أخبار اليوم - منذ اليوم الأول لحرب الإبادة، أجبر إياد المصري، الثلاثيني من مدينة غزة، على النزوح من بيته، تاركًا خلفه ذكرياته وجدرانًا عاش بينها عمرًا، متجهًا نحو مدارس اللاجئين التي تحوّلت إلى ملاذات لآلاف العائلات التي شردتها نيران الحرب.
في 16 نوفمبر 2023، وبينما يحاول إياد أن يمنح أطفاله القليل من الأمان في أحد صفوف مدرسة مكتظة بالنازحين، اخترقت قذائف الدبابات الإسرائيلية جدران الأمان المزعوم، سقط صاروخ على مقربة منهم، لتتناثر الشظايا وتخترق جسده وجسد ابنه محمد، ذي الستة عشر عامًا.
يقول إياد لصحيفة 'فلسطين' والغصة تخنق صوته: 'كلما أتذكر الموقف، أصاب بضيق في صدري وغصة في قلبي... أصبت بظهري ورجلي، ولم أكن أشعر بشيء سوى ثقل الحياة فوقي'.
اقتربت منه حينها زوجته، تنظر إليه بعينين تملؤهما الدموع، وتهمس بألم: 'مش معي ابنك محمد؟ متصاوب زيك!'.
وفي لحظة لا تنسى، جاء ابنه الثاني، صغير الجسد عظيم النداء، واقترب من والده وهو يصرخ والدموع تسبق صوته: 'أمانة يا يابا... ما تسيبنا!'
يسرد إياد: 'كانت الكلمات كالسكاكين، والمشهد كأنه خُطّ بالألم في قلبي'. لحظة تختصر كل ما تعنيه الحرب من فواجع... وخوف... وتمسك بالحياة رغم الموت.
حاولت عائلته إسعافهما لكنها لم تستطع الوصول بهما إلى أي مستشفى، وبقوا في المدرسة ينزفوا لليوم الثاني وطلب من زوجته أن تنزح برفقة باقي ابنائهما جنوبًا خوفًا من أن يصيبهم شيء، 'استودعينا واطلعي'.
وبعد 24 ساعة من الحصار، لم يكن يتخيل الأب أياد أن تُختصر خياراته في الحياة بجملة قالها له أحد المسعفين داخل مدرسة تحوّلت إلى مأوى للنازحين ثم إلى سجن كبير مغلق على أصوات القصف وأنين المصابين: 'الإسعاف لا يتسع إلا لواحد.. مين نأخذ؟'
يتابع حديثه: 'كنا محاصرين في المدرسة التابعة للأونروا بلا طعام، ولا علاج، ولا حتى شاش طبي، كنت أرى ابني يحتضر أمامي، وكل ما أملكه أن أمسح عرقه بيدي وأتظاهر بالقوة'.
استمرت ساعات الحصار، ثقيلة كأنها دهر، ليأتي بعدها القرار الصعب فحملوا إياد وترك ابنه محمد في المدرسة، ينتظر مصيره المجهول، تتناوبه الغيبوبة والحمى، محاطًا بخوف لم تخففها أقوى المسكنات.
وفي اليوم التالي لحق محمد بوالده إلى مستشفى الاندونيسي وتم بتر قدمه، وقبل أن يستفيق من العملية صطدموا باقتحام جيش الاحتلال للمستشفى، فقال الأب لابنه: 'إذا ضلينا هان راح نستشهد' وقررا الخروج إلى مستشفى اليمن السعيد وثم إلى المعمداني في ظروف نفسية وصحية صعبة.
نُقل إياد ومحمد إلى المستشفى وسط فوضى الحرب وقلة الإمكانيات، أصيب إياد بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده، بينما كانت إصابة محمد أشد – فقد وُصِف وضعه بأنه حرج.
لم تكن إصابات الجسد هي الأشد وطأة، بل كان ألم العجز في قلب الأب. 'الوجع الحقيقي مش من الشظايا، الوجع لما تشوف ابنك بيتألم، وإنت عاجز حتى تضمّه من الوجع'، وفق حديثه.
وبعد 14 يومًا من المكوث في مستشفى الأوروبي، سافر محمد برفقة والدته لاستكمال العلاج في الخارج، وهو يحمل في حقيبته الصغيرة كثيرًا من الوجع، والحنين، والأمل.
أما والده، الذي عاش مع ابنه لحظات البتر، والفقد، والدموع، فقد بقي خلفهما أربعة أشهر كاملة يخوض رحلة علاج أخرى – لكن هذه المرة كانت روحية أكثر منها جسدية، خرج بعدها ليحمل مسؤولية الأسرة كاملة، ليكون الأم والأب، والكتف التي تُسند قلوبًا أرهقها الحرب، وليملأ فراغ من غاب قدر استطاعته.
ومن كثرة الشظايا التي اخترقت جسده، والمجاعة التي ضربت القطاع، تدهورت صحة الأب إياد بشكل حادفقد كان شاب ممتلئ، قوي، يزن 95 كيلو جرام، أما اليوم فصار وزنه 55 فقط.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ اليوم الأول لحرب الإبادة، أجبر إياد المصري، الثلاثيني من مدينة غزة، على النزوح من بيته، تاركًا خلفه ذكرياته وجدرانًا عاش بينها عمرًا، متجهًا نحو مدارس اللاجئين التي تحوّلت إلى ملاذات لآلاف العائلات التي شردتها نيران الحرب.
في 16 نوفمبر 2023، وبينما يحاول إياد أن يمنح أطفاله القليل من الأمان في أحد صفوف مدرسة مكتظة بالنازحين، اخترقت قذائف الدبابات الإسرائيلية جدران الأمان المزعوم، سقط صاروخ على مقربة منهم، لتتناثر الشظايا وتخترق جسده وجسد ابنه محمد، ذي الستة عشر عامًا.
يقول إياد لصحيفة 'فلسطين' والغصة تخنق صوته: 'كلما أتذكر الموقف، أصاب بضيق في صدري وغصة في قلبي... أصبت بظهري ورجلي، ولم أكن أشعر بشيء سوى ثقل الحياة فوقي'.
اقتربت منه حينها زوجته، تنظر إليه بعينين تملؤهما الدموع، وتهمس بألم: 'مش معي ابنك محمد؟ متصاوب زيك!'.
وفي لحظة لا تنسى، جاء ابنه الثاني، صغير الجسد عظيم النداء، واقترب من والده وهو يصرخ والدموع تسبق صوته: 'أمانة يا يابا... ما تسيبنا!'
يسرد إياد: 'كانت الكلمات كالسكاكين، والمشهد كأنه خُطّ بالألم في قلبي'. لحظة تختصر كل ما تعنيه الحرب من فواجع... وخوف... وتمسك بالحياة رغم الموت.
حاولت عائلته إسعافهما لكنها لم تستطع الوصول بهما إلى أي مستشفى، وبقوا في المدرسة ينزفوا لليوم الثاني وطلب من زوجته أن تنزح برفقة باقي ابنائهما جنوبًا خوفًا من أن يصيبهم شيء، 'استودعينا واطلعي'.
وبعد 24 ساعة من الحصار، لم يكن يتخيل الأب أياد أن تُختصر خياراته في الحياة بجملة قالها له أحد المسعفين داخل مدرسة تحوّلت إلى مأوى للنازحين ثم إلى سجن كبير مغلق على أصوات القصف وأنين المصابين: 'الإسعاف لا يتسع إلا لواحد.. مين نأخذ؟'
يتابع حديثه: 'كنا محاصرين في المدرسة التابعة للأونروا بلا طعام، ولا علاج، ولا حتى شاش طبي، كنت أرى ابني يحتضر أمامي، وكل ما أملكه أن أمسح عرقه بيدي وأتظاهر بالقوة'.
استمرت ساعات الحصار، ثقيلة كأنها دهر، ليأتي بعدها القرار الصعب فحملوا إياد وترك ابنه محمد في المدرسة، ينتظر مصيره المجهول، تتناوبه الغيبوبة والحمى، محاطًا بخوف لم تخففها أقوى المسكنات.
وفي اليوم التالي لحق محمد بوالده إلى مستشفى الاندونيسي وتم بتر قدمه، وقبل أن يستفيق من العملية صطدموا باقتحام جيش الاحتلال للمستشفى، فقال الأب لابنه: 'إذا ضلينا هان راح نستشهد' وقررا الخروج إلى مستشفى اليمن السعيد وثم إلى المعمداني في ظروف نفسية وصحية صعبة.
نُقل إياد ومحمد إلى المستشفى وسط فوضى الحرب وقلة الإمكانيات، أصيب إياد بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده، بينما كانت إصابة محمد أشد – فقد وُصِف وضعه بأنه حرج.
لم تكن إصابات الجسد هي الأشد وطأة، بل كان ألم العجز في قلب الأب. 'الوجع الحقيقي مش من الشظايا، الوجع لما تشوف ابنك بيتألم، وإنت عاجز حتى تضمّه من الوجع'، وفق حديثه.
وبعد 14 يومًا من المكوث في مستشفى الأوروبي، سافر محمد برفقة والدته لاستكمال العلاج في الخارج، وهو يحمل في حقيبته الصغيرة كثيرًا من الوجع، والحنين، والأمل.
أما والده، الذي عاش مع ابنه لحظات البتر، والفقد، والدموع، فقد بقي خلفهما أربعة أشهر كاملة يخوض رحلة علاج أخرى – لكن هذه المرة كانت روحية أكثر منها جسدية، خرج بعدها ليحمل مسؤولية الأسرة كاملة، ليكون الأم والأب، والكتف التي تُسند قلوبًا أرهقها الحرب، وليملأ فراغ من غاب قدر استطاعته.
ومن كثرة الشظايا التي اخترقت جسده، والمجاعة التي ضربت القطاع، تدهورت صحة الأب إياد بشكل حادفقد كان شاب ممتلئ، قوي، يزن 95 كيلو جرام، أما اليوم فصار وزنه 55 فقط.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ اليوم الأول لحرب الإبادة، أجبر إياد المصري، الثلاثيني من مدينة غزة، على النزوح من بيته، تاركًا خلفه ذكرياته وجدرانًا عاش بينها عمرًا، متجهًا نحو مدارس اللاجئين التي تحوّلت إلى ملاذات لآلاف العائلات التي شردتها نيران الحرب.
في 16 نوفمبر 2023، وبينما يحاول إياد أن يمنح أطفاله القليل من الأمان في أحد صفوف مدرسة مكتظة بالنازحين، اخترقت قذائف الدبابات الإسرائيلية جدران الأمان المزعوم، سقط صاروخ على مقربة منهم، لتتناثر الشظايا وتخترق جسده وجسد ابنه محمد، ذي الستة عشر عامًا.
يقول إياد لصحيفة 'فلسطين' والغصة تخنق صوته: 'كلما أتذكر الموقف، أصاب بضيق في صدري وغصة في قلبي... أصبت بظهري ورجلي، ولم أكن أشعر بشيء سوى ثقل الحياة فوقي'.
اقتربت منه حينها زوجته، تنظر إليه بعينين تملؤهما الدموع، وتهمس بألم: 'مش معي ابنك محمد؟ متصاوب زيك!'.
وفي لحظة لا تنسى، جاء ابنه الثاني، صغير الجسد عظيم النداء، واقترب من والده وهو يصرخ والدموع تسبق صوته: 'أمانة يا يابا... ما تسيبنا!'
يسرد إياد: 'كانت الكلمات كالسكاكين، والمشهد كأنه خُطّ بالألم في قلبي'. لحظة تختصر كل ما تعنيه الحرب من فواجع... وخوف... وتمسك بالحياة رغم الموت.
حاولت عائلته إسعافهما لكنها لم تستطع الوصول بهما إلى أي مستشفى، وبقوا في المدرسة ينزفوا لليوم الثاني وطلب من زوجته أن تنزح برفقة باقي ابنائهما جنوبًا خوفًا من أن يصيبهم شيء، 'استودعينا واطلعي'.
وبعد 24 ساعة من الحصار، لم يكن يتخيل الأب أياد أن تُختصر خياراته في الحياة بجملة قالها له أحد المسعفين داخل مدرسة تحوّلت إلى مأوى للنازحين ثم إلى سجن كبير مغلق على أصوات القصف وأنين المصابين: 'الإسعاف لا يتسع إلا لواحد.. مين نأخذ؟'
يتابع حديثه: 'كنا محاصرين في المدرسة التابعة للأونروا بلا طعام، ولا علاج، ولا حتى شاش طبي، كنت أرى ابني يحتضر أمامي، وكل ما أملكه أن أمسح عرقه بيدي وأتظاهر بالقوة'.
استمرت ساعات الحصار، ثقيلة كأنها دهر، ليأتي بعدها القرار الصعب فحملوا إياد وترك ابنه محمد في المدرسة، ينتظر مصيره المجهول، تتناوبه الغيبوبة والحمى، محاطًا بخوف لم تخففها أقوى المسكنات.
وفي اليوم التالي لحق محمد بوالده إلى مستشفى الاندونيسي وتم بتر قدمه، وقبل أن يستفيق من العملية صطدموا باقتحام جيش الاحتلال للمستشفى، فقال الأب لابنه: 'إذا ضلينا هان راح نستشهد' وقررا الخروج إلى مستشفى اليمن السعيد وثم إلى المعمداني في ظروف نفسية وصحية صعبة.
نُقل إياد ومحمد إلى المستشفى وسط فوضى الحرب وقلة الإمكانيات، أصيب إياد بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده، بينما كانت إصابة محمد أشد – فقد وُصِف وضعه بأنه حرج.
لم تكن إصابات الجسد هي الأشد وطأة، بل كان ألم العجز في قلب الأب. 'الوجع الحقيقي مش من الشظايا، الوجع لما تشوف ابنك بيتألم، وإنت عاجز حتى تضمّه من الوجع'، وفق حديثه.
وبعد 14 يومًا من المكوث في مستشفى الأوروبي، سافر محمد برفقة والدته لاستكمال العلاج في الخارج، وهو يحمل في حقيبته الصغيرة كثيرًا من الوجع، والحنين، والأمل.
أما والده، الذي عاش مع ابنه لحظات البتر، والفقد، والدموع، فقد بقي خلفهما أربعة أشهر كاملة يخوض رحلة علاج أخرى – لكن هذه المرة كانت روحية أكثر منها جسدية، خرج بعدها ليحمل مسؤولية الأسرة كاملة، ليكون الأم والأب، والكتف التي تُسند قلوبًا أرهقها الحرب، وليملأ فراغ من غاب قدر استطاعته.
ومن كثرة الشظايا التي اخترقت جسده، والمجاعة التي ضربت القطاع، تدهورت صحة الأب إياد بشكل حادفقد كان شاب ممتلئ، قوي، يزن 95 كيلو جرام، أما اليوم فصار وزنه 55 فقط.
فلسطين أون لاين
التعليقات