الدكتور أبو عمارة يكتب: والدتي وإعادة التدوير

mainThumb

31-12-2023 11:33 AM

printIcon

أخبار اليوم - يعتبر مصطلح إعادة التدوير ( Recycle ) مصطلح حديث نسبياً بالنسبة لجيلي مع أننا كنا نُمارسه جميعاً في منازلنا دون عنونه !
وحينما سألتني طفلتي عن هذا المصطلح عُدتُ بذاكرتي لوالدتي أطال الله في عمرها وما الأفعال التي كانت تقوم فيها فوجدت أنها كانت تؤمن بإعادة التدوير بل وكان يعتبر نمط من أنماط الحياة اليومية .
ومن الأمور التي كنا نقوم بها : كانت والدتي تصنع اللبن في المنزل وبعد ذلك تقوم بجمع ما يزيد ووضعه في الخريطة " كيس من القماش "
و دوماً يُعَلَّق على نافذة المطبخ ويبدأب-زل-الماء ليصبح بقدرة قادر لبنة لذيذة جداً …
وبالنسبة للملابس فقد كان الأكثر حظاً هو الأكبر عُمراً حيث يتم شراء الملابس الجديدة غالباً له وبعد ذلك يرتديها الأصغر فالأصغر فالأصغر في عملية إعادة تدوير واضحة لذا فعند استعراضك للصور من ألبوم صور قديم لعائلة عشوائية قد تجد نفس الجاكيت قد تصوّر به جميع أفراد الأسرة مع اختلاف تدريجي بلونه وحسب العمر ،
وبعد أن تهترئ الألبسة يتم استعمالها مرة أخرى حسب نوعها ، فإذا كانت ملابس صوفية يتم ( كرّ ) البلوزة مثلاً وتشكيل طابات من خيطان الصوف حسب اللون والسُّمك ليتم استخدامها مرة أخرى ل عمل بلوزة جديدة بواسطة الصنّارة في فترة الخريف وأما إذا كانت ملابس قطنية فتتحوّل مباشرة إلى ممسحة للأرض. وأما الأنواع الأخرى من الملابس فتذهب إلى (مطحنة الشرايط ) حيث يتم طحنها وتحويلها إلى قطع صغيرة يتم استخدامها في عمل الفرشات الأرضية أو كما تسميها والدتي " طرّاحة " .

وفي موسم الصيف وحسب الفاكهة المتوفرة والزائدة عن الحاجة كان موسم " التطلي " المربى والمرهون بنوع الفواكهة أكثر توفرًا والأرخص سعرًا .

ويكاد لا يخلو شبّاك المطبخ من مشكاك البامية ومشكاك القطين – القطن المجفف –
وكان لموسم تنشيف الملوخية ذكريات جميلة حيث كنا نشتري الملوخية بكميات كبيرة وتلتم الجارات حسب الدور لتلقيط أوراقها وثم فردها على بسط في الأماكن المشمسة حتى تَجِف وكنَّا نحمل عيدان الملوخية الفارغة ونوصلها لأحد الجيران الذي كان يربي الأغنام ليتخذها وجبة دسمة لأغنامه ، وكان بعض أصدقائي المشاغبين يخفون بعضاً منها ويتركونها لتنشف وبعد ذلك يُقَلّدون آبائهم بتدخينها وكنا نعتبر هؤلاء – مش كويسين – ودوماً توصينا والدتي بالابتعاد عنهم – مدخني عواد الملوخية – والتي كانت تنعتهم والدتي بالعيال الهمل !
وبالنسبة لتنك الزيت الجديد فبعد الانتهاء من الزيت الموجود في التنكة يُستخدم كوعاء لغلِي الماء لفترة طويلة وبعد أن يُستهلك يتم تحويله – لتنكة زريعة – حيث يتم استخدامها للزراعة وكذلك تنك السمنة …
فإعادة التدوير أصلاً موجودة ومستعملة وبشدة في حياتنا ولكن دون تأطير أو تسمية .
وكانت هناك العديد من الأدوات التي يتم تدويرها في الحي وبين الجيران فمثلاً السُّلَّم غالباً هناك سُلَّم واحد في الحي يقترضه الذي يحتاج وكذلك المطرقة وأدوات الزراعة
وبعد التطور – الدرّل – وغيرها من الأدوات إذا ما اقتنتها أسرة ما استعملها كل سكان الحي لتعبّر عن أجمل صور التكافل والتعاون والتبادل الجاري بين الجيران .
كانت فلسطين لا تغيب عن آي جلسة أو اجتماع ، وكنا ويشرب الشاي بكثرة ولا نعرف القهوة إلا عندما يزورنا ضيف غريب .
لا شك بأنه كان زماناً جميلاً عشناه وتذوّقنا لذّته برغم ضيق العيش وقلة ما باليد إلّا أنها كانت أيام جميلة نفتقد دفئها وحنيتها والكثير من تفاصيلها ،
وأُشفِق كثيراً على أبنائنا الذين لم يستَلذّو بمتعة الجيران والأكل البيتي واللعب بعيداً عن الانترنت في الحارات …

ففي كل يوم أكبر فيه أكتشف أنّ أمي مدرسة في كل شيء ، وفي كل يوم أتعلم منها الكثير الكثير … حَفِظَها الله وحَفِظَ أمهاتكم جميعاً .

بقلم الدكتور محمد أبو عمارة