أخبار اليوم - منذ الساعات الأولى من فجر الأربعاء الماضي، تعيش عائلة خفاجة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حالة من القلق المتواصل، لا يشبه أي قلق مرّت به سابقًا، على الرغم من أنها خبرت الفقدان مرارًا.
فقد انقطع الاتصال بابنها مخلص محمد خفاجة، سائق الإسعاف المعروف بتفانيه، الذي خرج كعادته لإنقاذ حياة الآخرين ولم يعد منذ تلك اللحظة.
في تمام الساعة الرابعة فجرًا، غادر الأربعيني الهادئ 'مخلص'، الذي قضى نحو عشرين عامًا في خدمة الإسعاف والطوارئ، بمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع، متجهًا عبر شارع صلاح الدين نحو مدينة خان يونس لأداء مهمة عاجلة لإنقاذ جرحى، لكن بعد دقائق فقط انقطع الاتصال به وبسيارة الإسعاف التي كان يقودها.
دوامة البحث
يقول والده الحاج محمد خفاجة (74 عامًا)، وهو يحاول التماسك: 'مخلص خرج من المستشفى واختفت آثاره تمامًا. راجعوا الكاميرات ورأوا خروجه إلى الطريق، وبعدها لا شيء… كأن الأرض ابتلعته'.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة صباح ذلك اليوم فقدان الاتصال بسيارة الإسعاف وسائقها، لتبدأ العائلة منذ ذلك الحين دوامة من البحث والاتصالات.
يضيف الأب بصوت مرتجف: 'اتصلوا بكل جهة يمكن أن يكون لديها معلومة… وزارة الصحة، الإسعاف والطوارئ، الصليب الأحمر، وكل المؤسسات المعنية، لكن الرد واحد: لا معلومات'.
وبعد ساعات من اختفاء مخلص، بدأ زملاؤه بالاتصال بالعائلة للسؤال عنه، ليبدأ القلق يتضخم. فالجميع في المستشفى يؤكد خروجه لمهمة رسمية لإنقاذ جرحى، لكن لا أحد يعلم ما الذي جرى بعدها.
ورغم عمليات البحث التي شملت المنطقة التي اختفى فيها، لم يُعثر على أي أثر له أو لسيارة الإسعاف، ما دفع العائلة لترجيح احتمالية اختطافه من قبل قوات الاحتلال.
واجب إنساني
لم يكن 'مخلص' مجرد سائق إسعاف؛ بل كان رجلًا يعرفه كل من عمل معه بانضباطه وإنسانيته. لم يكن يغادر موقع عمله إلا للضرورة القصوى، وكان يؤدي واجبه الإنساني في أشد ظروف الحرب قسوة.
لكن فقدانه لم يكن الضربة الأولى للعائلة، فقد فقد الأب قبل أشهر اثنين من أبنائه: مصطفى، المسعف الذي أعدمته قوات الاحتلال مع عدد من زملائه في مجزرة تل السلطان بتاريخ 23 مارس/آذار 2025، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار على طواقم الإغاثة أثناء أداء مهامهم، واستشهد 15 منهم ودُفنوا في مقبرة جماعية.
أمير، الذي استشهد في قصف إسرائيلي استهدف خيمة للنازحين في منطقة مواصي خان يونس في 7 يوليو الماضي.
ظروف قاسية
يمضي الأب بصوت يختنق: 'فقدتُ مصطفى وأمير… واليوم أخشى أن أفقد مخلص أيضًا. لم يعد في القلب قدرة على المزيد.'
لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد؛ فقد نزحت العائلة من مدينة رفح بعد اجتياحها وتدمير منزلهم بالكامل، وتفرّق الأبناء بحثًا عن مأوى. يعيش الأب اليوم في مخيم المغازي في منزل ابنته، بينما تتوزع بقية العائلة في خيام بخان يونس، في ظروف بالغة القسوة.
زوجة مخلص وأطفاله الثلاثة – ابنتان وولد – يعيشون حالة من الرعب والانتظار، فـ'الاختفاء أصعب من الاستشهاد'، كما يقول أبو علاء؛ فهو انتظار لا ينتهي وتخيل لكل السيناريوهات الممكنة.
وتقول العائلة إن آخر ما وصلهم أن مخلص خرج مسرعًا لإنقاذ جرحى، ومنذ تلك اللحظة لا أحد يعرف أين هو، وهل ما زال حيًا أم وقع ضحية استهداف أو اختطاف.
ويقف أبو علاء اليوم أمام مأساة ثالثة محتملة، لكنه رغم الألم يتمسك بالأمل، مكررًا مناشدته: 'نريد فقط أن نعرف أين مخلص. أطالب كل الجهات… الصليب الأحمر، المؤسسات الحقوقية… ابني خرج في مهمة إنسانية. نريد أن نعرف مصيره.'
ويؤكد الأب أن استمرار اختفاء مخلص لعدة أيام يزيد من مخاوفه، خصوصًا في ظل الاستهداف المتعمّد للطواقم الطبية.
استهداف ممنهج
منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تعرضت طواقم الإسعاف والدفاع المدني والأطقم الطبية لسلسلة طويلة من الهجمات المباشرة. استُهدفت سيارات الإسعاف والمستشفيات والمراكز الصحية، وسقط العشرات من العاملين فيها بين شهيد وجريح، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية التي تكفل لهم الحماية.
وفي قلب هذا المشهد يقف مخلص خفاجة؛ رمزًا لمسعف خرج لإنقاذ أرواح الآخرين، بينما حياته هو معلّقة بين الغياب والصمت.
وعائلة خفاجة اليوم لا تطلب سوى إجابة واحدة: هل مخلص على قيد الحياة؟ أين هو الآن؟
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ الساعات الأولى من فجر الأربعاء الماضي، تعيش عائلة خفاجة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حالة من القلق المتواصل، لا يشبه أي قلق مرّت به سابقًا، على الرغم من أنها خبرت الفقدان مرارًا.
فقد انقطع الاتصال بابنها مخلص محمد خفاجة، سائق الإسعاف المعروف بتفانيه، الذي خرج كعادته لإنقاذ حياة الآخرين ولم يعد منذ تلك اللحظة.
في تمام الساعة الرابعة فجرًا، غادر الأربعيني الهادئ 'مخلص'، الذي قضى نحو عشرين عامًا في خدمة الإسعاف والطوارئ، بمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع، متجهًا عبر شارع صلاح الدين نحو مدينة خان يونس لأداء مهمة عاجلة لإنقاذ جرحى، لكن بعد دقائق فقط انقطع الاتصال به وبسيارة الإسعاف التي كان يقودها.
دوامة البحث
يقول والده الحاج محمد خفاجة (74 عامًا)، وهو يحاول التماسك: 'مخلص خرج من المستشفى واختفت آثاره تمامًا. راجعوا الكاميرات ورأوا خروجه إلى الطريق، وبعدها لا شيء… كأن الأرض ابتلعته'.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة صباح ذلك اليوم فقدان الاتصال بسيارة الإسعاف وسائقها، لتبدأ العائلة منذ ذلك الحين دوامة من البحث والاتصالات.
يضيف الأب بصوت مرتجف: 'اتصلوا بكل جهة يمكن أن يكون لديها معلومة… وزارة الصحة، الإسعاف والطوارئ، الصليب الأحمر، وكل المؤسسات المعنية، لكن الرد واحد: لا معلومات'.
وبعد ساعات من اختفاء مخلص، بدأ زملاؤه بالاتصال بالعائلة للسؤال عنه، ليبدأ القلق يتضخم. فالجميع في المستشفى يؤكد خروجه لمهمة رسمية لإنقاذ جرحى، لكن لا أحد يعلم ما الذي جرى بعدها.
ورغم عمليات البحث التي شملت المنطقة التي اختفى فيها، لم يُعثر على أي أثر له أو لسيارة الإسعاف، ما دفع العائلة لترجيح احتمالية اختطافه من قبل قوات الاحتلال.
واجب إنساني
لم يكن 'مخلص' مجرد سائق إسعاف؛ بل كان رجلًا يعرفه كل من عمل معه بانضباطه وإنسانيته. لم يكن يغادر موقع عمله إلا للضرورة القصوى، وكان يؤدي واجبه الإنساني في أشد ظروف الحرب قسوة.
لكن فقدانه لم يكن الضربة الأولى للعائلة، فقد فقد الأب قبل أشهر اثنين من أبنائه: مصطفى، المسعف الذي أعدمته قوات الاحتلال مع عدد من زملائه في مجزرة تل السلطان بتاريخ 23 مارس/آذار 2025، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار على طواقم الإغاثة أثناء أداء مهامهم، واستشهد 15 منهم ودُفنوا في مقبرة جماعية.
أمير، الذي استشهد في قصف إسرائيلي استهدف خيمة للنازحين في منطقة مواصي خان يونس في 7 يوليو الماضي.
ظروف قاسية
يمضي الأب بصوت يختنق: 'فقدتُ مصطفى وأمير… واليوم أخشى أن أفقد مخلص أيضًا. لم يعد في القلب قدرة على المزيد.'
لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد؛ فقد نزحت العائلة من مدينة رفح بعد اجتياحها وتدمير منزلهم بالكامل، وتفرّق الأبناء بحثًا عن مأوى. يعيش الأب اليوم في مخيم المغازي في منزل ابنته، بينما تتوزع بقية العائلة في خيام بخان يونس، في ظروف بالغة القسوة.
زوجة مخلص وأطفاله الثلاثة – ابنتان وولد – يعيشون حالة من الرعب والانتظار، فـ'الاختفاء أصعب من الاستشهاد'، كما يقول أبو علاء؛ فهو انتظار لا ينتهي وتخيل لكل السيناريوهات الممكنة.
وتقول العائلة إن آخر ما وصلهم أن مخلص خرج مسرعًا لإنقاذ جرحى، ومنذ تلك اللحظة لا أحد يعرف أين هو، وهل ما زال حيًا أم وقع ضحية استهداف أو اختطاف.
ويقف أبو علاء اليوم أمام مأساة ثالثة محتملة، لكنه رغم الألم يتمسك بالأمل، مكررًا مناشدته: 'نريد فقط أن نعرف أين مخلص. أطالب كل الجهات… الصليب الأحمر، المؤسسات الحقوقية… ابني خرج في مهمة إنسانية. نريد أن نعرف مصيره.'
ويؤكد الأب أن استمرار اختفاء مخلص لعدة أيام يزيد من مخاوفه، خصوصًا في ظل الاستهداف المتعمّد للطواقم الطبية.
استهداف ممنهج
منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تعرضت طواقم الإسعاف والدفاع المدني والأطقم الطبية لسلسلة طويلة من الهجمات المباشرة. استُهدفت سيارات الإسعاف والمستشفيات والمراكز الصحية، وسقط العشرات من العاملين فيها بين شهيد وجريح، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية التي تكفل لهم الحماية.
وفي قلب هذا المشهد يقف مخلص خفاجة؛ رمزًا لمسعف خرج لإنقاذ أرواح الآخرين، بينما حياته هو معلّقة بين الغياب والصمت.
وعائلة خفاجة اليوم لا تطلب سوى إجابة واحدة: هل مخلص على قيد الحياة؟ أين هو الآن؟
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ الساعات الأولى من فجر الأربعاء الماضي، تعيش عائلة خفاجة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حالة من القلق المتواصل، لا يشبه أي قلق مرّت به سابقًا، على الرغم من أنها خبرت الفقدان مرارًا.
فقد انقطع الاتصال بابنها مخلص محمد خفاجة، سائق الإسعاف المعروف بتفانيه، الذي خرج كعادته لإنقاذ حياة الآخرين ولم يعد منذ تلك اللحظة.
في تمام الساعة الرابعة فجرًا، غادر الأربعيني الهادئ 'مخلص'، الذي قضى نحو عشرين عامًا في خدمة الإسعاف والطوارئ، بمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط القطاع، متجهًا عبر شارع صلاح الدين نحو مدينة خان يونس لأداء مهمة عاجلة لإنقاذ جرحى، لكن بعد دقائق فقط انقطع الاتصال به وبسيارة الإسعاف التي كان يقودها.
دوامة البحث
يقول والده الحاج محمد خفاجة (74 عامًا)، وهو يحاول التماسك: 'مخلص خرج من المستشفى واختفت آثاره تمامًا. راجعوا الكاميرات ورأوا خروجه إلى الطريق، وبعدها لا شيء… كأن الأرض ابتلعته'.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة صباح ذلك اليوم فقدان الاتصال بسيارة الإسعاف وسائقها، لتبدأ العائلة منذ ذلك الحين دوامة من البحث والاتصالات.
يضيف الأب بصوت مرتجف: 'اتصلوا بكل جهة يمكن أن يكون لديها معلومة… وزارة الصحة، الإسعاف والطوارئ، الصليب الأحمر، وكل المؤسسات المعنية، لكن الرد واحد: لا معلومات'.
وبعد ساعات من اختفاء مخلص، بدأ زملاؤه بالاتصال بالعائلة للسؤال عنه، ليبدأ القلق يتضخم. فالجميع في المستشفى يؤكد خروجه لمهمة رسمية لإنقاذ جرحى، لكن لا أحد يعلم ما الذي جرى بعدها.
ورغم عمليات البحث التي شملت المنطقة التي اختفى فيها، لم يُعثر على أي أثر له أو لسيارة الإسعاف، ما دفع العائلة لترجيح احتمالية اختطافه من قبل قوات الاحتلال.
واجب إنساني
لم يكن 'مخلص' مجرد سائق إسعاف؛ بل كان رجلًا يعرفه كل من عمل معه بانضباطه وإنسانيته. لم يكن يغادر موقع عمله إلا للضرورة القصوى، وكان يؤدي واجبه الإنساني في أشد ظروف الحرب قسوة.
لكن فقدانه لم يكن الضربة الأولى للعائلة، فقد فقد الأب قبل أشهر اثنين من أبنائه: مصطفى، المسعف الذي أعدمته قوات الاحتلال مع عدد من زملائه في مجزرة تل السلطان بتاريخ 23 مارس/آذار 2025، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار على طواقم الإغاثة أثناء أداء مهامهم، واستشهد 15 منهم ودُفنوا في مقبرة جماعية.
أمير، الذي استشهد في قصف إسرائيلي استهدف خيمة للنازحين في منطقة مواصي خان يونس في 7 يوليو الماضي.
ظروف قاسية
يمضي الأب بصوت يختنق: 'فقدتُ مصطفى وأمير… واليوم أخشى أن أفقد مخلص أيضًا. لم يعد في القلب قدرة على المزيد.'
لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد؛ فقد نزحت العائلة من مدينة رفح بعد اجتياحها وتدمير منزلهم بالكامل، وتفرّق الأبناء بحثًا عن مأوى. يعيش الأب اليوم في مخيم المغازي في منزل ابنته، بينما تتوزع بقية العائلة في خيام بخان يونس، في ظروف بالغة القسوة.
زوجة مخلص وأطفاله الثلاثة – ابنتان وولد – يعيشون حالة من الرعب والانتظار، فـ'الاختفاء أصعب من الاستشهاد'، كما يقول أبو علاء؛ فهو انتظار لا ينتهي وتخيل لكل السيناريوهات الممكنة.
وتقول العائلة إن آخر ما وصلهم أن مخلص خرج مسرعًا لإنقاذ جرحى، ومنذ تلك اللحظة لا أحد يعرف أين هو، وهل ما زال حيًا أم وقع ضحية استهداف أو اختطاف.
ويقف أبو علاء اليوم أمام مأساة ثالثة محتملة، لكنه رغم الألم يتمسك بالأمل، مكررًا مناشدته: 'نريد فقط أن نعرف أين مخلص. أطالب كل الجهات… الصليب الأحمر، المؤسسات الحقوقية… ابني خرج في مهمة إنسانية. نريد أن نعرف مصيره.'
ويؤكد الأب أن استمرار اختفاء مخلص لعدة أيام يزيد من مخاوفه، خصوصًا في ظل الاستهداف المتعمّد للطواقم الطبية.
استهداف ممنهج
منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تعرضت طواقم الإسعاف والدفاع المدني والأطقم الطبية لسلسلة طويلة من الهجمات المباشرة. استُهدفت سيارات الإسعاف والمستشفيات والمراكز الصحية، وسقط العشرات من العاملين فيها بين شهيد وجريح، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية التي تكفل لهم الحماية.
وفي قلب هذا المشهد يقف مخلص خفاجة؛ رمزًا لمسعف خرج لإنقاذ أرواح الآخرين، بينما حياته هو معلّقة بين الغياب والصمت.
وعائلة خفاجة اليوم لا تطلب سوى إجابة واحدة: هل مخلص على قيد الحياة؟ أين هو الآن؟
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات