن أكثر من 90% من الموازنة يذهب للإنفاق الجاري، فيما يبقى الاستثمار الرأسمالي محدودًا، وهو ما جعل الاقتراض موجّهًا لتغطية الالتزامات التشغيلية لا المشاريع الإنتاجية.
كما تناولت الورقة العلاقة بين الحكومة وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الذي تحول إلى ممول رئيسي للدين المحلي، معتبرة أن هذا الاعتماد المتزايد يعزز الاستقرار التمويني قصير الأجل لكنه يخلق مخاطر تشابك مالي واجتماعي، لأن الأموال المقترضة تمثل مدخرات المتقاعدين والمؤمّن عليهم.
ودعت الورقة إلى إدارة أكثر شفافية لعلاقة الطرفين وفق معايير استثمارية واضحة ومستقلة تحقق عائدًا عادلًا وتمنع تراكم المخاطر داخل القطاع العام.
وعلى صعيد متصل، أوضحت الورقة أن الخطط التنموية المتعاقبة من “البرنامج التنفيذي 2011-2013” إلى “رؤية الأردن 2025” لم تُفضِ إلى تحسّن ملموس في مسار المديونية، إذ واصلت نسبة الدين للناتج المحلي ارتفاعها بعد كل خطة، نتيجة غياب إدارة منهجية للدين وضعف الربط بين الاقتراض والعائد الإنتاجي للمشاريع.
وفي سياق متصل، أظهرت الورقة استمرار الاختلال الهيكلي في المالية العامة، إذ بلغ إجمالي الإنفاق حتى آب 2025 نحو 9.41 مليار دينار مقابل إيرادات بلغت 8.6 مليار دينار، معظمها من الضرائب، ما أدى إلى عجز مالي صافي قدره 780.7 مليون دينار.
وأكدت أن الاعتماد الكبير على الإيرادات الضريبية وضعف العائد من المشاريع الوطنية يحدّ من تنوع مصادر الدخل العام، وأن استمرار هذا النمط يعمّق حلقة المديونية ويقلل من قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات.
وعلى مستوى رؤية التحديث الاقتصادي 2022–2033، أشادت الورقة برؤيتها الهادفة الى تحقيق نمو بمتوسط 5.6% سنويًا ورفع الناتج المحلي إلى نحو 58 مليار دينار بحلول 2033، لكنها لفتت إلى غياب إطار تفصيلي لإدارة الدين العام داخل خطتها التنفيذية، إذ لم تحدد قواعد مالية واضحة أو سقوفًا سنوية للتمويل الجديد، ما يجعل السيطرة على وتيرة الدين تحديًا قائمًا.
وأكدت الورقة أن فاعلية الرؤية لا تُقاس بحجم التمويل بل بكفاءة التنفيذ، وأن نجاحها يتوقف على استثمار الدين في القطاعات المنتجة مثل الطاقة والمياه والصناعة والتكنولوجيا.
وأشارت الورقة إلى أن الأردن انخرط في أحد عشر برنامجًا إصلاحيًا مع صندوق النقد الدولي منذ عام 1989، كان آخرها برنامج “تسهيل الصندوق الممدد (EFF)” و“اتفاقية التمويل المستدام والقدرة على الصمود (RSF)” التي أقرت عام 2025، مؤكدة أن هذه البرامج ساهمت في تحسين الثقة الائتمانية ورفع التصنيف المالي للمملكة، لكنها في الوقت ذاته قيّدت مرونة السياسة المالية وأبقت الحكومة تعمل ضمن سقوف وضوابط مالية تحدّ من قدرتها على تمويل مشاريع إنتاجية طويلة الأجل.
وبينت أن تقييمات المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كشفت عن فجوات في التخطيط والتنفيذ والمتابعة، مما جعل العائد الاقتصادي من المشاريع أقل من كلفة الاقتراض.
ومن جانب آخر، استعرضت الورقة تجارب دولية مهمة، مثل تجربة المغرب التي شهدت توسعًا في الاستثمار العام لكنه لم يحقق عوائد متكافئة بسبب ضعف الكفاءة الإنتاجية، وتجربة تشيلي التي تبنت قاعدة الرصيد الهيكلي لربط الإنفاق بمؤشرات موضوعية كالناتج وأسعار النحاس لحماية المالية العامة من التقلبات، في حين قدّمت الأرجنتين مثالًا معاكسًا لتراكم الدين الخارجي بسبب ضعف النمو وغياب الانضباط المالي ما أدى إلى إعادة هيكلة الدين عام 2020.
كما أوضحت الورقة أن التجربة الأردنية في إدارة الدين عبر الخطط التنموية والرؤى الوطنية أظهرت أن غياب إطار استدانة واضح ومحدد جعل الاقتراض يميل إلى تلبية الاحتياجات الجارية بدل تمويل المشاريع المنتجة.
وبينت أن ضعف كفاءة الاستثمار العام وكلفة التمويل المرتفعة والعجز الأولي المزمن جميعها عوامل ساهمت في بقاء نسبة الدين مرتفعة رغم تقليص الإنفاق العام في بعض السنوات.
وأكد المنتدى الاقتصادي الأردني أن الدين العام ليس في جوهره مشكلة إذا تمت إدارته ضمن قواعد مالية منضبطة وبكفاءة استثمارية عالية، داعيًا إلى تطوير مظلة مؤسسية موحدة لإدارة الدين العام سواء من خلال إنشاء مركز وطني لإدارة الدين على غرار التجربة السعودية أو عبر تعزيز مديرية الدين العام في وزارة المالية لتكون مرجعية موحدة.
وفي ختام الورقة، قدّم المنتدى مجموعة من التوصيات العملية أبرزها: تبنّي قاعدة مالية ذكية ومُلزمة تربط الاقتراض بالعجز المعدّل وفق الدورة الاقتصادية وأسعار السلع الأساسية لضمان استخدام الدين في تمويل الاستثمار المنتج فقط، وإعلان سقف سنوي للاقتراض الجديد مرتبط بأهداف النمو في الرؤية الاقتصادية، وتفعيل وتحديث استراتيجية الدين العام لتصبح أداة ديناميكية تُحدّث سنويًا وتُربط بأهداف النمو والتنمية.
كما أوصى باعتماد أدوات تحوط لمخاطر الفائدة وسعر الصرف، ونشر تقارير ربع سنوية للبرلمان والرأي العام حول مسار الدين والعجز والنمو، وربط أي اقتراض جديد بمشاريع إنتاجية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية مثبتة.
ودعا المنتدى إلى التوسع في أدوات التمويل الأخضر والمناخي لجذب قروض ميسّرة منخفضة الكلفة، وتحسين إدارة النفقات الجارية لتحقيق فائض أولي تدريجي، إلى جانب إعادة هيكلة الدعم وضبط نمو الرواتب وزيادة الإيرادات غير الضريبية المستدامة.
وأوصت الورقة بإنشاء وحدة مستقلة لتحليل ديناميكية الدين داخل وزارة المالية أو البنك المركزي لمراقبة مؤشرات النمو وكلفة الدين بشكل مستمر، وربط مراجعة التقدم في تنفيذ الرؤية الاقتصادية بتقارير دين رسمية تُقاس على أساسها نتائج المشاريع.
كما شددت على ضرورة إصلاح حوكمة مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان توزيع عادل للمخاطر والعوائد بما يحمي المالية العامة ويعزز الاستثمار طويل الأمد.
وخَلص المنتدى إلى أن استدامة الدين في الأردن تبدأ من كفاءة إدارة المال العام، لا من حجم الاقتراض ذاته، وأن تحويل الدين إلى أداة إنتاجية يتطلب انضباطًا ماليًا وهيكلًا مؤسسيًا قويًا يربط التمويل بالعائد، لضمان أن يكون كل دينار مقترض رأسمالًا يولّد النمو لا عبئًا يستهلكه.