زكريا وزوجته وأطفاله .. حكاية عائلة أبادتها "إسرائيل" خلال "وقف النار"

mainThumb
زكريا وزوجته وأطفاله.. حكاية عائلة أبادتها "إسرائيل" خلال "وقف النار"

09-12-2025 10:08 AM

printIcon

أخبار اليوم - كانت الصدمة تحاصر النازحين في "مبنى الأوقاف" بحي الزيتون حين وصل الشاب عبد الرحمن عزام بدراجته الهوائية، يقطع الأزقة التي اكتظّت بالإسعافات وصدى الصراخ.

قبل أقل من ساعة، كان يجلس هناك مع عمه زكريا، يحتسي معه القهوة ويتقاسم قطعة حلوى حصل عليها من نازح استقبل مولودا جديدا، مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، وكان الظن أنه سيمنحهم لحظة تنفس.

لكن حين وقف أمام سيارة الإسعاف، رآه مسجّى.. عمه زكريا شهيدا، وزوجته ضحى وطفلتاه ميار (3 سنوات) وسوار (5 سنوات)، وطفله يحيى (7 سنوات) — جميعهم نقلوا إلى المستشفى الأهلي العربي المعمداني شهداء في اللحظة ذاتها.

لم تكن الغارة قد قتلتهم فقط، بل محت العائلة من السجل المدني، كما لو أن السنوات التي عاشوها لم تكن.

"هنا أرضك وأهلك"

يروي عبد الرحمن (21 عامًا) لـ "فلسطين أون لاين" ما يعرفه جيدا عن تلك العائلة التي أحبها: كان زكريا عزام، ابن الـ36 عاما، يعمل عبر الإنترنت في اختصاص الجغرافيا. خلال العام الأول من حرب الإبادة، لم ينزح جنوبا رغم حصار الاحتلال لهم ثلاث مرات، وظل يؤكد تمسكه بأرضه: "هنا أرضك وأهلك".

شهد المجاعة التي فرضتها "إسرائيل" على شمال القطاع. لم يطلب طرودا غذائية، وكان من أكثر الناس تعففا، وتحمل مشاق النزوح القسري مرارا في شمال القطاع، يضيف عبد الرحمن.


وذات يوم في خضم حرب الإبادة الجماعية، عند مفترق الطيران، كاد طلق ناري من طائرة "كواد كابتر" إسرائيلية أن يقتل يحيى. نجا الطفل، وبقي والده يردد ما اعتاد قوله، أنه لا يريد أن يستشهد أحد من أسرته وحده، ويقول: "يارب نستشهد كلنا مع بعض... عشان ما ينفطرش قلب حد".

وفي خضم الاجتياح الإسرائيلي الأخير لغزة، قصف الاحتلال مدرسة الفلاح التي تؤوي نازحين. كانت الضربة تفصلها 50 مترا فقط عن مكانه. نجا الرجل وعائلته، ومع اشتداد الاجتياح البري مطلع أكتوبر/تشرين الأول، وجد نفسه أخيرا مجبرا على النزوح جنوبا. أقام خيمة هناك. وبعد سريان وقف إطلاق النار في 10 من الشهر ذاته، عاد مع أسرته إلى شمال القطاع، ولجأوا إلى مبنى حكومي.

يوم استشهاده في "مبنى الأوقاف" في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أصر أن يُطعم عبد الرحمن من الحلوى التي وصلته، ثم خرج قبيل المغرب ليحمل جالون ماء لأسرته.

غادر عبد الرحمن المكان متوجها إلى منزل للعائلة في حي تل الهوا، وبعد نحو ساعة، تلقى خبرا بأن "مبنى الأوقاف" قُصف. حاول الاتصال… هاتف زكريا كان معطوبا. اتصل برقم زوجته… لم تجب. رد شخص ما، وقال: لا أعرف شيئا.


ابن عمه الآخر لم يكن يعرف مكانهم، وصف له المكان فأخبرنه أنه بوضع مزر. يقول عبد الرحمن: "عندما تعرض المبنى ذاته لغارات إسرائيلية سابقة كنت أتصل بعمي زكريا ويجيب، عكس هذه المرة. أيقنت أن جوال زوجة عمي نجا، واستشهد عمي وأسرته".

عاد عبد الرحمن بدراجته إلى حي الزيتون. وجد عمه في الإسعاف. كان يصلي المغرب حين استشهد.

لم يكن زكريا يظن أن الموت سيأتيه في فترة وقف إطلاق نار. كان يريد أن يكمل حياته مع أسرته… كان يحب الحياة.

في تلك الليلة، بينما كان عبد الرحمن يقف أمام الإسعاف بملابسه التي يثقّبها أثر رصاصة قناص اخترقت القماش ومرت قرب جسده يوما، لم يكن يحمل فقط وجع فقدان عمه… بل وجع فقدان عائلة كاملة محيت من الورق ومن الوجود.

وعلى مدار سنتين من حرب الإبادة الجماعية، ارتكب الاحتلال مجازر بحق أكثر من (39,000 أسرة)، بينها آلاف الأسر أُبيدت بالكامل أو لم ينجُ منها سوى فردٍ واحد، وفق معطيات رسمية.

ومنذ سريان اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 22 نوفمبر/تشرين الثاني، ارتكب الاحتلال 497 خرقا للاتفاق، بحسب بيان سابق للمكتب الإعلامي الحكومي.

ثلاثة أطفال، وزوجة شابة، ورجل كان يتمسك بالحياة رغم الحرب. عادوا إلى الشمال في "وقف النار" بحثا عن لحظة أمان… فسجل الاحتلال نهاية أسمائهم كما تُشطب الكلمات من صفحة بيضاء.

وها هو عبد الرحمن — الذي انتشل ثلاث مرات من تحت الأنقاض، وفقد في يونيو/حزيران 2024 والدته وستة من إخوته — يقف شاهدا أخيرا على حكاية عائلة عمه التي لم يبق منها سوى روايته… كي لا يُمحى آخر أثر لهم، بعد أن مُحيَت أسماؤهم من السجل المدني.

فلسطين أون لاين