تداولت وسائل الإعلام قبل أيام أنباء تفيد بتقديم عدد كبير من أعضاء أحد الأحزاب السياسية المسجلة استقالاتهم الخطية، إذ أشارت التقارير الصحفية إلى أن أكثر من نصف أعضاء 'الهيئة العامة' للحزب قد انسحبوا جماعيا احتجاجا على أسلوب إدارة الحزب وآليات اتخاذ القرار فيه، وما يرافق ذلك من ممارسات تنظيمية محل خلاف داخلي.
وتُثير هذه التطورات الداخلية جملة من التساؤلات السياسية والقانونية؛ إذ إن اتفاق أغلبية أعضاء الحزب، ومن بينهم عدد من الأعضاء المؤسِّسين، على الانسحاب منه طوعا واختيارا، وبصورة قد تفقده نصابه القانوني وتُضعِف هياكله التنظيمية، يُعدّ لحظة مفصلية لا تختبر تماسك الحزب المعني فحسب، بل تختبر أيضا قدرة النظام السياسي في الدولة على التعامل الرشيد مع التحولات التي تشهدها الحياة الحزبية، من غير مساس بجوهر الحق الدستوري في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها وممارسة النشاط السياسي في إطاره.
وعلى الرغم من ثبوت حق الفرد في الانتماء إلى الحزب السياسي والخروج منه في الوقت والكيفية اللذين يشاء، فإن هذه 'الهجرة الجماعية' لمعظم أعضاء الحزب تُظهر حجم التحديات التي تواجه الديمقراطية الداخلية في الأحزاب الأردنية. فالإشكال الحقيقي لا يكمن في النصوص القانونية المنظِّمة بقدر ما يكمن في الممارسة الحزبية ذاتها؛ ولا سيما في ظل تبادل الاتهامات بين الأعضاء المستقيلين حول وجود خلافات بنيوية عميقة داخل الحزب، واختلاف واضح في كيفية إدارة شؤونه وتوجيهه نحو الصالح العام، وفي طرائق صنع القرار وتمثيل القواعد.
وعلى الصعيد التشريعي، فقد تضمن قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 العديد من النصوص الناظمة لتأسيس الحزب وإدارته؛ بدءا من تقديم طلب التأسيس، ومرورا بعقد المؤتمر التأسيسي خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ استكمال المتطلبات، على أن لا يقل عدد المؤسسين عن ألف شخصٍ من سكان ست محافظات على الأقل، بواقع ثلاثين شخصا من كل محافظة، مع مراعاة تمثيل الشباب والمرأة بنسبة لا تقلّ عن (20%) من عدد المؤسسين، وبما يكفل تنوّع القاعدة البشرية ومراعاة التوزيع الجغرافي.
في المقابل، لم يرد في القانون نصوص واضحة تتناول مصير الحزب الذي يفقد هذه الشروط الواجبة عند التأسيس. فقد حدّدت المادة (35) من القانون الحالات التي تستوجب حل الحزب بقرار قضائي، وتشمل: مخالفة أحكام الدستور، أو ثبوت ارتباط الحزب بجهةٍ خارجية، أو قبوله تمويلا غير مشروع، أو مخالفته لأي من أحكام القانون وعدم تصويب أوضاعه خلال ستين يوما من تاريخ إشعاره بذلك من مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، بما يعني أن الحل هو إجراء قضائي لا إداري.
أما فقدان الحزب للحد الأدنى من أعضائه، فقد اعتبره المشرع الأردني مخالفة إجرائية توجب على الحزب المعني تصويب أوضاعه خلال مدة زمنية محددة، يمكن أن تمتد إلى تسعين يوما إذا طلب الحزب تمديد المهلة وفق المادة (33) من القانون، شريطة تقديم أسباب تُبرِّر تعذّر التصويب خلال المدة الأولى، وبحيث يُتاح للحزب مجال واقعي لاستعادة شروط الاستمرار واستكمال متطلبات المشروعية الشكلية والموضوعية.
وخلال هذه الفترة، وبالنظر إلى العدد الكبير من الأعضاء المستقيلين، قد يجد الحزب نفسه عاجزا عن ممارسة مهامه عبر أجهزته الإدارية الداخلية، التي يُتوقّع أن تُصاب بـ 'شلل كامل' نتيجة فقدان النصاب القانوني اللازم لانعقادها أو لاتخاذ قراراتها؛ وهو ما قد ينعكس سلبا على أدائه السياسي وتمثيله البرلماني، ولا سيما إذا كان للحزب نواب منتخبون تحت مظلته ويعتمد عليهم في تفعيل حضوره العام وبرنامجه السياسي.
إن الأزمة التي تواجهها بعض الأحزاب السياسية اليوم تطرح بإلحاح مسألة غياب الحاكمية الرشيدة في العمل الحزبي؛ فالتطبيق العملي يُظهر محدودية التزام الأحزاب بمبادئ الشفافية والمساءلة الداخلية، على الرغم من الإشارة إليها تشريعيا. فالمادة (15) من قانون الأحزاب السياسية النافذ تنص صراحة على ضرورة أن يضمن الحزب فُرَص المشاركة الفعلية لمنتسبيه في إدارة قيادته التنفيذية، وأن يراعي مبادئ الحاكمية الرشيدة والشفافية والمساءلة والمحاسبة، بما يرسّخ المشاركة ويقي من تغوّل المراكز الفردية.
غير أن هذا النص - على أهميته - جاء عاما دون تحديد الأسس والقواعد الإجرائية التي يجب على الحزب مراعاتها في نظامه الأساسي لتحقيق تلك المبادئ؛ فلم يضع المشرع آليات واضحة لضمان تداول القيادة، وإدارة الموارد، وتسوية النزاعات الداخلية، أو لضمان خضوع الهيئات الحزبية للمساءلة أمام قواعد الحزب ذاتها، وهو ما يقتضي من الأحزاب ذاتها استكمال هذا النقص بلوائح تفصيلية ومعايير تشغيلية دقيقة وقابلة للتطبيق.
إن تطبيق المادة (15) من قانون الأحزاب السياسية وتضمين معايير واضحة للحاكمية الرشيدة في الأنظمة الأساسية للأحزاب، من شأنه أن يعزز الشفافية والمشاركة الديمقراطية، ويحد من ظواهر الانقسام والاستقالات الجماعية، ويُرسّخ ثقافة مؤسسية تجعل الحزب نموذجا في الإدارة الرشيدة. فالأزمات التي تشهدها بعض الأحزاب الوطنية اليوم تكشف الحاجة إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقيقية داخلها، كي لا تبقى مشاريع نخبوية أو مؤقتة، بل مؤسسات سياسية قادرة على التجدد والاستمرار في إطار من الشفافية والالتزام بالقانون، وبما ينعكس إيجابا على الثقة العامة في التجربة الحزبية ومسار الإصلاح السياسي.
* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
تداولت وسائل الإعلام قبل أيام أنباء تفيد بتقديم عدد كبير من أعضاء أحد الأحزاب السياسية المسجلة استقالاتهم الخطية، إذ أشارت التقارير الصحفية إلى أن أكثر من نصف أعضاء 'الهيئة العامة' للحزب قد انسحبوا جماعيا احتجاجا على أسلوب إدارة الحزب وآليات اتخاذ القرار فيه، وما يرافق ذلك من ممارسات تنظيمية محل خلاف داخلي.
وتُثير هذه التطورات الداخلية جملة من التساؤلات السياسية والقانونية؛ إذ إن اتفاق أغلبية أعضاء الحزب، ومن بينهم عدد من الأعضاء المؤسِّسين، على الانسحاب منه طوعا واختيارا، وبصورة قد تفقده نصابه القانوني وتُضعِف هياكله التنظيمية، يُعدّ لحظة مفصلية لا تختبر تماسك الحزب المعني فحسب، بل تختبر أيضا قدرة النظام السياسي في الدولة على التعامل الرشيد مع التحولات التي تشهدها الحياة الحزبية، من غير مساس بجوهر الحق الدستوري في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها وممارسة النشاط السياسي في إطاره.
وعلى الرغم من ثبوت حق الفرد في الانتماء إلى الحزب السياسي والخروج منه في الوقت والكيفية اللذين يشاء، فإن هذه 'الهجرة الجماعية' لمعظم أعضاء الحزب تُظهر حجم التحديات التي تواجه الديمقراطية الداخلية في الأحزاب الأردنية. فالإشكال الحقيقي لا يكمن في النصوص القانونية المنظِّمة بقدر ما يكمن في الممارسة الحزبية ذاتها؛ ولا سيما في ظل تبادل الاتهامات بين الأعضاء المستقيلين حول وجود خلافات بنيوية عميقة داخل الحزب، واختلاف واضح في كيفية إدارة شؤونه وتوجيهه نحو الصالح العام، وفي طرائق صنع القرار وتمثيل القواعد.
وعلى الصعيد التشريعي، فقد تضمن قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 العديد من النصوص الناظمة لتأسيس الحزب وإدارته؛ بدءا من تقديم طلب التأسيس، ومرورا بعقد المؤتمر التأسيسي خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ استكمال المتطلبات، على أن لا يقل عدد المؤسسين عن ألف شخصٍ من سكان ست محافظات على الأقل، بواقع ثلاثين شخصا من كل محافظة، مع مراعاة تمثيل الشباب والمرأة بنسبة لا تقلّ عن (20%) من عدد المؤسسين، وبما يكفل تنوّع القاعدة البشرية ومراعاة التوزيع الجغرافي.
في المقابل، لم يرد في القانون نصوص واضحة تتناول مصير الحزب الذي يفقد هذه الشروط الواجبة عند التأسيس. فقد حدّدت المادة (35) من القانون الحالات التي تستوجب حل الحزب بقرار قضائي، وتشمل: مخالفة أحكام الدستور، أو ثبوت ارتباط الحزب بجهةٍ خارجية، أو قبوله تمويلا غير مشروع، أو مخالفته لأي من أحكام القانون وعدم تصويب أوضاعه خلال ستين يوما من تاريخ إشعاره بذلك من مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، بما يعني أن الحل هو إجراء قضائي لا إداري.
أما فقدان الحزب للحد الأدنى من أعضائه، فقد اعتبره المشرع الأردني مخالفة إجرائية توجب على الحزب المعني تصويب أوضاعه خلال مدة زمنية محددة، يمكن أن تمتد إلى تسعين يوما إذا طلب الحزب تمديد المهلة وفق المادة (33) من القانون، شريطة تقديم أسباب تُبرِّر تعذّر التصويب خلال المدة الأولى، وبحيث يُتاح للحزب مجال واقعي لاستعادة شروط الاستمرار واستكمال متطلبات المشروعية الشكلية والموضوعية.
وخلال هذه الفترة، وبالنظر إلى العدد الكبير من الأعضاء المستقيلين، قد يجد الحزب نفسه عاجزا عن ممارسة مهامه عبر أجهزته الإدارية الداخلية، التي يُتوقّع أن تُصاب بـ 'شلل كامل' نتيجة فقدان النصاب القانوني اللازم لانعقادها أو لاتخاذ قراراتها؛ وهو ما قد ينعكس سلبا على أدائه السياسي وتمثيله البرلماني، ولا سيما إذا كان للحزب نواب منتخبون تحت مظلته ويعتمد عليهم في تفعيل حضوره العام وبرنامجه السياسي.
إن الأزمة التي تواجهها بعض الأحزاب السياسية اليوم تطرح بإلحاح مسألة غياب الحاكمية الرشيدة في العمل الحزبي؛ فالتطبيق العملي يُظهر محدودية التزام الأحزاب بمبادئ الشفافية والمساءلة الداخلية، على الرغم من الإشارة إليها تشريعيا. فالمادة (15) من قانون الأحزاب السياسية النافذ تنص صراحة على ضرورة أن يضمن الحزب فُرَص المشاركة الفعلية لمنتسبيه في إدارة قيادته التنفيذية، وأن يراعي مبادئ الحاكمية الرشيدة والشفافية والمساءلة والمحاسبة، بما يرسّخ المشاركة ويقي من تغوّل المراكز الفردية.
غير أن هذا النص - على أهميته - جاء عاما دون تحديد الأسس والقواعد الإجرائية التي يجب على الحزب مراعاتها في نظامه الأساسي لتحقيق تلك المبادئ؛ فلم يضع المشرع آليات واضحة لضمان تداول القيادة، وإدارة الموارد، وتسوية النزاعات الداخلية، أو لضمان خضوع الهيئات الحزبية للمساءلة أمام قواعد الحزب ذاتها، وهو ما يقتضي من الأحزاب ذاتها استكمال هذا النقص بلوائح تفصيلية ومعايير تشغيلية دقيقة وقابلة للتطبيق.
إن تطبيق المادة (15) من قانون الأحزاب السياسية وتضمين معايير واضحة للحاكمية الرشيدة في الأنظمة الأساسية للأحزاب، من شأنه أن يعزز الشفافية والمشاركة الديمقراطية، ويحد من ظواهر الانقسام والاستقالات الجماعية، ويُرسّخ ثقافة مؤسسية تجعل الحزب نموذجا في الإدارة الرشيدة. فالأزمات التي تشهدها بعض الأحزاب الوطنية اليوم تكشف الحاجة إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقيقية داخلها، كي لا تبقى مشاريع نخبوية أو مؤقتة، بل مؤسسات سياسية قادرة على التجدد والاستمرار في إطار من الشفافية والالتزام بالقانون، وبما ينعكس إيجابا على الثقة العامة في التجربة الحزبية ومسار الإصلاح السياسي.
* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
تداولت وسائل الإعلام قبل أيام أنباء تفيد بتقديم عدد كبير من أعضاء أحد الأحزاب السياسية المسجلة استقالاتهم الخطية، إذ أشارت التقارير الصحفية إلى أن أكثر من نصف أعضاء 'الهيئة العامة' للحزب قد انسحبوا جماعيا احتجاجا على أسلوب إدارة الحزب وآليات اتخاذ القرار فيه، وما يرافق ذلك من ممارسات تنظيمية محل خلاف داخلي.
وتُثير هذه التطورات الداخلية جملة من التساؤلات السياسية والقانونية؛ إذ إن اتفاق أغلبية أعضاء الحزب، ومن بينهم عدد من الأعضاء المؤسِّسين، على الانسحاب منه طوعا واختيارا، وبصورة قد تفقده نصابه القانوني وتُضعِف هياكله التنظيمية، يُعدّ لحظة مفصلية لا تختبر تماسك الحزب المعني فحسب، بل تختبر أيضا قدرة النظام السياسي في الدولة على التعامل الرشيد مع التحولات التي تشهدها الحياة الحزبية، من غير مساس بجوهر الحق الدستوري في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها وممارسة النشاط السياسي في إطاره.
وعلى الرغم من ثبوت حق الفرد في الانتماء إلى الحزب السياسي والخروج منه في الوقت والكيفية اللذين يشاء، فإن هذه 'الهجرة الجماعية' لمعظم أعضاء الحزب تُظهر حجم التحديات التي تواجه الديمقراطية الداخلية في الأحزاب الأردنية. فالإشكال الحقيقي لا يكمن في النصوص القانونية المنظِّمة بقدر ما يكمن في الممارسة الحزبية ذاتها؛ ولا سيما في ظل تبادل الاتهامات بين الأعضاء المستقيلين حول وجود خلافات بنيوية عميقة داخل الحزب، واختلاف واضح في كيفية إدارة شؤونه وتوجيهه نحو الصالح العام، وفي طرائق صنع القرار وتمثيل القواعد.
وعلى الصعيد التشريعي، فقد تضمن قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 العديد من النصوص الناظمة لتأسيس الحزب وإدارته؛ بدءا من تقديم طلب التأسيس، ومرورا بعقد المؤتمر التأسيسي خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ استكمال المتطلبات، على أن لا يقل عدد المؤسسين عن ألف شخصٍ من سكان ست محافظات على الأقل، بواقع ثلاثين شخصا من كل محافظة، مع مراعاة تمثيل الشباب والمرأة بنسبة لا تقلّ عن (20%) من عدد المؤسسين، وبما يكفل تنوّع القاعدة البشرية ومراعاة التوزيع الجغرافي.
في المقابل، لم يرد في القانون نصوص واضحة تتناول مصير الحزب الذي يفقد هذه الشروط الواجبة عند التأسيس. فقد حدّدت المادة (35) من القانون الحالات التي تستوجب حل الحزب بقرار قضائي، وتشمل: مخالفة أحكام الدستور، أو ثبوت ارتباط الحزب بجهةٍ خارجية، أو قبوله تمويلا غير مشروع، أو مخالفته لأي من أحكام القانون وعدم تصويب أوضاعه خلال ستين يوما من تاريخ إشعاره بذلك من مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، بما يعني أن الحل هو إجراء قضائي لا إداري.
أما فقدان الحزب للحد الأدنى من أعضائه، فقد اعتبره المشرع الأردني مخالفة إجرائية توجب على الحزب المعني تصويب أوضاعه خلال مدة زمنية محددة، يمكن أن تمتد إلى تسعين يوما إذا طلب الحزب تمديد المهلة وفق المادة (33) من القانون، شريطة تقديم أسباب تُبرِّر تعذّر التصويب خلال المدة الأولى، وبحيث يُتاح للحزب مجال واقعي لاستعادة شروط الاستمرار واستكمال متطلبات المشروعية الشكلية والموضوعية.
وخلال هذه الفترة، وبالنظر إلى العدد الكبير من الأعضاء المستقيلين، قد يجد الحزب نفسه عاجزا عن ممارسة مهامه عبر أجهزته الإدارية الداخلية، التي يُتوقّع أن تُصاب بـ 'شلل كامل' نتيجة فقدان النصاب القانوني اللازم لانعقادها أو لاتخاذ قراراتها؛ وهو ما قد ينعكس سلبا على أدائه السياسي وتمثيله البرلماني، ولا سيما إذا كان للحزب نواب منتخبون تحت مظلته ويعتمد عليهم في تفعيل حضوره العام وبرنامجه السياسي.
إن الأزمة التي تواجهها بعض الأحزاب السياسية اليوم تطرح بإلحاح مسألة غياب الحاكمية الرشيدة في العمل الحزبي؛ فالتطبيق العملي يُظهر محدودية التزام الأحزاب بمبادئ الشفافية والمساءلة الداخلية، على الرغم من الإشارة إليها تشريعيا. فالمادة (15) من قانون الأحزاب السياسية النافذ تنص صراحة على ضرورة أن يضمن الحزب فُرَص المشاركة الفعلية لمنتسبيه في إدارة قيادته التنفيذية، وأن يراعي مبادئ الحاكمية الرشيدة والشفافية والمساءلة والمحاسبة، بما يرسّخ المشاركة ويقي من تغوّل المراكز الفردية.
غير أن هذا النص - على أهميته - جاء عاما دون تحديد الأسس والقواعد الإجرائية التي يجب على الحزب مراعاتها في نظامه الأساسي لتحقيق تلك المبادئ؛ فلم يضع المشرع آليات واضحة لضمان تداول القيادة، وإدارة الموارد، وتسوية النزاعات الداخلية، أو لضمان خضوع الهيئات الحزبية للمساءلة أمام قواعد الحزب ذاتها، وهو ما يقتضي من الأحزاب ذاتها استكمال هذا النقص بلوائح تفصيلية ومعايير تشغيلية دقيقة وقابلة للتطبيق.
إن تطبيق المادة (15) من قانون الأحزاب السياسية وتضمين معايير واضحة للحاكمية الرشيدة في الأنظمة الأساسية للأحزاب، من شأنه أن يعزز الشفافية والمشاركة الديمقراطية، ويحد من ظواهر الانقسام والاستقالات الجماعية، ويُرسّخ ثقافة مؤسسية تجعل الحزب نموذجا في الإدارة الرشيدة. فالأزمات التي تشهدها بعض الأحزاب الوطنية اليوم تكشف الحاجة إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية الحقيقية داخلها، كي لا تبقى مشاريع نخبوية أو مؤقتة، بل مؤسسات سياسية قادرة على التجدد والاستمرار في إطار من الشفافية والالتزام بالقانون، وبما ينعكس إيجابا على الثقة العامة في التجربة الحزبية ومسار الإصلاح السياسي.
* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
التعليقات