بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
اجتماعات الخريف الأخيرة لمؤسستَي بريتون وودز، الصندوق والبنك الدوليين، كشفت أنَّ خريف الثمانين للمؤسستين يُظهر سقوط أوراق القوة، وأوراق الضغط، وأوراق الوصفات الثابتة والمُكررة. مرور 80 سنة على عمل المؤسستين، وتدخُّلهما، وتداخلهما بمشروطية قاسية على العديد من دول العالم، بات جميعه محلَّ تساؤل، إن لم نقل محلَّ شكٍّ، في ظل خريطة اقتصادية جديدة باتت تزحف جنوبًا وشرقًا. هو الزحف قبل المشي الثابت، والجري المُتوقَّع، الذي سيكون لمجموعة بريكس ومجموعة شنغهاي ومجموعة آسيان دور التبنّي والتربية إلى أن يشتدَّ العود ويقوى العضدد. بيد أنَّ ما يعزِّز الحاجة إلى مولود، أو مواليد جديدة، اليوم هو ما نبّأ أو تنبّأ به الاجتماع الأخير، اجتماع خريف 2025، من تباطؤ في النمو المستدام، وتفاقُم في الدين العام يتجاوز حدود التحمُّل، والحاجة إلى إصلاحات هيكيلية حقيقية.
ومع ذلك فإنَّ صندوق النقد رفع توقُّعاته لنموّ الناتج العالمي لعام 2025 إلى نحو 3.2%، مع تحذير أنَّ هذا ليس انتعاشاً بل «تثبيتاً» في ظلِّ ضغوط تضخُّمية مرتفعة وزيادة ديون الدول إلى مستويات لم يسبق لها مثيل. المعضلة القائمة اليوم، بل المتاهة الاقتصادية إن صحَّ التعبير، تكمن في الحاجة الحقيقية إلى إعادة هندسة التمويل الدولي عبر أدوات تركِّز حصرًا في التمويل الموجَّه إلى خلْق فرص العمل، والمساند للاستثمار في البنية التحتية الرقمية المؤهِّلة للمستثمر، والتمويل الابتكاري والريادي.
هذا الدور الجديد للصندوق، إن أراد أن يتحوَّل إليه فعلاً، يجعله يتحوَّل من الزيارات الشكلية والروتينية ضمن المراجعة المبنية على المادة الرابعة لاتفاقية الصندوق، التي باتت تؤهِّل الدول للاقتراض أكثر ممَّا سبق، برغم رزوحها تحت وطأة ديون غير قابلة للسداد. المعنى الجديد لدور الصندوق ليس فقط في مراقبة الميزانيات بل الاستعداد لمرحلة إعادة هندسة التمويل الدولي. البنك الدولي من جانبه عليه أن يركِّز على ثلاثة محاور أساسية تدور حول تشجيع وتمويل الاستثمار في رأس المال البشري، والاقتصاد الدائري والأزرق، وفي مجالات البنى التحتية الرقمية. وخلافًا لذلك، وفي حال استمرار المؤسستين على الدور التقليدي المعهود، فإنَّ خريف عمرهما اليوم سيكون بداية انهيار منظومة التمويل الدولي، وآلياتها، ونظم الصرف المعتمدة عليها، وخاصة النظم المُعتمدة على التثبيت مقابل الدولار الأمريكي، الذي بات عهد أفوله أقرب من أيِّ وقت مضى.
إرهاصات النظام العالمي الجديد، الذي تقوده الصين بشكل واضح عبر بريكس ومجموعة شنغهاي ولقاءات دول آسيان، يفرض على مؤسَّستَي بريتون وودز تغييرًا جوهريًّا في الدور. فعلى الرغم من أنَّ الصندوق والبنك لا يزالان يشكِّلان أساس النفوذ المالي والاقتصادي للدول، فإنَّ قوة «المشروطية» التي تمارسانها ستخبو في أقلِّ من عقد، في ظل نموٍّ وظهورٍ كبير للبدائل الجنوبية الشرقية؛ ذلك أنَّ تمويلات بديلة وعقود الجنوب–الجنوب باتت تُقدَّم من مجموعات مثل بريكس، التي أطلقت صندوق مماثل لصندوق النقد وبنك للتنمية، بحجم ومرونة أكبر. الشاهد، إنَّ أمام الدول النامية خيارًا تمويليًّا جديدًا لا يبدو أنه يتقيَّد بشروط التقشُّف التقليدية للصندوق أو البنك. من جهة أخرى، يتضح اليوم أنَّ سلاسل القرار في معالجة الأزمات المالية بدأت تخرج من نطاق ونظام «المركز الواحد» الممثَّل في واشنطن. ما يعني أنَّ النظام العالمي الجديد أمام تحوُّل في خريطة التمويل العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب. بيد أنَّ القول هنا ليس في اختفاء دول الصندوق والبنك الدوليين، وإنما في تغيير موقعهما من مركز قيادة مطلق إلى لاعب محوري ضمن شبكة أوسع.
المنطقة العربية، والعديد من الدول النامية، أمام نافذة عالمية جديدة، نافذة تفتح لها آفاقَ نظامٍ متعدِّد الأقطاب تمويليًّا. وهو تطوُّر يحمل رسالة مزدوجة؛ فمن جهة، لا يزال الذكاء الاستراتيجي يحتِّم المحافظة على بوابة المؤسسات التقليدية المسيطرة اليوم، أي الصندوق والبنك الدوليين، ذلك أنَّ الحصول على «شهادة حُسن السير والسلوك» من الصندوق أو البنك ما زال يفتح الباب لأسواق رأس المال العالمية، ويخفض كلفة التمويل. ومن جهة أخرى، أصبح من الحكمة التنويع في الشركاء الماليين، ودراسة بدائل الجنوب–الجنوب، حتى لا تُقاد الدولة بخطة واحدة مفروضة من خارج المنظومة.
بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
اجتماعات الخريف الأخيرة لمؤسستَي بريتون وودز، الصندوق والبنك الدوليين، كشفت أنَّ خريف الثمانين للمؤسستين يُظهر سقوط أوراق القوة، وأوراق الضغط، وأوراق الوصفات الثابتة والمُكررة. مرور 80 سنة على عمل المؤسستين، وتدخُّلهما، وتداخلهما بمشروطية قاسية على العديد من دول العالم، بات جميعه محلَّ تساؤل، إن لم نقل محلَّ شكٍّ، في ظل خريطة اقتصادية جديدة باتت تزحف جنوبًا وشرقًا. هو الزحف قبل المشي الثابت، والجري المُتوقَّع، الذي سيكون لمجموعة بريكس ومجموعة شنغهاي ومجموعة آسيان دور التبنّي والتربية إلى أن يشتدَّ العود ويقوى العضدد. بيد أنَّ ما يعزِّز الحاجة إلى مولود، أو مواليد جديدة، اليوم هو ما نبّأ أو تنبّأ به الاجتماع الأخير، اجتماع خريف 2025، من تباطؤ في النمو المستدام، وتفاقُم في الدين العام يتجاوز حدود التحمُّل، والحاجة إلى إصلاحات هيكيلية حقيقية.
ومع ذلك فإنَّ صندوق النقد رفع توقُّعاته لنموّ الناتج العالمي لعام 2025 إلى نحو 3.2%، مع تحذير أنَّ هذا ليس انتعاشاً بل «تثبيتاً» في ظلِّ ضغوط تضخُّمية مرتفعة وزيادة ديون الدول إلى مستويات لم يسبق لها مثيل. المعضلة القائمة اليوم، بل المتاهة الاقتصادية إن صحَّ التعبير، تكمن في الحاجة الحقيقية إلى إعادة هندسة التمويل الدولي عبر أدوات تركِّز حصرًا في التمويل الموجَّه إلى خلْق فرص العمل، والمساند للاستثمار في البنية التحتية الرقمية المؤهِّلة للمستثمر، والتمويل الابتكاري والريادي.
هذا الدور الجديد للصندوق، إن أراد أن يتحوَّل إليه فعلاً، يجعله يتحوَّل من الزيارات الشكلية والروتينية ضمن المراجعة المبنية على المادة الرابعة لاتفاقية الصندوق، التي باتت تؤهِّل الدول للاقتراض أكثر ممَّا سبق، برغم رزوحها تحت وطأة ديون غير قابلة للسداد. المعنى الجديد لدور الصندوق ليس فقط في مراقبة الميزانيات بل الاستعداد لمرحلة إعادة هندسة التمويل الدولي. البنك الدولي من جانبه عليه أن يركِّز على ثلاثة محاور أساسية تدور حول تشجيع وتمويل الاستثمار في رأس المال البشري، والاقتصاد الدائري والأزرق، وفي مجالات البنى التحتية الرقمية. وخلافًا لذلك، وفي حال استمرار المؤسستين على الدور التقليدي المعهود، فإنَّ خريف عمرهما اليوم سيكون بداية انهيار منظومة التمويل الدولي، وآلياتها، ونظم الصرف المعتمدة عليها، وخاصة النظم المُعتمدة على التثبيت مقابل الدولار الأمريكي، الذي بات عهد أفوله أقرب من أيِّ وقت مضى.
إرهاصات النظام العالمي الجديد، الذي تقوده الصين بشكل واضح عبر بريكس ومجموعة شنغهاي ولقاءات دول آسيان، يفرض على مؤسَّستَي بريتون وودز تغييرًا جوهريًّا في الدور. فعلى الرغم من أنَّ الصندوق والبنك لا يزالان يشكِّلان أساس النفوذ المالي والاقتصادي للدول، فإنَّ قوة «المشروطية» التي تمارسانها ستخبو في أقلِّ من عقد، في ظل نموٍّ وظهورٍ كبير للبدائل الجنوبية الشرقية؛ ذلك أنَّ تمويلات بديلة وعقود الجنوب–الجنوب باتت تُقدَّم من مجموعات مثل بريكس، التي أطلقت صندوق مماثل لصندوق النقد وبنك للتنمية، بحجم ومرونة أكبر. الشاهد، إنَّ أمام الدول النامية خيارًا تمويليًّا جديدًا لا يبدو أنه يتقيَّد بشروط التقشُّف التقليدية للصندوق أو البنك. من جهة أخرى، يتضح اليوم أنَّ سلاسل القرار في معالجة الأزمات المالية بدأت تخرج من نطاق ونظام «المركز الواحد» الممثَّل في واشنطن. ما يعني أنَّ النظام العالمي الجديد أمام تحوُّل في خريطة التمويل العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب. بيد أنَّ القول هنا ليس في اختفاء دول الصندوق والبنك الدوليين، وإنما في تغيير موقعهما من مركز قيادة مطلق إلى لاعب محوري ضمن شبكة أوسع.
المنطقة العربية، والعديد من الدول النامية، أمام نافذة عالمية جديدة، نافذة تفتح لها آفاقَ نظامٍ متعدِّد الأقطاب تمويليًّا. وهو تطوُّر يحمل رسالة مزدوجة؛ فمن جهة، لا يزال الذكاء الاستراتيجي يحتِّم المحافظة على بوابة المؤسسات التقليدية المسيطرة اليوم، أي الصندوق والبنك الدوليين، ذلك أنَّ الحصول على «شهادة حُسن السير والسلوك» من الصندوق أو البنك ما زال يفتح الباب لأسواق رأس المال العالمية، ويخفض كلفة التمويل. ومن جهة أخرى، أصبح من الحكمة التنويع في الشركاء الماليين، ودراسة بدائل الجنوب–الجنوب، حتى لا تُقاد الدولة بخطة واحدة مفروضة من خارج المنظومة.
بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
اجتماعات الخريف الأخيرة لمؤسستَي بريتون وودز، الصندوق والبنك الدوليين، كشفت أنَّ خريف الثمانين للمؤسستين يُظهر سقوط أوراق القوة، وأوراق الضغط، وأوراق الوصفات الثابتة والمُكررة. مرور 80 سنة على عمل المؤسستين، وتدخُّلهما، وتداخلهما بمشروطية قاسية على العديد من دول العالم، بات جميعه محلَّ تساؤل، إن لم نقل محلَّ شكٍّ، في ظل خريطة اقتصادية جديدة باتت تزحف جنوبًا وشرقًا. هو الزحف قبل المشي الثابت، والجري المُتوقَّع، الذي سيكون لمجموعة بريكس ومجموعة شنغهاي ومجموعة آسيان دور التبنّي والتربية إلى أن يشتدَّ العود ويقوى العضدد. بيد أنَّ ما يعزِّز الحاجة إلى مولود، أو مواليد جديدة، اليوم هو ما نبّأ أو تنبّأ به الاجتماع الأخير، اجتماع خريف 2025، من تباطؤ في النمو المستدام، وتفاقُم في الدين العام يتجاوز حدود التحمُّل، والحاجة إلى إصلاحات هيكيلية حقيقية.
ومع ذلك فإنَّ صندوق النقد رفع توقُّعاته لنموّ الناتج العالمي لعام 2025 إلى نحو 3.2%، مع تحذير أنَّ هذا ليس انتعاشاً بل «تثبيتاً» في ظلِّ ضغوط تضخُّمية مرتفعة وزيادة ديون الدول إلى مستويات لم يسبق لها مثيل. المعضلة القائمة اليوم، بل المتاهة الاقتصادية إن صحَّ التعبير، تكمن في الحاجة الحقيقية إلى إعادة هندسة التمويل الدولي عبر أدوات تركِّز حصرًا في التمويل الموجَّه إلى خلْق فرص العمل، والمساند للاستثمار في البنية التحتية الرقمية المؤهِّلة للمستثمر، والتمويل الابتكاري والريادي.
هذا الدور الجديد للصندوق، إن أراد أن يتحوَّل إليه فعلاً، يجعله يتحوَّل من الزيارات الشكلية والروتينية ضمن المراجعة المبنية على المادة الرابعة لاتفاقية الصندوق، التي باتت تؤهِّل الدول للاقتراض أكثر ممَّا سبق، برغم رزوحها تحت وطأة ديون غير قابلة للسداد. المعنى الجديد لدور الصندوق ليس فقط في مراقبة الميزانيات بل الاستعداد لمرحلة إعادة هندسة التمويل الدولي. البنك الدولي من جانبه عليه أن يركِّز على ثلاثة محاور أساسية تدور حول تشجيع وتمويل الاستثمار في رأس المال البشري، والاقتصاد الدائري والأزرق، وفي مجالات البنى التحتية الرقمية. وخلافًا لذلك، وفي حال استمرار المؤسستين على الدور التقليدي المعهود، فإنَّ خريف عمرهما اليوم سيكون بداية انهيار منظومة التمويل الدولي، وآلياتها، ونظم الصرف المعتمدة عليها، وخاصة النظم المُعتمدة على التثبيت مقابل الدولار الأمريكي، الذي بات عهد أفوله أقرب من أيِّ وقت مضى.
إرهاصات النظام العالمي الجديد، الذي تقوده الصين بشكل واضح عبر بريكس ومجموعة شنغهاي ولقاءات دول آسيان، يفرض على مؤسَّستَي بريتون وودز تغييرًا جوهريًّا في الدور. فعلى الرغم من أنَّ الصندوق والبنك لا يزالان يشكِّلان أساس النفوذ المالي والاقتصادي للدول، فإنَّ قوة «المشروطية» التي تمارسانها ستخبو في أقلِّ من عقد، في ظل نموٍّ وظهورٍ كبير للبدائل الجنوبية الشرقية؛ ذلك أنَّ تمويلات بديلة وعقود الجنوب–الجنوب باتت تُقدَّم من مجموعات مثل بريكس، التي أطلقت صندوق مماثل لصندوق النقد وبنك للتنمية، بحجم ومرونة أكبر. الشاهد، إنَّ أمام الدول النامية خيارًا تمويليًّا جديدًا لا يبدو أنه يتقيَّد بشروط التقشُّف التقليدية للصندوق أو البنك. من جهة أخرى، يتضح اليوم أنَّ سلاسل القرار في معالجة الأزمات المالية بدأت تخرج من نطاق ونظام «المركز الواحد» الممثَّل في واشنطن. ما يعني أنَّ النظام العالمي الجديد أمام تحوُّل في خريطة التمويل العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب. بيد أنَّ القول هنا ليس في اختفاء دول الصندوق والبنك الدوليين، وإنما في تغيير موقعهما من مركز قيادة مطلق إلى لاعب محوري ضمن شبكة أوسع.
المنطقة العربية، والعديد من الدول النامية، أمام نافذة عالمية جديدة، نافذة تفتح لها آفاقَ نظامٍ متعدِّد الأقطاب تمويليًّا. وهو تطوُّر يحمل رسالة مزدوجة؛ فمن جهة، لا يزال الذكاء الاستراتيجي يحتِّم المحافظة على بوابة المؤسسات التقليدية المسيطرة اليوم، أي الصندوق والبنك الدوليين، ذلك أنَّ الحصول على «شهادة حُسن السير والسلوك» من الصندوق أو البنك ما زال يفتح الباب لأسواق رأس المال العالمية، ويخفض كلفة التمويل. ومن جهة أخرى، أصبح من الحكمة التنويع في الشركاء الماليين، ودراسة بدائل الجنوب–الجنوب، حتى لا تُقاد الدولة بخطة واحدة مفروضة من خارج المنظومة.
التعليقات