أخبار اليوم - على لسان ميناء الصيادين، غرب مدينة غزة، حيث المكان الذي لا جدران فيه تحجب الرياح ولا سقف يصد الأمواج، تقف نعمة شاهين وأطفالها في مواجهة عاصفة شتوية جديدة ضربت القطاع الساحلي بقوة.
تحت خيمة مهترئة ثبتت على حافة الميناء المدمر، تبدأ نعمة (32 عامًا) يومها بفصول من المعاناة بعدما دمر جيش الاحتلال منزل العائلة في بلدة جباليا، شمالي القطاع، إبَّان حرب الإبادة الدموية، ولم يُبقِ منه سوى الذكريات.
وعندما يغادر زوجها سعيد شاهين (37 عامًا) الخيمة في ساعات الصباح متوجهًا إلى الأسواق لبيع ما لديه من سلع قليلة ليعود إلى عائلته بما يسد رقمها، تحرص الأم على المكوث قرب أطفالها واحتضانهم حتى لا تطالهم لسعات البرد.
"نعيش ظروفًا في غاية القسوة.. لكن لا خيار آخر أمامنا.. الحرب أخذت منا منزلنا ودمرت حياتنا." قالت نعمة لـ "فلسطين أون لاين".
في خضم حرب الإبادة الدموية التي بدأتها (إسرائيل) يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعمد جيش الاحتلال تدمير مدن وأحياء سكنية كاملة في محافظات قطاع غزة، وما زال يسيطر على أكثر من نصف مساحته البالغة 365 كيلومترًا مربعًا.
وبفعل ذلك، ضاقت سبل الإيواء بأصحاب المنازل المدمرة، ولم يعد أمامهم سوى تثبيت خيامهم في أماكن يستحيل العيش فيها بعدما امتلأت المدارس والمراكز وحتى الشوارع بخيام النزوح؛ مثلما حصل تمامًا مع نعمة وزوجها وأطفالهما الخمسة، أكبرهم وائل (15 عامًا) وأصغرهم ساجد (3 أعوام)، حيث لم تجد هذه العائلة سوى لسان الميناء.
هناك ترقب الأم أحوال الطقس باهتمام، ويدّب الرعب في قلبها عندما تسمع عن منخفض جوي جديد.
خلف موقد صغير محاط بقطع حديدية صدئة، أشعلت نعمة عيدان من الخشب الرطب وقطع بلاستيك جمعتها من محيط الشاطئ، محاولة تجهيز وجبة ساخنة. وبينما سعى أطفالها للحصول على قسط من الدفء، كان لهب النار ضعيفًا يحاول عبثًا مقاومة الرياح العاتية، فيما تتطاير شراراته مع كل هبّة، مهددة بإطفائه أو إشعال الخيمة.
"لولا هذه النيران لمات أطفالي من لسعات البرد.. نبحث دائمًا عن أي شيء يمكن إشعاله من أجل التدفئة." أضافت نعمة وقد أزاحت وجهها من أمام ألسنة النيران بعدما تصاعد منها دخان أسود كاد أن يخنقها ويكتم صوتها.
وتابعت بصوت يخالطه التعب، "نخاف من الليل أكثر من النهار، فالبرد قاس والبحر لا يهدأ، وكل موجة أشعر أنها ستدخل خيمتنا ولا نملك أي بديل آخر لهذا المكان المكشوف."
وعن تأثر أفراد عائلتها بالمنخفضات الجوية المتتالية على غزة، قالت: "إنها زادت من معاناتا. الرياح الشديدة مزقت أطراف الخيمة، ومياه الأمطار تسربت إلى الأغطية والملابس القليلة التي نملكها."
أما أطفالها، فقد أصيبوا بنزلات برد متكررة وسعال لا ينقطع فيما تقف الأم عاجزة عن تأمين دواء أو ملابس شتوية تقيهم اللسعات القاتلة.
وتعترف هذه الأم أن لسان الميناء كان يومًا ملاذًا آمنًا لعائلتها، حيث المكان الذي يضج بحركة الناس وقوارب الصيد، لكنه تحول بسبب الحرب إلى شاهد على حرب الإبادة، ومصدر خوف دائم لأصحاب المنازل المدمرة.
وقالت نعمة: "لا نقدر على تحمل الظروف الصعبة أكثر من ذلك.. الخيام لا تحمينا وأطفالنا يموتون ببطء أمامنا.. نريد بيوتًا متنقلة تحمينا من الرياح والبرد والأمطار."
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، كان من المقرر إدخال مستلزمات الإيواء من خيام وكرفانات وبيوت متنقلة، لكن تلكؤ الاحتلال حال دون وصولها إلى غزة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية لأصحاب المنازل المدمرة.
المصدر / فلسطين أون لاين