أخبار اليوم - صفوت الحنيني - قال الخبير الاقتصادي منير دية إن تراجع مؤشر ثقة المستهلك الأردني خلال الربع الأول من العام 2025 بنسبة 2.9%، كما أظهر تقرير "إبسوس"، يعكس حالة من القلق المتزايد في الشارع الأردني تجاه الوضع الاقتصادي العام، ويؤشر إلى خلل متنامٍ في العلاقة بين المواطن والسياسات الاقتصادية المتبعة، مما يستدعي تدخلاً حكوميًا جادًا وفوريًا لإعادة بناء الثقة وتعزيز الاستقرار.
وأشار دية إلى أن هذا التراجع لم يكن مفاجئًا، بل جاء متسقًا مع ما كشف عنه تقرير منتدى الاستراتيجيات الأردني الذي صدر في وقت سابق، والذي أظهر انخفاضًا واضحًا في ثقة المستثمرين بالاقتصاد الوطني خلال الربع الرابع من عام 2024، حيث انخفض المؤشر إلى 147 نقطة مقارنة بـ173 نقطة في الربع الثالث من نفس العام، وهو ما يعكس خيبة أمل واضحة لدى قطاع الأعمال والاستثمار تجاه التوجهات الاقتصادية الحالية.
وأوضح أن التقرير اعتمد على ثلاث مؤشرات فرعية رئيسية لقياس الثقة الاقتصادية، أظهرت جميعها تراجعًا ملموسًا؛ فمؤشر الثقة في النشاط الاقتصادي انخفض إلى 138 نقطة مقابل 161 في الربع السابق، كما تراجع مؤشر الثقة في النظام النقدي إلى 199 نقطة مقارنة بـ200 نقطة، بينما شهد مؤشر الثقة في النظام المالي تدهورًا أكبر بعد أن انخفض إلى 114 نقطة بعدما كان 159. هذا الانخفاض المتسلسل في المؤشرات يعكس هشاشة في المزاج الاقتصادي العام ويطرح تساؤلات جدية حول نجاعة السياسات الحكومية في إنعاش الاقتصاد واستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين.
وأضاف دية أن ما ورد في تقرير "إبسوس" لثقة المستهلك يعزز هذا الانطباع، حيث أشار إلى انخفاض في ثقة المواطنين تجاه الاقتصاد المحلي بشكل عام، وكذلك تراجع في مؤشرات فرعية مهمة مثل ثقة المستهلك بفرص الاستثمار، وثقته بالأمان الوظيفي، وقدرته على الادخار والاستقرار المالي في المستقبل. هذه المؤشرات لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى الأبعاد النفسية والاجتماعية، إذ تعكس شعورًا عامًا بالإحباط وغياب الأمل في التحسن القريب.
واعتبر دية أن هذه المؤشرات يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للحكومة لمراجعة أدواتها الاقتصادية الحالية، والعمل على وضع خارطة طريق جديدة تقوم على إجراءات مدروسة وذات أثر ملموس. وأضاف أن استمرار هذا التراجع دون تدخل فعّال من شأنه أن يعمق الفجوة بين الحكومة والمواطن، ويزيد من التحديات التي تواجه المملكة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد أن بناء الثقة لا يكون عبر التصريحات أو الوعود، بل عبر قرارات حقيقية تطال حياة المواطن اليومية، وتوفر له الأمان المالي والوظيفي، وتعيد إليه ثقته بأن السياسات العامة تعمل لمصلحته وتراعي همومه.
وأشار إلى أن التقرير حدد بوضوح أبرز القضايا التي تؤرق المواطن الأردني، والتي تشمل البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، والفقر وعدم المساواة، وضعف منظومة التعليم، وانتشار الفساد. وهذه القضايا ليست جديدة، بل باتت مزمنة ومترسخة في وعي المواطن الذي أصبح يشكك بقدرة السياسات الرسمية على معالجتها.
وشدد دية على أن إعادة بناء الثقة تتطلب خطوات شجاعة، تبدأ بمواجهة حقيقية لمشكلة البطالة وتوفير فرص عمل حقيقية ومستدامة، ورفع كفاءة منظومة التعليم، وتخفيض الكلف المعيشية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وإعادة هيكلة منظومة الحوكمة والرقابة لضمان محاربة الفساد بشكل فعلي، لا شكلي.
وختم دية حديثه بالقول إن مستقبل الاقتصاد الأردني يعتمد على استعادة ثقة المواطن والمستثمر معًا، وأن أي استراتيجية اقتصادية لا تضع هذه الثقة في قلب أولوياتها ستكون ناقصة وغير قادرة على خلق تحول حقيقي. فالثقة ليست رفاهية، بل شرط أساسي لجذب الاستثمارات، وتحفيز الإنفاق، وتحقيق الاستقرار والنمو في بيئة اقتصادية مضطربة.