من المثير للتساؤل أن بعض الخطابات السياسية في الأردن ما تزال تُستدعى من الماضي لتغذية سجالات آنية لا تضيف إلى المشهد الوطني سوى مزيد من الإرباك، إن هذه الظاهرة، إذا ما قرئت في إطارها السوسيولوجي والسياسي، تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة العلاقة بين النخب السياسية والدولة، وبالطريقة التي تُمارس بها السياسة كوسيلة للهيمنة الرمزية أكثر منها كأداة للإصلاح أو خدمة الصالح العام.
وفقًا لمنظور علم الاجتماع السياسي، فإن 'النخبة' الحقيقية هي تلك التي تنتج خطابًا عقلانيًا يسهم في تعزيز الشرعية السياسية، ويُعيد إنتاج الثقة بين المواطن والدولة، أما النخب المصطنعة التي تعتمد على افتعال المناكفات أو إعادة تدوير الاتهامات، فإنها تُحوّل السياسة إلى مسرح رمزي للتنازع، وتفقد بذلك وظيفتها الأساسية كآلية لتنظيم التعددية وضبط الخلاف، وبالنتيجة، ينشأ ما يسمى 'العنف الرمزي'، أي إعادة إنتاج حالة من الإرباك في وعي المجتمع دون تقديم حلول واقعية.
إن خطورة هذه الخطابات لا تكمن في مضمونها فحسب، بل في توقيتها أيضًا، فالوطن يواجه اليوم ضغوطًا داخلية متشابكة تتمثل في التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وضغوطًا خارجية مرتبطة باضطرابات الإقليم والتحولات الجيوسياسية المحيطة، وفي مثل هذه اللحظات الحرجة، يصبح الخطاب السياسي غير المسؤول عاملًا مهددًا للتماسك الداخلي، ومساهمًا في خلق بيئة قد تُستثمر من قِبل قوى خارجية لتأجيج الانقسامات وإضعاف الثقة بالمؤسسات الوطنية.
لقد أشار جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة إلى أن 'قوة الأردن الحقيقية تنبع من تماسك شعبه وثباته في وجه التحديات'، فيما أكد سمو ولي العهد على أن 'الرهان الأساس هو على وعي الأردنيين وصبرهم وقدرتهم على تجاوز الصعاب'. هذه التوجيهات لا تعكس فقط خطابًا سياسيًا، إنما تُجسد ما يمكن وصفه بــ'العقد الاجتماعي المتجدد'، حيث تُطرح على النخب مسؤولية تاريخية في تحويل التحديات إلى فرص، لا في استدعاء الماضي كأداة لزعزعة الاستقرار.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند ما يمكن تسميته بـ'تيار الموالاة العاقل'، ذلك التيار الذي يلتزم بدعم الدولة ومؤسساتها، لكنه في الوقت ذاته يعي أن الولاء الحقيقي لا يعني الصمت المطلق، بل يعني أن يُحسن اختيار كلماته ويوازن بين النقد البنّاء والدفاع عن الثوابت، هذا التيار، إذا أحسن إدارة صوته، يشكل صمام أمان مهمًا، لأنه يربط بين الدولة والمجتمع عبر لغة هادئة مسؤولة، قادرة على امتصاص الأزمات بدلًا من تضخيمها.
وقد أثبتت التجربة الأردنية أن هذا التيار كان حاضرًا في أكثر من محطة تاريخية، خاصة في المراحل التي شهدت تحولات اقتصادية أو اضطرابات إقليمية، حيث شكّل خط الدفاع الأول عن استقرار الدولة، وفي الوقت نفسه عبّر عن مطالب الناس بقدر من الرصانة والاعتدال، فعندما كانت بعض الخطابات تذهب نحو المزايدة أو افتعال الخصومات، كان هذا التيار ينهض بدور التهدئة، مؤكدًا أن الولاء ليس خضوعًا أعمى، لكنه يكوّن شراكة واعية في حماية مؤسسات الوطن ودعم قراراته المصيرية مع الدعوة إلى الإصلاح التدريجي.
إن ما يميز 'الموالاة العاقلة' أنها ليست كتلة صامتة ولا مجرد صدى للخطاب الرسمي، أنه عقل جمعي يُدرك أن الدولة تحتاج إلى دعم راسخ، وإلى صوت مسؤول لا يترك الساحة للمتشددين أو للمناكفات التي ترهق الوطن. فبهذا المعنى، يصبح هذا التيار نقطة توازن أساسية بين الدولة والمجتمع، ويؤدي وظيفة استراتيجية في الحفاظ على الشرعية والاستقرار، دون أن يُغفل دوره في التعبير عن حاجات المواطنين وتطلعاتهم ضمن إطار وطني جامع.
إن أي قراءة أكاديمية لمثل هذه الظواهر تقتضي الإشارة إلى أن السياسة الأردنية لا تزال بحاجة إلى نخب مؤسسية، تُبنى على أساس الكفاءة والقدرة على طرح البرامج، لا على أساس الشخصنة والمناكفات. فالسياسة الرشيدة – بحسب نظرية الحوكمة الرشيدة – تقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة، لا على تبادل الاتهامات وإثارة الشكوك.
إنن الوطن لا يحتمل في هذه المرحلة الحساسة أي عبث سياسي أو خطاب يُغذي البلبلة لإن المسؤولية التاريخية تفرض على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين أن يُعلوا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وأن يدركوا أن الأردن، ككيان وطني، أبقى من كل موقع وأسمى من كل منصب، فالرهان الحقيقي يظل دائمًا على وعي المجتمع وقدرته على تجاوز هذه المناكفات، وعلى استمرارية العقد الوطني الذي يجمع الأردنيين حول قيم الاستقرار والانتماء والسيادة، وهو ما يجعل 'الموالاة العاقلة' امتدادًا طبيعيًا لنهج الاعتدال والوسطية الذي ميّز التجربة الأردنية عبر تاريخها.
من المثير للتساؤل أن بعض الخطابات السياسية في الأردن ما تزال تُستدعى من الماضي لتغذية سجالات آنية لا تضيف إلى المشهد الوطني سوى مزيد من الإرباك، إن هذه الظاهرة، إذا ما قرئت في إطارها السوسيولوجي والسياسي، تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة العلاقة بين النخب السياسية والدولة، وبالطريقة التي تُمارس بها السياسة كوسيلة للهيمنة الرمزية أكثر منها كأداة للإصلاح أو خدمة الصالح العام.
وفقًا لمنظور علم الاجتماع السياسي، فإن 'النخبة' الحقيقية هي تلك التي تنتج خطابًا عقلانيًا يسهم في تعزيز الشرعية السياسية، ويُعيد إنتاج الثقة بين المواطن والدولة، أما النخب المصطنعة التي تعتمد على افتعال المناكفات أو إعادة تدوير الاتهامات، فإنها تُحوّل السياسة إلى مسرح رمزي للتنازع، وتفقد بذلك وظيفتها الأساسية كآلية لتنظيم التعددية وضبط الخلاف، وبالنتيجة، ينشأ ما يسمى 'العنف الرمزي'، أي إعادة إنتاج حالة من الإرباك في وعي المجتمع دون تقديم حلول واقعية.
إن خطورة هذه الخطابات لا تكمن في مضمونها فحسب، بل في توقيتها أيضًا، فالوطن يواجه اليوم ضغوطًا داخلية متشابكة تتمثل في التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وضغوطًا خارجية مرتبطة باضطرابات الإقليم والتحولات الجيوسياسية المحيطة، وفي مثل هذه اللحظات الحرجة، يصبح الخطاب السياسي غير المسؤول عاملًا مهددًا للتماسك الداخلي، ومساهمًا في خلق بيئة قد تُستثمر من قِبل قوى خارجية لتأجيج الانقسامات وإضعاف الثقة بالمؤسسات الوطنية.
لقد أشار جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة إلى أن 'قوة الأردن الحقيقية تنبع من تماسك شعبه وثباته في وجه التحديات'، فيما أكد سمو ولي العهد على أن 'الرهان الأساس هو على وعي الأردنيين وصبرهم وقدرتهم على تجاوز الصعاب'. هذه التوجيهات لا تعكس فقط خطابًا سياسيًا، إنما تُجسد ما يمكن وصفه بــ'العقد الاجتماعي المتجدد'، حيث تُطرح على النخب مسؤولية تاريخية في تحويل التحديات إلى فرص، لا في استدعاء الماضي كأداة لزعزعة الاستقرار.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند ما يمكن تسميته بـ'تيار الموالاة العاقل'، ذلك التيار الذي يلتزم بدعم الدولة ومؤسساتها، لكنه في الوقت ذاته يعي أن الولاء الحقيقي لا يعني الصمت المطلق، بل يعني أن يُحسن اختيار كلماته ويوازن بين النقد البنّاء والدفاع عن الثوابت، هذا التيار، إذا أحسن إدارة صوته، يشكل صمام أمان مهمًا، لأنه يربط بين الدولة والمجتمع عبر لغة هادئة مسؤولة، قادرة على امتصاص الأزمات بدلًا من تضخيمها.
وقد أثبتت التجربة الأردنية أن هذا التيار كان حاضرًا في أكثر من محطة تاريخية، خاصة في المراحل التي شهدت تحولات اقتصادية أو اضطرابات إقليمية، حيث شكّل خط الدفاع الأول عن استقرار الدولة، وفي الوقت نفسه عبّر عن مطالب الناس بقدر من الرصانة والاعتدال، فعندما كانت بعض الخطابات تذهب نحو المزايدة أو افتعال الخصومات، كان هذا التيار ينهض بدور التهدئة، مؤكدًا أن الولاء ليس خضوعًا أعمى، لكنه يكوّن شراكة واعية في حماية مؤسسات الوطن ودعم قراراته المصيرية مع الدعوة إلى الإصلاح التدريجي.
إن ما يميز 'الموالاة العاقلة' أنها ليست كتلة صامتة ولا مجرد صدى للخطاب الرسمي، أنه عقل جمعي يُدرك أن الدولة تحتاج إلى دعم راسخ، وإلى صوت مسؤول لا يترك الساحة للمتشددين أو للمناكفات التي ترهق الوطن. فبهذا المعنى، يصبح هذا التيار نقطة توازن أساسية بين الدولة والمجتمع، ويؤدي وظيفة استراتيجية في الحفاظ على الشرعية والاستقرار، دون أن يُغفل دوره في التعبير عن حاجات المواطنين وتطلعاتهم ضمن إطار وطني جامع.
إن أي قراءة أكاديمية لمثل هذه الظواهر تقتضي الإشارة إلى أن السياسة الأردنية لا تزال بحاجة إلى نخب مؤسسية، تُبنى على أساس الكفاءة والقدرة على طرح البرامج، لا على أساس الشخصنة والمناكفات. فالسياسة الرشيدة – بحسب نظرية الحوكمة الرشيدة – تقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة، لا على تبادل الاتهامات وإثارة الشكوك.
إنن الوطن لا يحتمل في هذه المرحلة الحساسة أي عبث سياسي أو خطاب يُغذي البلبلة لإن المسؤولية التاريخية تفرض على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين أن يُعلوا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وأن يدركوا أن الأردن، ككيان وطني، أبقى من كل موقع وأسمى من كل منصب، فالرهان الحقيقي يظل دائمًا على وعي المجتمع وقدرته على تجاوز هذه المناكفات، وعلى استمرارية العقد الوطني الذي يجمع الأردنيين حول قيم الاستقرار والانتماء والسيادة، وهو ما يجعل 'الموالاة العاقلة' امتدادًا طبيعيًا لنهج الاعتدال والوسطية الذي ميّز التجربة الأردنية عبر تاريخها.
من المثير للتساؤل أن بعض الخطابات السياسية في الأردن ما تزال تُستدعى من الماضي لتغذية سجالات آنية لا تضيف إلى المشهد الوطني سوى مزيد من الإرباك، إن هذه الظاهرة، إذا ما قرئت في إطارها السوسيولوجي والسياسي، تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة العلاقة بين النخب السياسية والدولة، وبالطريقة التي تُمارس بها السياسة كوسيلة للهيمنة الرمزية أكثر منها كأداة للإصلاح أو خدمة الصالح العام.
وفقًا لمنظور علم الاجتماع السياسي، فإن 'النخبة' الحقيقية هي تلك التي تنتج خطابًا عقلانيًا يسهم في تعزيز الشرعية السياسية، ويُعيد إنتاج الثقة بين المواطن والدولة، أما النخب المصطنعة التي تعتمد على افتعال المناكفات أو إعادة تدوير الاتهامات، فإنها تُحوّل السياسة إلى مسرح رمزي للتنازع، وتفقد بذلك وظيفتها الأساسية كآلية لتنظيم التعددية وضبط الخلاف، وبالنتيجة، ينشأ ما يسمى 'العنف الرمزي'، أي إعادة إنتاج حالة من الإرباك في وعي المجتمع دون تقديم حلول واقعية.
إن خطورة هذه الخطابات لا تكمن في مضمونها فحسب، بل في توقيتها أيضًا، فالوطن يواجه اليوم ضغوطًا داخلية متشابكة تتمثل في التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وضغوطًا خارجية مرتبطة باضطرابات الإقليم والتحولات الجيوسياسية المحيطة، وفي مثل هذه اللحظات الحرجة، يصبح الخطاب السياسي غير المسؤول عاملًا مهددًا للتماسك الداخلي، ومساهمًا في خلق بيئة قد تُستثمر من قِبل قوى خارجية لتأجيج الانقسامات وإضعاف الثقة بالمؤسسات الوطنية.
لقد أشار جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة إلى أن 'قوة الأردن الحقيقية تنبع من تماسك شعبه وثباته في وجه التحديات'، فيما أكد سمو ولي العهد على أن 'الرهان الأساس هو على وعي الأردنيين وصبرهم وقدرتهم على تجاوز الصعاب'. هذه التوجيهات لا تعكس فقط خطابًا سياسيًا، إنما تُجسد ما يمكن وصفه بــ'العقد الاجتماعي المتجدد'، حيث تُطرح على النخب مسؤولية تاريخية في تحويل التحديات إلى فرص، لا في استدعاء الماضي كأداة لزعزعة الاستقرار.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند ما يمكن تسميته بـ'تيار الموالاة العاقل'، ذلك التيار الذي يلتزم بدعم الدولة ومؤسساتها، لكنه في الوقت ذاته يعي أن الولاء الحقيقي لا يعني الصمت المطلق، بل يعني أن يُحسن اختيار كلماته ويوازن بين النقد البنّاء والدفاع عن الثوابت، هذا التيار، إذا أحسن إدارة صوته، يشكل صمام أمان مهمًا، لأنه يربط بين الدولة والمجتمع عبر لغة هادئة مسؤولة، قادرة على امتصاص الأزمات بدلًا من تضخيمها.
وقد أثبتت التجربة الأردنية أن هذا التيار كان حاضرًا في أكثر من محطة تاريخية، خاصة في المراحل التي شهدت تحولات اقتصادية أو اضطرابات إقليمية، حيث شكّل خط الدفاع الأول عن استقرار الدولة، وفي الوقت نفسه عبّر عن مطالب الناس بقدر من الرصانة والاعتدال، فعندما كانت بعض الخطابات تذهب نحو المزايدة أو افتعال الخصومات، كان هذا التيار ينهض بدور التهدئة، مؤكدًا أن الولاء ليس خضوعًا أعمى، لكنه يكوّن شراكة واعية في حماية مؤسسات الوطن ودعم قراراته المصيرية مع الدعوة إلى الإصلاح التدريجي.
إن ما يميز 'الموالاة العاقلة' أنها ليست كتلة صامتة ولا مجرد صدى للخطاب الرسمي، أنه عقل جمعي يُدرك أن الدولة تحتاج إلى دعم راسخ، وإلى صوت مسؤول لا يترك الساحة للمتشددين أو للمناكفات التي ترهق الوطن. فبهذا المعنى، يصبح هذا التيار نقطة توازن أساسية بين الدولة والمجتمع، ويؤدي وظيفة استراتيجية في الحفاظ على الشرعية والاستقرار، دون أن يُغفل دوره في التعبير عن حاجات المواطنين وتطلعاتهم ضمن إطار وطني جامع.
إن أي قراءة أكاديمية لمثل هذه الظواهر تقتضي الإشارة إلى أن السياسة الأردنية لا تزال بحاجة إلى نخب مؤسسية، تُبنى على أساس الكفاءة والقدرة على طرح البرامج، لا على أساس الشخصنة والمناكفات. فالسياسة الرشيدة – بحسب نظرية الحوكمة الرشيدة – تقوم على الشفافية والمساءلة والمشاركة، لا على تبادل الاتهامات وإثارة الشكوك.
إنن الوطن لا يحتمل في هذه المرحلة الحساسة أي عبث سياسي أو خطاب يُغذي البلبلة لإن المسؤولية التاريخية تفرض على الفاعلين السياسيين والاجتماعيين أن يُعلوا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وأن يدركوا أن الأردن، ككيان وطني، أبقى من كل موقع وأسمى من كل منصب، فالرهان الحقيقي يظل دائمًا على وعي المجتمع وقدرته على تجاوز هذه المناكفات، وعلى استمرارية العقد الوطني الذي يجمع الأردنيين حول قيم الاستقرار والانتماء والسيادة، وهو ما يجعل 'الموالاة العاقلة' امتدادًا طبيعيًا لنهج الاعتدال والوسطية الذي ميّز التجربة الأردنية عبر تاريخها.
التعليقات