السجائر الإلكترونية .. إدمان يغزو صدور الأطفال وقبول مجتمعي يسهل انتشارها

mainThumb

29-01-2024 01:33 AM

printIcon

أخبار اليوم - لم تستوعب رؤى محسن ذلك المشهد لمجموعة من الفتيات اللواتي لا يتجاوز عمر أكبرهن 14 عاما يجلسن في الساحة الخارجية لأحد المراكز التجارية، تحمل كل واحدة سيجارة الكترونية "Vape"، بألوان جذابة، يتنافسن فيما بينهن على من دخنتها أكثر ونكهتها مميزة بشكل أكبر.

رؤى، استهجنت ذلك المشهد لصغيرات يتباهين بالتدخين العلني والتفاخر بمن تملك سيجارة إلكترونية بألوان لافتة ونوع مميز، متسائلة: أين مراقبة الأهل في الوقت الذي بات فيه كثير من الأطفال يدخنون هذه السجائر وعلى مرأى العديدين، وكأنها "موضة" جديدة على الجميع اتباعها؟!

لم تكن تلك المرة الأولى التي تشاهد بها رؤى هذا الأمر، حيث باتت تلتفت لاحقا إلى أن تدخين "الفايب" بين الأطفال أصبح منتشرا وبشكل كبير، وتباع تلك السجائر في كل مكان، فاستخدامها السهل والنكهات المتعددة، زادا من انتشارها، والأسوأ من ذلك معرفة الأهل وصمتهم أحيانا، باعتبار هذا النوع من التدخين "تسلية وليس تدخينا حقيقيا!".


"جديد.. وصل الجوس الصح اللي بناسب كل الأذواق متوفر الآن بجميع النكهات سيجارة مع كل أغراضها بتسعة دنانير بس".. ذلك واحد من إعلانات كثيرة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي ومراكز التسوق عن سجائر الكترونية و"VAPE" بألوان ونكهات مميزة أصبحت تأسر وتجذب قلوب اليافعين.


هناك انتشار غير مسبوق للسجائر الإلكترونية بين أيدي أطفال ويافعين وطلبة المدارس، بمشهد أصبح يثير تساؤلات كثيرة وقلقا كبيرا حول صحة هؤلاء الأطفال الذين غزت المواد الكيميائية صدورهم من دون أن يعي الأهل والجهات المختصة خطورة ما يحدث.


كانت صدمة كبيرة عندما بدأت ليلى التي لم تتجاوز الثلاثة عشر ربيعا بإخراج السيجارة الإلكترونية من جيبها، وبدأت تسحب سحبات عدة في جلسة عائلية أثارت خلالها جدلا وغضبا لمن رآها، في حين ردت والدتها "لا عادي هاي VAPE ما بتعمل اشي على طعم فراولة".
هنالك نكهات فواكة مختلفة وبألوان زاهية للبنات الصغار، بحسب وصف ليلى، مبررة أنها ليست وحدها من تقوم بذلك، وإنما كل صديقاتها، وهو أمر عادي وتسلية ولا يشبه الدخان العادي.


المار في الشوارع أثناء خروج طلبة المدارس، يرى حجم انتشار ظاهرة استخدام السجائر الإلكترونية بين الطلبة على اختلاف أعمارهم، بل أصبحوا أيضا يتباهون بأشكالها وألوانها وأسعارها، إلا أن صمت الأهالي غير المبرر وتقبلهم بشكل غير مفهوم يزيد من خطورة انتشارها وحدة استخدامها من قبل اليافعين.


في حين استهجنت سعاد ما سمعته عندما جاءت ابنتها لتخبرها أنها صديقتها تدخن سيجارة إلكترونية رغم أنها لم تتجاوز (12 عاما) وتعاني من أمراض وخضعت لعمليات جراحية عدة، إلا أن ذلك لم يكن سببا رادعا لأهلها لمراقبتها والاهتمام بصحتها.


وحول ظاهرة انتشار السجائر الإلكترونية بين المراهقين والأطفال والشباب، تشير الأمين العام لجمعية "لا" للتدخين الدكتورة لاريسا الور، إلى التأثير السلبي والكبير للسجائر الإلكترونية سواء التي تحتوي على نيكوتين أم لا حسب نوع النكهة، إضافة للتأثير على الصحة الإنجابية للرجل والمرأة.


وتؤثر المواد التي تحتوي عليها المادة التبغية في السجائر الإلكترونية على الهرمونات الموجودة في الجسم، وهذا ما يفند الأكاذيب التي يدعيها أصحاب هذه الشركات والمروجون الذين يؤكدون أن ضرر السجائر الإلكترونية أقل من السجائر العادية بنسب كبيرة.


وحول غياب قوانين رادعة تتعلق بالسجائر الإلكترونية، تشير الور إلى أن القوانين والتشريعات لم تشمل صراحة السجائر الإلكترونية، لأنها لم تكن موجودة في ذلك الوقت، ولكن عندما يشار إلى "ممنوع التدخين في هذا المكان"، فيعني السجائر العادية والإلكترونية والتبغ المسخن، وهذا كله من المهم التنبيه له.


وتشترك السجائر الإلكترونية، بحسب الور، بالكثير من السلبيات والأضرار مع السجائر العادية، واليوم يعيش أفراد المجتمع صغار وكبارا تجربة كيميائية دوائية يتم خلالها تجربة مادة مجهولة نتائجها على الأطفال والشباب والكبار، وستكون المصائب التي خلفتها شركات التبغ كبيرة بعد سنوات عدة.


وتقول الور "المصنع واحد للسجائر العادية والإلكترونية وحتى التبغ المسخن وشركات التبغ تهمها المبيعات وليس صحة الناس"، والضحايا الجدد باتوا من فئة الأطفال والمراهقين باعتبارهم زبائن لفترة طويلة، وكلما بدأ المراهق بالتدخين بعمر أقل تكون شدة الإدمان أكثر، وهذا الذي تستهدفه شركات التبغ.


ويلاحظ اليوم أن فئة الشباب من الذكور والإناث الذين اعتادوا تدخين السجائر الإلكترونية يلاقون صعوبة كبيرة في الإقلاع عن التدخين بسبب إدمانهم الشديد وتعلقهم بها، وعدم مفارقتها أيديهم.


وما يزيد من خطورة السيجارة الإلكترونية، بحسب الور، هو سهولة استخدامها في أي وقت وفي أي مكان، حيث يستطيع الشاب أوالمراهق أن يسحب منها في أي لحظة وسحبات متتالية من دون أن يعي على نفسه، وهو ما يجعل البعض يستسهل استخدامها.


هذه السهولة، وفق الور، جعلت المدخنين يحصلون على حصة أكبر من النيكوتين مقارنة باستخدامهم للسجائر العادية، حيث زاد استهلاك الكثيرين للسجائر الإلكترونية.


ويبدأ دور الجهات المختصة في التصدي لهذه المشكلة الكبيرة بتجديد القوانين، فالمشكلة الحقيقية تكمن في السماح لمنتج تبغ جديد بالبيع بالأسواق، في الوقت الذي لا توجد به قوانين تضبط المنتجات السابقة، كالسجائر العادية والأراجيل التي تدخن في الكثير من الأماكن.


إلى ذلك، فإن إدخال السجائر الإلكترونية وبيعها واستخدامها هو بمثابة تحايل على القانون، بحسب الور، ويتحول الوضع من سيئ إلى أسوأ، ونسبة انتشار السجائر الإلكترونية بين اليافعين واليافعات مخيفة جدا، لا سيما وأنها منتشرة في المدارس وبين الطلاب بشكل كبير.


وتأخذ الور على الحكومة عدم تفعيل شروط مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية التي حددت واشترطت حجم عبوات التبغ في السجائر الإلكترونية والنكهات المسموحة ونسبة النيكوتين، في حين أن شركات التبغ تنشر هذه المنتجات.


ووفق الور، ينبغي تكاتف الجهود للحد من هذه الآفة والتصدي للمخالفات والانتهاكات لقانون الصحة العامة والقوانين الدولية التي تمنع بيع السجائر الإلكترونية لمن هم تحت سن 21 عاما، كذلك تكثيف الرقابة عند بيع السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن في المراكز التجارية.


كذلك، تعج المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بالسجائر الإلكترونية بنوعيها وبأسعار زهيدة تجذب المراهقين واليافعين لشرائها من مصروفهم اليومي. وتتساءل الور عن القوانين الرادعة التي تمنع بيع هذه المنتجات للأطفال واليافعين وهل يتم وضع مخالفات على من يقوم بها سواء في المحلات أو مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقوم الطفل بشرائها وتصل لباب البيت مع التوصيل من دون أن يعلم أحد بذلك.


وتعمل السجائر الإلكترونية، بحسب اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية الدكتور محمد حسن الطراونة، على تسخين سائل النيكوتين، ويحتوي على مجموعة من المواد، مثل الجليسرين ومحلول كحولي يتم تسخينه من خلال بطارية يتم شحنها وعند استخدام هذه السيجارة، حيث ينفخ دخان كثيف جدا يحتوي على الكثير من المواد الضارة والمسببة للسرطان.


ما يخيف بهذه السجائر، بحسب الطراونة، هو انتشارها بشكل كبير بين اليافعين والمراهقين بقصد استخدامها كبدائل للسجائر العادية، لا سيما وأنها صنفت كبدائل للإقلاع عن التدخين، ولكن الدراسات العالمية، مثل الجامعة الأسترالية الطبية، أثبتت احتواءها على 242 مادة كيميائية، منها 40 مادة صنفت على أنها سامة، في حين أثبتت الدراسة التي أجرتها جامعة بوسطن أن هذه المواد تقتل الخلايا المناعية، وهو ما أظهر نتيجتها أمراضا جديدة ارتبطت بشكل مباشر بالتدخين الإلكتروني. ويحتوي السائل الإلكتروني في السجائر، بحسب الطراونة، على نسب متفاوتة من النيكوتين من 0 الى 2.5 % ويستخدم بشكل مستمر ومكثف، وهناك البعض الذين لا يتوقفون عن التدخين طوال الوقت، وهذا يؤدي إلى استهلاك كميات أكبر.


ويشير الطراونة إلى المضاعفات الناتجة عن السجائر الإلكترونية طويلة الأمد؛ كحدوث التهابات متكرة في الفم والجهاز التنفسي العلوي وتهيج المجاري التنفسية العلوية والسلفية واحتمالية حدوث التهابات رئوية مستمرة ونوبات من الربو وتحسس بالقصبات وغيرها من الأمراض، والمواد الحافظة الموجودة في السائل الإلكتروني حتى هذه اللحظة غير معروف أثرها.


وحول اعتبارها كبدائل، فإن المبادرة العالمية لداء الانسداد الرئوي المزمن أصدرت تحديثاً للعام 2024، ذكرت فيه أنه لا يمكن أن تكون السجائر الإلكترونية بديلا للإقلاع عن التدخين أو وسيلة للإقلاع عنه كما كان معروفا في السابق.


وأضاف "أن السبب يعود إلى الأضرار الناجمة عن السجائر الإلكترونية، وهناك، حسب الدراسات العالمية، نحو 2800 حالة تم تشخيصهم بأمراض رئوية لها علاقة بالتدخين الإلكتروني، كما التهاب الرئة وأنسجة الرئة والنزف داخل الحويصلات الهوائية وتهيج الجهاز التنفسي العلوي والسفلي نتيجة وجود مواد مرافقة لمادة النيكوتين أثناء عملية تدخين السجائر الإلكترونية".


وأكد الطراونة أن الانتشار الواسع لاستخدام السجائر الإلكترونية في الأردن، خصوصا لدى المراهقين، يزيد من احتمالية حدوث الأضرار، وذلك لأن الرئة تكون في مرحلة نمو مستمر حتى العمر بين 20 و25 عاما بصورة متفاوتة بين الذكور والإناث.


وأوضح أن كفاءة الرئة تبدأ بالاستقرار حتى سن 30 عاما، وبعد ذلك تبدأ بالنزول بسبب التقدم بالعمر، وكلما كانت بداية التدخين مبكرة كانت الأعراض والمضاعفات الناجمة عنها أكثر.


ولعل التدخين المزدوج الذي يتم فيه المراوحة بين استعمال السجائر الإلكترونية والتدخين التقليدي، من دون ضوابط أو رقابة، من الأمور الخطيرة جدا، بحسب الطراونة، فبالرغم من الاتفاقية الموقعة بين الأردن ومنظمة الصحة العالمية وبين جهات دولية عدة لمكافحة تعاطي التبغ، فإنه يمنع الترويج لمنتجات التبغ على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.


ويتابع "عند الدخول إلى المحلات التجارية الكبرى، نلاحظ في مدخل المتاجر إعلانات ترويج السجائر الإلكترونية التي تباع إلى جانب علب الحلوى، وهذا أمر في غاية الخطورة ويسهل الوصول إليها".


ويتفق الطراونة مع الور، قائلا "نلمس على أرض الواقع غياب تفعيل لقانون الصحة العامة الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة والترويج للتبغ"، مطالبا بضرورة أن يكون هناك ضوابط لحماية المجتمع من آفة التدخين، كذلك الأشخاص الأصحاء الذين يتعرضون للتدخين السلبي.


ودعا الطراونة، السلطات الصحية في الأردن، لضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لمكافحة التدخين ومخالفة المخالفين للتعليمات وتفعيل دور عيادات الإقلاع عن التدخين.


وكان تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية بعنوان "اتجاهات انتشار تعاطي التبغ 2000-2030"، أشار إلى أن 6 دول "ما تزال" تشهد ارتفاعا في تعاطي التبغ، 3 منها في شرق المتوسط، وهي الأردن ومصر وعُمان.
وقدرت المنظمة عدد مستخدمي التبغ ومدخنيه في الأردن العام 2022 بنحو 2.774 مليون شخص من أصل ما يقارب من 11 مليون نسمة، منهم 2.291 مليون ذكر، و483 ألف أنثى.


وتشير الإحصائيات إلى أن الأردنيين يدخنون ما معدله 21 سيجارة يوميا، وتخسر الدولة سنويا نحو 900 مليون دولار بسبب التدخين. ورغم وجود قانون يمنع بيع السجائر للأعمار تحت سن 18 عاما، فإن التدخين منتشر بين المراهقين.


وبلغت نسب الإصابة بالسرطان وأمراض القلب نتيجة التعرض للتدخين السلبي في الأردن بين 25 و30 %، وفق أرقام وزارة الصحة الأردنية. كما بلغت نسبة التعرض السلبي للتدخين أكثر من 65 %.

الغد