كيف بدا الشرع “المفاجأة التي لم تستوعبها إسرائيل” أثناء زيارة ترامب للشرق الأوسط؟

mainThumb
كيف بدا الشرع “المفاجأة التي لم تستوعبها إسرائيل” أثناء زيارة ترامب للشرق الأوسط؟

15-05-2025 06:33 PM

printIcon

الـ 33 دقيقة التي قضاها الرئيس الأمريكي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بوجود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الفيديو، رسمت مسار المحور الجديد الآخذ في التبلور برعاية الرئيس الأمريكي. في هذا المحور، بدت السعودية القائدة، وتركيا الشريكة الاستراتيجية، وعلى طاولة إيران اقتراح للانضمام إلى النادي، في حين أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل عام، هما إحصائيات حاضرة – غائبة في هذه الأثناء.
مقابل زيارته السابقة للمنطقة التي شملت إسرائيل، جاء ترامب هذه المرة مع خريطة طريق واقعية وذكية أكثر. دعوته للرئيس السوري الانضمام لاتفاقات إبراهيم وتطلعه لتطبيع بين السعودية وإسرائيل، لم تعد مرفقة بآلية ضغط وتهديد أو هدايا وإغراءات عرضها قبل ست سنوات لتجسيد حلم الشرق الأوسط الجديد الخاص به. سمح ترامب لبن سلمان بأن يقرر الوقت المناسب للتوقيع على اتفاق التطبيع، ولم يشترط رفع العقوبات عن سوريا بانضمامها للاتفاقات. لا تعبير أوضح بأن العائق الرئيسي لتوسيع دائرة “دول الاتفاق” موجود في القدس وفي يد نتنياهو – الذي، مثل محمود عباس، لم يذكر ولا مرة في خطاباته الطويلة المليئة بالإشادات الشخصية للرئيس الأمريكي.
ليس عبثاً تحول القصة السورية إلى البؤرة الرئيسية في زيارة ترامب. فهي تشمل إعطاء اعتماد سياسي واقتصادي للرئيس السوري، وفتح فرصة تاريخية لدولة كانت منبوذة في نظر الولايات المتحدة لعشرات السنين. الشرع، الذي هو من مواليد السعودية، كان إرهابياً حارب ضد القوات الأمريكية في العراق واعتقل وسجن خمس سنوات في السجن سيئ الصيت “أبو غريب”. انضم للقاعدة وأنشأ فرعها السوري باسم جبهة النصرة، لكنه رفض الانضمام لـ “داعش” بل وحاربه. في 2016 قطع علاقته مع القاعدة وأقام هيئة تحرير الشام، التنظيم الذي ما زال محسوباً على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية الذي أسقط معه نظام الأسد في كانون الأول الماضي.

إن مصافحة إرهابي لا تعتبر “تحديثاً”، يعرضه ترامب في اللقاء مع الشرع. الرئيس الأمريكي صافح من قبل يد رجال طالبان الذين وقع معهم على اتفاق سمح بانسحاب جزئي للقوات الأمريكية من أفغانستان. وحقق منذ فترة قصيرة اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع الحوثيين الذين شملهم هو نفسه في قائمة منظمات الإرهاب الدولية. ومدح محمد بن سلمان، الشخص الذي قالت المخابرات الأمريكية إنه متورط في قتل خاشقجي عام 2018. يمكن لترامب أن يضيف إلى سلسلة “لقاءاته مع الإرهابيين” حوار مباشراً لآدم بوهلر، مبعوثه لشؤون المخطوفين، مع خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس.
إسرائيل كوعاء فارغ
عن طريق سوريا، عبر ترامب عن ميزان القوة الجديد كما ينوي تشكيله. لقد تجاهل معارضة إسرائيل لرفع العقوبات وتبنى مواقف السعودية وتركيا وقطر التي وضعت نفسها كضامنة لـ “حسن سلوك” الشرع. لأنه مقابل إسرائيل التي تفحص سوريا عبر ثقب قفلها، فإن ترامب أقنعته النتائج الاستراتيجية الإقليمية بأنها خطوة قد تكون مجدية له. إن رعاية تركيا والسعودية لسوريا تحت مظلة أمريكية، تجعل سوريا تنتمي إلى الفضاء المؤيد لأمريكا، وتضع سوراً حصيناً ضد تطلعات إيران بالعودة إلى المنطقة. وستمكن ترامب من استكمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وستدفع قدماً بدمج قوات الأكراد في أجهزة النظام السوري، خاصة بعد أن أعلن حزب العمال الكردي “بي.كي.كي”، وهو التنظيم الذي حاربته تركيا مدة 45 سنة، عن تفكيك نفسه.
إن رفع العقوبات سيفتح أمام سوريا ولبنان مسار توفير الكهرباء من الأردن، والغاز من مصر، ومع بداية إعادة الإعمار يمكن لمليوني سوري العودة إلى وطنهم من أوروبا ولبنان وتركيا.
بخصوص انضمام سوريا إلى اتفاقات إبراهيم، من الأفضل عدم التوقف عن حبس الأنفاس حالياً أو التخطيط لزيارات نهاية أسبوع في دمشق. وقال الشرع إنه مستعد للانضمام إلى الاتفاقات عندما “تنضج الظروف”، لكن هذه الظروف ستشمل انسحاب إسرائيل من المناطق التي سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، بل من هضبة الجولان كلها. لم ينس ترامب أنه في 2019 اعترف رسمياً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وحتى إنه حظي بمستوطنة على اسمه. صحيح أن دولاً كثيرة لها علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول التي لها معها نزاعات على الحدود، وأن حلها يجري عبر المفاوضات، لكن هناك شكاً كبيراً فيما إذا كانت إسرائيل وسوريا ستتبنى هذا النموذج. في الوقت نفسه، لسوريا مكانة ودور في ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، المشمول في اتفاق وقف إطلاق النار. استكمال الترسيم الذي قد ينهي النزاع على الحدود مع لبنان يقتضي موافقة سوريا على ترسيم الحدود مع لبنان، حتى يكون بالإمكان تحديد الدولة التي تعود لها مزارع شبعا، التي هي من نقاط الخلاف الرئيسية بين إسرائيل ولبنان.
لا يقل عن ذلك أهمية الرسالة التي ينقلها رفع العقوبات إلى إيران. طهران التي تجري مفاوضات متقدمة مع الولايات المتحدة حول صيغة اتفاق نووي جديد تطالب الآن مقابل ذلك برفع العقوبات عنها. الطريقة التي يرفع فيها ترامب العقوبات عن سوريا – بيان “تقني” وكأنه يفعل معروفاً لأصدقائه بدون التشاور مع الكونغرس أو أخذ موقف إسرائيل في الحسبان، قد تهدئ إيران في كل ما يتعلق بالضمانات الأمريكية التي تطلبها، وعلى الأقل أن تخدم ويتكوف الذي يجري المفاوضات من قبل الرئيس لإقناع إيران بكيفية سير الأمور في عهد ترامب.
موقف السعودية مهم في هذا الشأن. السعوديون الذين عارضوا الاتفاق النووي الأصلي في 2015 يؤيدون الآن الاتفاق، بل وساهموا في الدفع بالمفاوضات قدماً. يعرف ترامب موقف السعودية التي تعارض أي عمل عسكري ضد إيران. بل وردد موقف السعودية عندما امتنع عن التهديد بفتح باب جهنم على إيران إذا لم توقع على الاتفاق، واكتفى بالتعهد باستخدام “الحد الأقصى من الضغط الاقتصادي” الذي سيمنع إيران كلياً من تصدير النفط. الرئيس الذي كرر تعهده بعدم السماح لإيران بالحصول على السلاح النووي، تجنب أيضاً في الزيارة الحالية القول بأن إيران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم، خلافاً لأقوال ويتكوف منذ فترة قصيرة في موقع “برايت بيرت”، التي ستضطر إيران بحسبها إلى تفكيك كل مشروعها النووي والتوقف عن التخصيب وإزالة أجهزة الطرد المركزي كشرط لرفع العقوبات.
التحول التكتوني الذي يحدثه ترامب في الشرق الأوسط لم تستوعبه إسرائيل بعد. فهي تنشغل بنشاطات تكتيكية أم تتلذذ بإنجازات محلية مثل اغتيال محمد السنوار غير المؤكد، أو قصف الموانئ في اليمن، وتركز اهتمامها بالحفاظ على قوة التحالف. إسرائيل غير مستعدة لاتفاق نووي جديد مع إيران، ولا خطة سياسية لديها لوقف الحرب في غزة أو حل القضية الفلسطينية بشكل عام، في حين أن الغطاء الدولي، بما في ذلك الغطاء الأمريكي، يتصدع بل ويتساقط جزئياً. إذا كانت إسرائيل قبل سنة ونصف تعتبر جزءاً من نظام دفاع إقليمي وشريكة رائدة في التحالف ضد إيران بسبب قدرتها العسكرية والاستخبارية المدهشة، فهي تجد نفسها الآن في وعاء فارغ عندما يطلب منها إظهار مهارتها السياسية وتفكيرها الاستراتيجي الأصيل.

القدس العربي