فؤاد أبو الحسنى .. القصفُ حفر خريطة للألم على وجهه وجسده

mainThumb
فؤاد أبو الحسنى.. القصفُ حفر خريطة للألم على وجهه وجسده

30-06-2025 09:47 AM

printIcon

أخبار اليوم - على أحد الأسرّة داخل قسم المبيت بمجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، كانت ثقوب دائرية صغيرة تغطي وجه المصاب فؤاد أحمد أبو الحسنى (36 سنة) وتملأ جسده العلوي. كان يحمل يده اليمنى بيسراه وهو عائدٌ من غرفة العمليات بعد إجرائه عملية جراحية في منطقة العضل، ويسيرُ ببطءٍ متجهًا نحو السرير الطبي، يحاول كتم ألمٍ شديد، قادمًا من مكان العملية، ومن حوله تتعالى صرخات المصابين.

يوم 17 يونيو/ حزيران 2025، عاد أبو الحسنى مع زوجته وأطفاله وعائلة شقيقه لتناول طعام الغداء بمنزلهم المُخلى الواقع وسط جباليا البلد شمال قطاع غزة، محاولين التنفس هربًا من تفاصيل حياة الخيمة المريرة، ثم مغادرة المنطقة مع ساعات المساء التي يشتد فيها القصف المدفعي مع تحليق طائرات الاحتلال ومسيّراته التي تستهدف أي نبض حياة بالمنطقة.


حزام ناري

لكن استهداف الحياة كان هذه المرة في وضح النهار دون أي اعتبار لوجود أطفال ونساء في المنازل التي استهدفت بحزامٍ ناري خلف دمارًا هائلاً بالمكان.

بينما كانت زوجته مريم (33 سنة) تجهز الغداء، وبصعوبة وفرت بعض علب الفاصوليا لطهي الطعام لزوجها وأولادها، تركوا أولادهم يلهون وهم يحتضنون ألعابهم، جلس زوجها في غرفة أخرى يتابع الأخبار، وكان يفتش عن خبر وقف إطلاق نار، بين أخبار مجازرٍ تتوالى، ولم يكن يعلم أن خبر المجزرة التالية سيكون في بيته.

وكأنّه ينتشل التفاصيل من بين أنقاض الذكريات، يروي لصحيفة "فلسطين": "شعرت باهتزازات وشظايا وبيوت تتهاوى، وأعمدة تتساقط. احتضنت الفرشة التي كنت أجلس عليها وانبطحت أرضًا لبضعة دقائق حتى توقف تطاير الحجارة والشظايا، وكان الغبار يملأ المكان والحجارة ترتطم بي، كنت أسمع صراخ أولادي وجيراني وزوجات أعمامي وأخي وبدأت بالشعور بألم شديد من كل موضع بوجهي وجسدي".

دون أن يدرك ماذا حصل، لم تمر لحظات كثيرة ليجد أفرادا من جيرانه وطواقم إنقاذ تصل للمكان وتبدأ في عمليات إسعاف وإخراج للمصابين، فحملوه نحو سيارة الإسعاف، يقول: "هناك من كان ينتشلوه أشلاء، وهناك مصابين بترت أقدامهم من شدة القصف، وهناك كحالتي ملأت الشظايا جسده. لحظة القصف لم أتوقع أن أنجو من هول الاهتزازات وشدة الشظايا والركام المتطاير نحوي".



نجى أطفاله ريتال (ستة أشهر) وأحمد (7 سنوا) وعنان (3 سنواته)، واستشهدت زوجته واستشهد شقيقه وطفلاه جود وأسماء، ونجت والدتهم. توزع أطفاله المصابين بين المستشفيات، وتفرقت العائلة التي بحثت عن لحظات راحة بين ويلات الحرب والنزوح، لتكون لحظات تشتت وفراق، ووداع.

بينما تنخره أوجاع الإصابة وتشتد عليه، يستحضر لحظة القصف: "كانت لحظات مرعبة، لم أتوقع أن أخرج حيًّا من شدة القصف، فكانت الصواريخ التي تساقطت على بيتنا وبيوت الجيران شديدة الانفجار وأحدثت دمارًا هائلاً. أمضى أطفالي نحو ساعتين عالقين تحت الأنقاض حتى تم إخراجهم".

أوجاع مستمرة

عن وجع إصابته، يقول: "بصعوبة يحضرون لي مسكنًا، ربما بسبب كثرة المرضى والمصابين في المكان، فيعطونني إبرة مسكن واحدة نهاية كل يوم حتى أستطيع النوم، وفي حال لم أحصل على الحقنة لا أستطيع النوم من شدة الألم من مكان العملية الجراحية بعد إزالة عضة اليد اليمنى وبشكل مستمر يجري الأطباء تنظيفات لمكان العملية ورقع".

داخل قسم المبيت بمجمع الشفاء، وهو بركس مسقوف بألواح الزينكو، يملأ المصابون الأسرّة الأساسية بالقسم، ويفترشون قرب مدخل القسم وفي ممراته وساحته، بحيث فاقت أعداد المصابين مقدرة القسم الاستيعابية، ويزيد أوجاع المصابين كحال أبو الحسنى نقص الدواء والمستلزمات الطبية، ما يجعل المصابين يشعرون بأوجاع مستمرة مع غياب المسكنات اللازمة والمضادات الحيوية، في أوضاع كارثية يواجهها القطاع الصحي.

بينما كانت شقيقته وشقيقه يرافقانه بالمشفى، كان يتأمل في ذكرياته مع زوجته التي عاشت معه فترة نزوح لم تتوقف خلال الحرب، استطاع الأطباء تضميد جراحه، لكن لا أحد يستطيع تضميد فاجعته ولملمة ما تهشم في قلبه المثخن في الجراح: "زوجتي كانت نعم الزوجة، لم تقصر فينا، وحافظت علي وعلى أولادي، كنت أعتمد عليها في كل شيء، وهي مدرسة أمضت حياتها في تعليم الأولاد والمحافظة على تحصيلهم العلمي وغرس مفاهيم التربية السليمة والدين فيهم، ولن أنسى فضلها علينا".

بالكاد يستطيع فتح عينه التي أغلقتها الجروح، وفي صوته يرافق الألم نبرة صوته وهو يستذكر آخر أيامهم داخل البيت: "كنا نعود إليه خوفا من سرقة اللصوص، فنمضي النهار ونغادر في الليل، لكن شاء القدر أن يحدث القصف في النهار ونحن بداخل المنزل. ما شجعنا على العودة وجود جيران وحركة بالمكان. أرهقتنا الخيام وأحرقتنا حرارتها فعندنا نبحث داخل البيت على ما يبرد أجسادنا، فوجدنا نارًا أكبر".


 فلسطين أون لاين