أخبار اليوم - لا يكاد ملف المياه يغيب عن واجهة النقاش العام في الأردن؛ فسنوات طويلة ظلّت الجهات المعنيّة تكرر خطاب “شح الموارد” و”ندرة المياه”، باعتباره التحدي الأكبر أمام الدولة والمواطنين، حتى أصبح هذا السرد جزءًا من الوعي العام. غير أنّ تساؤلات جوهرية عادت لتطرح نفسها اليوم: إذا كانت الموارد ضعيفة أصلًا قبل موجات اللجوء السوري، فكيف أمكن تأمين احتياجات مئات الآلاف من اللاجئين الذين يحتاجون كميات أكبر من المياه تفوق استهلاك المواطنين في كثير من المناطق؟
هذا السؤال يقود إلى سؤال أعمق ترتبط به خبرات الناس اليومية: هل الأزمة في حجم المياه المتاحة، أم في كفاءة إدارة هذا المورد؟ فالأردنيون يسمعون منذ سنوات عن تجاوزات ضخمة على شبكة المياه، بعضها بملايين الأمتار، وعن مزارع وفنادق وبرك سباحة تحصل على حصص وفيرة، فيما تعاني مدن وقرى بأكملها من تذبذب التزويد أو انقطاع طويل.
في المقابل، تشير وقائع الموسم المطري الحالي إلى كميات أمطار كبيرة، وسيول أغرقت طرقًا ومركبات، وسدود وصلت إلى حدود الامتلاء، ما يجعل السؤال يتكرر: أين ذهبت كل هذه المياه؟ وهل تم حصادها واستثمارها كما يفترض من دولة تعاني “فقرًا مائيًا” معلنًا منذ عقود؟
صوت آخر يتساءل: هل توزيع المياه عادل؟ وكيف يمكن الحديث عن أسبوع أو يوم ضخ ثابت بينما هناك مناطق لا يصلها الماء لأسبوعين أو أكثر، وأخرى بالكاد تحصل على ساعات قليلة؟ وما تفسير ارتداد قيمة الفواتير رغم ضعف الخدمة؟ هل المشكلة في الكميات أم في إدارة الملف المالي والتشغيلي للخدمة؟
وسط هذه التساؤلات، تتعمّق فكرة أن أزمة المياه ليست فقط في السماء أو المطر أو ندرة المصادر، بل في إدارة الملف، والخطط غير المستدامة، وضعف الحصاد المائي، وغياب العدالة بين المناطق. هنا يصبح السؤال المفتوح: هل تحتاج البلاد إلى مراجعة جذرية لطريقة إدارة قطاع المياه؟ وهل يمكن الانتقال من منطق التبرير إلى منطق الحلول؟
ربما ما يحتاجه النقاش اليوم ليس تكرار خطاب الأزمة، بل تفسيرًا شفّافًا لواقع الموارد، وخارطة حلول قابلة للتطبيق، تتضمن حصاد المياه، معالجة التسربات، ضبط الاعتداءات، وإعادة توزيع الخدمة بعدالة. أما السؤال الأكثر حساسية فهو: متى ستعامل الدولة الماء باعتباره حقًا مواطنيًا وليس منّة تُمنح أو تُحجب؟
ملف المياه لا يحتاج تصريحات مطمئنة، بل قرارات حاسمة وتغييرات في الإدارة.
فهل تبدأ الدولة ذلك؟ أم يبقى المواطن ينتظر “يوم الماء” مرة كل أسبوع أو شهر؟