الإبادة الجماعية .. جريمة مثيرة للسخرية

mainThumb

16-01-2024 01:39 PM

printIcon

د. أشرف الراعي
تقول معظم الشرائع القانونية إن حياة الإنسان وحاجته للأمن هي من الحقوق اللصيقة بشخصيته والتي لا تتقادم مع مرور الوقت وقد نصت عليها جميع الدساتير في العالم الغربي والعربي والشعوب الحرة ودول العالم المتقدم، وهو أمر لا خلاف فيه أو نقاش، لكن الإنسانية وبرغم كل هذه النصوص القانونية وحتى الشرائع السماوية لم تستطع منع جرائم القتل والإبادة حتى مع تقدم الزمان، ولا أدل على ذلك اليوم مما يجري في قطاع غزة المنكوب من عمليات إبادة وتطهير عرقي لكل ما يتحرك على الأرض.
إن ما يعيشه العالم اليوم يأتي في ظل قرارات المجتمع الدولي المترنحة، والتي يعيش الغزيون خصوصاً والفلسطينيون عموماً اليوم آثارها الكارثية، مع عدم تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1946 والتي بقيت معطلة حتى البدء بتطبيق نصوصها والمحاكمة استناداً لها في العام 1998 الأمر الذي يثير التفكير في آليات وحقيقة تطبيق القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي الجنائي، وأهمية الذهاب إلى المحاكم الدولية وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية المباشرة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها القطاع.
إن كل ما يقال من يقظة عالمية تجاه القانون الجنائي الدولي هو اليوم فارغ من مضمونه، وتحديدا فيما يتعلق منه بمحاكمة مرتبكي جرائم الحرب والإبادة الإنسانية، على الرغم من تطبيقها في بعض الحالات كما هو الحال بالنسبة للمحاكمات يطلق عليها اسم "محاكمات نرومبرغ"، وهي سلسلة من المحاكم العسكرية التي عقدتها قوات الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية وفقًا للقانون الدولي وقوانين الحرب، وحققت شهرتها الأكبر بسبب محاكمة مسؤولين كبار في القيادة السياسية، والعسكرية، والقضائية، والاقتصادية في "ألمانيا النازية"، والذين كانوا ضالعين في التخطيط، أو التنفيذ، أو المشاركة بوجه من الوجوه فيما يسمى بـ "الهولوكوست".
الأساس أن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب إلا جرائم ضد الإنسانية وجرائم إرهابية وتطهير عرقي، وكلها يفترض أنها مجرمة بموجب القانون الدولي، وهو ما أكدته المحكمة الجنائية الدولية لرواندا العام 1998 بقولها إن "المجازر التي وقعت في العام 1994 كانت تستهدف بصورة خاصة إبادة (عرق معين) تم اختيارهم بسبب انتمائهم لتلك الجماعة وليس لمجرد كونهم مقاتلين في الجبهة الوطنية الرواندية"، وهو ما يفترض أنه ينطبق اليوم على الحالة الواقعية في قطاع غزة الذي بلغ عدد ضحاياه (المدنيين) منذ بداية الحرب نحو 24 ألف شخص نصفهم من الأطفال، فيما فقدت الكثير من العائلات أبنائها تحت ركام المنازل.
وفي ظل ذلك كله، يبدو القرار الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1946 والذي يقول إن "إبادة الجنس البشري هي إنكار حق الوجود لجماعات بشرية بأكملها؛ كالقتل الذي يمثل إنكار حق الشخص في الحياة يتنافى مع الضمير العام للجماعة الدولية ويصيب الإنسانية بأضرار جسيمة الأمر الذي لا يتفق والقانون الأخلاقي وروح مقاصد الأمم المتحدة، إنما هو مثير للسخرية ما يتطلب من الجماعة الدولية الحديث عن الأخلاقيات في ظل ما يعانيه الغزيون المدنيون من قتل وتدمير وسحق بكل الوسائل "غير المشروعة".