ستة وخمسون عاما من الالم والأمل اكرمني الله واعطاني اكثر مما استحق

mainThumb
ستة وخمسون عاما من الالم والأمل اكرمني الله واعطاني اكثر مما استحق

03-05-2025 10:30 AM

printIcon

النائب الدكتور حسين العموش

قالت لي امي رحمها الله انها ولدتني فجر الثالث من ايار .

في بيت متواضع غرفتين من الطين تمتد امامهما برنده صُبت من الأسمنت، يقابلهما مطبخ متواضع يستند إلى حوش الأغنام وتينة يتيمه غرستها الجده على عجل.

على ربوه من روابي الهاشمية الشرقيه أراح بيت علي المحمود حمولته الثقيله المتعبه لأب رزقه الله بست بنات توفي منهما اثنتان في عمر مبكر (عائشه وعيشه) جاء الولد بعد ست بنات .

انتظروه بشغف وحب ، فرح به الاقارب والجيران وأقيمت الأفراح لمقدمه ، كان يفرحون للولد ايما فرح ، لكنهم لا يكرهون قدوم الفتاة .

كان الشاب المتقاعد الذي عمل في تجارة الأغنام يحلم بولد قال لشاهية المزهر انه سيبذل كل غالي ونفيس ليدخله افضل المدارس والجامعات ليتخرج بأرفع الشهادات،تماما مثل ابناء المدن والقرى الفلسطينية التي عاش وتعايش فيها ست سنوات، هناك عرف اهمية العلم وعرف معنى الشهادة وكيف تجلب السعد والخير لصاحبها ، ولذلك حرص على تدريس البنات رغم ضيق ذات اليد .

وجد حسين العلي نفسه بين شقيقات اربع الكبرى نوال والصغرى عائده وبينهما دلال ووطفه وجدة عجوز وحاره جميله متحابه يسبق اي اسم فيها عمي او خالي او عمتي او خالتي .

لم يعش ما يجب ان يعيشه طفل وحيد على اربع بنات ، لعل الوالد كان يبتغي ان يغرس فيه صعوبة العيش ليخلق منه رجلا قبل أوانه،ولذلك كان يكلفني بمهام صعبه وشاقه على طفل بعمر ست سنوات من رعي الأغنام، وحمل الاعلاف ،وحصد القمح والشعير، كل ذلك تم تتويجه بان أتسلم ادارة الدكان الوحيد في القرية بعمر احد عشر عاما ، بيع وشراء وتسجيل ديون ، وإنزال بضاعه وترتيبها على الأرفف المتواضعة، ناهيك عن بيع الكاز وتعبئة الربع كوحدة قياس.

على مقرط العصا كنت ارقب ابناء الحارة يلعبون كرة القدم في ملعب مدرسة ابن الانباري ، فلا احلم بان اكون احدهم،ذلك ان المهام الملقاة على عاتقي لا تسمح لي باللعب واللهو باعتبارهما فائضين عن الحاجه لا لزوم لهما لطفل رجل ، ولذلك لازمتني عقدة لعب كرة القدم حتى الان فتخليت عنها مجبرا، تركت في نفسى اسى وحسرة انعكست على عدم معرفتي باسماء اللاعبين والفرق ومستواها وتأهلها وكل ما يتعلق بكرة القدم .

باختصار ،لقد ولدت رجلا ، لم اجتز مراحل الطفولة مثل اي طفل ، ولا كان الوالد الراحل رحمه الله يؤمن بطفولتي،وكأنه كان يريد ان أتعجل في السنوات دون المرور بمرحلة الطفولة المحببه ،ولذلك كان دائما يخاطبني بكلمة (يا رجل) وانا بعمر خمس سنوات.

حتى حين اشترى لي اول بسكليت تحت بكاء وإلحاح ورجاء من جدتي وامي رحمهما الله كان يسألهما ويسألني سؤالا محيرا (شو وده بيه) لم يسعفه ذهن اب يرى في طفله رجلا ان الرجل يمكن ان يلعب ويلهو بالبسكليت.

حين رزقني الله بأطفالي اول الهدايا تكون بسكليت وألعاب ومرح ولهو لا حدود له تعويضا عن عقدة النقص التي عشتها .

مثل أطفال جيلي نشأت بين الدراسة والعمل والسير لمسافات طويلة سيرا على الأقدام ، كانت ايام جميلة رغم الحرمان والتعب والبؤس نتذكرها الان بحب ورضى .

وحين دخلت جامعة اليرموك طالبا شغوفا لدراسة الصحافة والاعلام أخذني الانبهار بالمكان والزمان وزمالات زملاء الدراسه وثقافة المدن ، ففتحت عيناي لاول مرة في حياتي على علاقات جميلة وصداقات وتحمل مسؤوليات وواسطات ومسرحيات وشعر وموسيقى ورحلات وكتابه صحفيه ،اربع سنوات مرت كرمشة عين التحقت بعدها بعمل سريع يكفيني الجلوس بين اربع حيطان ، عملت عاملا في مصنع للزيوت في المنطقه الحره، ثم تكرم علي رئيس بلدية الهاشمية الشهم تيسير كريم الزيود بوظيفة امين مكتبه وعلاقات عامه عملتها لمدة ثلاث سنوات كنت خلالها اعد التحقيقات الصحفية وادفعها لجريدة الدستور فتنشر في اليوم التالي ،قبل ان التحق رسميا بالعمل في صحيفة الدستور في العام ١٩٩٤ .

كنت مغرما بجريدة شيحان والصحافة الأسبوعية، فلم امكث طويلا في الإعلام الرسمي لانتقل للعمل في شيحان ، وسجلت اهم الأعمال الصحفيه ليبدأ اسمي بالزحف باتجاه اهم الكتاب والصحفيين، تسلمت رئاسة تحرير جريدة الصياد التي كان يصدرها الزميل نايف الطوره كأصغر رئيس تحرير في ذلك الزمان (٢٨) عاما ، عملت بمعية زملاء يؤمنون بان العمل الصحفي رساله قبل ان يكون مهنة .

ثم عملت رئيسا لتحرير صحيفة صوت العرب وكتبت تحت اسم (حسين العلي) ثم رئيسا لتحرير جريدة عبدربه الساخره ،فسجنت واعتقلت مرارا ودخلت سجن الجويده غير مرة .

مررت من زنازن المخابرات لعدة اعتقالات كان أقساها اعتقال لمدة ثمانية ايام وسبعة اخرى في الجويدة على مقال كتبته تحت عنوان (خسئتم) .

كانت الصحف اليومية تنشر على صفحتها الاولى خبر اعتقال صحفي، كان مجلس النقابة يصدر بيانا شديد اللهجه يطالب بالإفراج عن الزميل .
آخر صحيفة أسبوعيه عملت فيها رئيسا للتحرير كانت الشاهد التي قفزت في ترتيبها الى الصحيفه رقم واحد بالجرأة والتوزيع .

وحين تعبت من المحاكم والقضايا والسجن والاعتقال عدت الى صحيفة الدستور عام ٢٠٠٤ عملت فيها حتى اكرمني الله بأن يقع الاختيار علي لأكون مديرها العام ورئيس التحرير عام ٢٠١٨ .

كنت خلال هذه المده استمتع بخدمة الناس ، فأعلنت عن ترشحي لمجلس النواب وانسحبت لصالح ابن العم الدكتور سليمان القلاب العموش ، بشجاعة قدت ومعي ابناء العشيرة الإجماع على رئاسة بلدية الهاشمية،ثم مجلس النواب .

بشهر شباط ٢٠٢٤ عزمت على خوض الانتخابات النيابية، فوقفت معي عشيرتي وابناء قبيلة بني حسن وابناء محافظة الزرقاء ، اكرمني الله سبحانه وتعالى بالنجاح عضوا في مجلس النواب .

ستة وخمسين عاما مرت سريعا ، احمد الله كثيرا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فقد منحني الصحة والعافية، وكان الله معي دائما في احلك الظروف والموقف وهي كثيرة ومتعبة وقاسية.

منحني الله اهم شئ لولاه لما وصلت الى ما وصلت اليه إلا وهو محبة الناس وقربي من الاهل والعزوة والاقارب والجيران وابناء الزرقاء.

اللهم لك الحمد والشكر حتى ترضى يا اكرم الاكرمين.