أخبار اليوم - في حيّ الصبرة بمدينة غزة، كان المواطن مصطفى عادل السفرية يستيقظ كل صباح على صوت أولاده الثلاثة، يحمل أدوات عمله البسيطة، ويذهب إلى مواقع البناء حيث كان يعمل "بليطًا". يده خفيفة، وعينه خبيرة، وقلبه مُتعب لكنه صبور. الحرب لم تكن ضيفًا جديدًا عليه، لكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها؛ فهذه المرة خطفت منه ما لا يُعوَّض.
بدأت الحكاية في الأيام الأولى للحرب، وتحديدًا بتاريخ 29/11/2023، حين اشتدت الغارات على الحيّ الذي يسكنه، مما دفعه وعائلته للنزوح بحثًا عن مأوى آمن، فقرروا أن يستقروا في إحدى مدارس حيّ الزيتون، مثل مئات العائلات الأخرى، علّهم يجدون فيها الأمان.
لا ملاذ من الموت
يقول الثلاثيني السفرية لصحيفة "فلسطين": "كنت أظن أن المدرسة ستكون أكثر أمنًا، ولكن هربنا من قصف إلى قصف؛ فالطائرات الحربية الإسرائيلية لا تميّز بين حجر وطفل، بين مدرسة وهدف عسكري".
بعد أيام فقط، سقط صاروخ على المدرسة، مزّق الهدوء الهش، وأصابه إصابة مباشرة في قدمه، كما أُصيب والده، واستُشهد شقيقه، وغيرهم.
"حسّيت النار طالعة من رجلي... بس الصدمة الأكبر كانت إننا ما قدرنا نروح المستشفى، القصف حوالينا من كل جهة، قذائف دبابات وطائرات مسيّرة تحاصرنا"، يروي السفرية بصوت يختلط فيه الألم بالغصّة.
فلم يكن وحده، بل كان معه آخرون أُصيبوا، ولم يكن أمامهم إلا غرفة صغيرة في المدرسة تحوّلت إلى مشفى ميداني بدائي.. لا دواء، لا أجهزة، لا مهدئات، فقط أوجاع يتقاسمونها لعلها تخفّ. يضيف بصوت مختنق وهو يروي تفاصيل لا تغيب عن باله: "كلنا كنا نواسي بعض، وإذا حد مات... نتكفّل بدفنه بكرامة، فلم يكن أمامنا سوى شربة ماء".
بعد 15 يومًا من الانتظار وسط النزيف والوجع، تدخلت طواقم الصليب الأحمر، وتمكنوا من نقله إلى المستشفى الإندونيسي شمال القطاع. هناك، قرر الأطباء دون تردّد: لا بدّ من البتر، والعملية يجب أن تكون من أعلى الركبة بسبب تعفّن الأنسجة وتأخر العلاج.
"بتروا رجلي، بس البتر الحقيقي كان لما أدركت إني فقدت شغلي، مهنتي، مصدر رزقي، وقدرتي أعيل أولادي"، يقولها السفرية بصوت منكسر.
اليوم، يعيش على كرسيّ متحرّك أو عكازين، وإذا أراد الذهاب إلى السوق، يحتاج لمرافق يحمل عنه الأغراض. يُكمل حديثه: "ما بقدر حتى أجيب لأولادي كيس خبز لحالي... كنت أسترهم بعرق جبيني، واليوم ما بقدر أتحرّك إلا بمساعدة".
ومع استئناف القصف في فبراير 2025، تجددت المعاناة لدى السفرية، حيث طُلب من سكان منطقته إخلاء منازلهم مجددًا، بعد قصف عنيف طال أحد البيوت المجاورة، لكنه لم يستطع المغادرة.
"أنا ساكن في الطابق الرابع، كيف بدي أطلع؟ لا مصعد ولا مساعدة... جلست أَنتظر مصيري".
ويوضح السفرية أن كل ما يحتاجه فقط هو علاج مناسب، وطرف صناعي، ليتمكن من أن يبدأ من جديد، ويكمل صوته بنبرة تحمل رجاء: "ما بدي إعانة، بدي أشتغل، أعيش بكرامة، أكون أب حقيقي لأولادي".
فلسطين أون لاين