أخبار اليوم - كل صباح، ينفق أحمد أبو صيام (42 عاماً) الذي يعمل خياطا نصف دخله اليومي على شراء بعض الكيلوغرامات من الحطب ليطهو ما تيسر من طعام شحيح لعائلته المكونة من ستة أفراد.
"أدفع ٧ شواقل على كل كيلو حطب، وأحتاج يوميا ما لا يقل عن ٤ كيلو للطهي والتدفئة وتسخين المياه.. هذا غير إن احتجنا خبزا"، يقول أبو صيام لصحيفة "فلسطين" بينما ينفخ النار تحت قدر من الأرز.
في ظل منع دولة الاحتلال الإسرائيلي إدخال غاز الطهي إلى قطاع غزة منذ بداية مارس الماضي، يعتمد معظم أهالي القطاع على الحطب ومخلفات الأخشاب كوسيلة وحيدة للطهي، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعارها، ونقص حاد في الكميات.
"كنا نشتري الحطب للموقد الشتوي بسعر شيكل واحد للكيلو، أما اليوم فالسعر وصل ٧ شواقل إن وجدته. هناك أيام لا أجد شيئا غير أغصان مكسورة ألتقطها من الشارع"، يضيف أبو صيام وهو يمسح جبينه المتصبب بالعرق من لهيب النار.
سعر خيالي لغاز مفقود
ما يزيد من معاناته – كما يقول – هو أن سعر كيلو غاز الطهي في السوق السوداء بلغ ٤٠٠ شيكل، بعد أن كان لا يتجاوز ٤٠ شيكلا قبل الحرب "يعني لو أردت ملء أسطوانة صغيرة بـ ٥ كيلو، أحتاج ألفي شيكل! من وين أجيبهم؟"، يتساءل أبو صيام وهو ينظر نحو ابنه الصغير الذي يحاول تسخين الماء في علبة صفيح مكسورة.
ورغم الأضرار الصحية والدخان الخانق الناتج عن احتراق الحطب، لا يجد الرجل بديلاً "ابني الصغير صار يسعل بشكل متواصل من الدخان، وبنتي تعاني من التهابات في عينيها، ومع ذلك نطبخ بالحطب مجبرين".
ويتابع: "نعيش حياة بدائية في خيام وشوارع، وكل شيء نحتاجه نبحث له عن حل بدائي.. حتى الماء نغليه على النار لكي نستحم به.. أشعر أني رجعت قرون إلى الوراء".
يطلق أبو صيام مناشدة إنسانية: "نطالب كل من له ضمير أن يضغط على دولة الاحتلال من أجل إدخال غاز الطهي.. الحياة بدون غاز لا تطاق.. أطفالنا وعائلاتنا تدفع الثمن كل ساعة".
"كسرت طاولة دراستي"
لم يكن سامي الحلاق (38 عاماً) يتخيّل أن يأتي يوم يضطر فيه لتحطيم ذكرياته وخشب منزله قطعة قطعة كي يطهو لعائلته. فبعد أن عجز عن شراء الحطب في ظل أسعاره المرتفعة، حمل فأسا وبدأ بتحطيم طاولته الجامعية القديمة، ثم سريرَي طفليه.
"ترددت كثيرا قبل أن أحطم الطاولة… كانت هديّة من والدي حين بدأت دراستي الجامعية، قضيت عليها ليالٍ طويلة وأنا أذاكر وأكتب أحلامي على الورق"، قال الحلاق لصحيفة "فلسطين" وهو ينظر إلى كومة من الخشب المهترئ إلى جانب موقد صنعه من الحجارة.
"لكن الجوع لا يرحم، ولا الذكريات تطهو الطعام"، يضيف بمرارة.
الحلاق، الذي نزح قسرا من حي التفاح شرق غزة، يعيش الآن في غرفة مهدّمة جزئيا غرب المدينة مع زوجته وطفليه وأمه المقعدة. يقول إنه لم يعد يملك القدرة على شراء الحطب، حيث تجاوز سعر الكيلو 7 شواقل.
"ما معي أدفع كل يوم على الحطب، فبدأت أبحث في بيتي الذي أخليته عن أي شيء يُشعل.. حرقت كراسي، لوحات خشب، واليوم اضطررت لكسر سريري أولادي، كانوا ينامون عليه"، يقول الحلاق وهو يشيح بنظره بعيدا.
ويتابع بصوت مخنوق: "أمي مريضة ومقعدة وتحتاج للاستحمام بماء دافئ بسبب التقرحات في جلدها، ولا يوجد ماء ساخن إلا بالنار… كل شيء في حياتنا صار مرهونا بهذه النار اللعينة".
"حين كسرت سرير ابني الصغير، قال لي: بابا، ما ضلّ إلنا تخت ننام عليه؟… لم أعرف كيف أشرح له أن الحرب لا تترك شيئا لنا… لا أمان، لا خبز، ولا حتى سرير"، يختم الحلاق والدمعة تحرق عينيه قبل أن يمدّ يده نحو كيس من الخبز اليابس ليعيد تسخينه على نار الخشب.
الأثاث كحطب يحقق ربحا أكبر
يقول حسام سكيك (45 عاما)، وهو بائع أخشاب في سوق أبو إسكندر الواقع في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، إن أسعار الأخشاب ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، نتيجة النقص الحاد في الكميات، بالتزامن مع استمرار منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال غاز الطهي إلى القطاع.
ويشرح سكيك لصحيفة "فلسطين": "الطلب على الأخشاب ازداد بشكل كبير، لأن الناس لم يعودوا قادرين على شراء الغاز، وحتى من يجده في السوق السوداء، يعجز عن تحمّل سعره الخيالي. لذلك، بات الجميع يبحث عن الحطب، ومن يمتلك كرسياً أو طاولة قديمة، يقوم بتحطيمها وبيعها كخشب، لا كأثاث، لأن ذلك يدرّ عليه ربحا أكبر".
ويضيف: "قبل الحرب، كان الناس يسألونني عن كراسي وخزائن وأثاث منزلي. أما اليوم، فجميع الأسئلة تتعلق بالأخشاب اليابسة، وأرجل الطاولات، والأبواب القديمة. لم يعد أحد يهتم بالمظهر، فالجميع يريد شيئا يشعله ويطهو عليه".
ويختم قائلاً: "الأخشاب أصبحت عملة نادرة، وهناك من يأتي من مناطق بعيدة عبر عربات تجرها الدواب، ويدفع أي مبلغ مقابل الحصول على الخشب. لقد بدأنا نشتري الأثاث من الناس ليس لبيعه كأثاث، بل لتكسيره وبيعه كحطب لإشعال النار".
فلسطين أون لاين