أخبار اليوم - من نافذة الحافلة التي كانت تتقدم ببطء وسط جموع غفيرة من الأهالي المحتشدين لاستقبال الأسرى المحررين، كان المحرر نسيم الرضيع (33 عامًا) يدقق بنظراته بين الوجوه، يبحث عن زوجته وأطفاله بعد 22 شهرًا من الاعتقال، ينتظر لحظة العناق التي تطفئ شوقه المتراكم، وهو يمسك بقطعة قماش مطرّزة تحمل اسميهما وقد كتب عليها: 'العائلة كل شيء'.
لم ينتظر الرضيع طويلًا؛ فقد مرّر أحد الشبان هاتفًا من النافذة لأسير يجلس بجانبه ليتواصل مع زوجته، فكانت تلك فرصته ليسأل عن عائلته التي قيل له إنها بانتظاره في ساحة مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس.
اتصل بزوجته لكن هاتفها كان مغلقًا، فاتصل على الرقم الذي تركه معها، لترد شقيقته.
كان الرد مستغربًا لأنه لم يكن يعلم أنها تعيش في ال
خيمة بدلًا من منزل شقيقه، ودارت بينهما مكالمة ثقيلة:
– أنا نسيم.
– الحمد لله على سلامتك.
– هينا بنستناك.
– طيب وين زوجتي وأولادي؟
– هيهم بالخيمة.
– أخويا حكالي بناصر بستنوك! وينهم؟
عندها صارحته بالحقيقة التي قصمت ظهره: 'الله يرحمهم.. استشهدوا.'
سقط الهاتف من يديه وارتخى جسده على المقعد، مغمى عليه تحت ثقل الخبر الذي لم يحتمله قلبه. استيقظ وهو على سرير في المستشفى داخل المجمع، لا يعرف ماذا جرى بعد تلك المكالمة المريرة، يصيح بأسماء أطفاله باكيًا: 'وين أولادي.. بدي أشوفهم!'
ورغم وقوع المجزرة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلا أن الرضيع لم يعرف بها إلا بعد تحرره. وفيما كانت طفلته الناجية الوحيدة (سماء) تترقب لحظة الإفراج عنه، كان هو يعد الأيام ليرجع إلى زوجته وجميع أطفاله كما كان يعتقد، دون أن يعلم أن ثلاثة منهم ارتقوا شهداء.
داخل خيمة نزوح يعيش فيها مع شقيقه، يجلس الرضيع إلى جانب طفلته الناجية 'سماء'، يروي تفاصيل المجزرة لصحيفة فلسطين قائلاً: 'كما رُوي لي، كانت زوجتي تقيم في شقة مع شقيقها ووالدتها في عمارة من خمسة طوابق. استهدفت الطائرات الحربية المبنى مباشرة، وسقط الصاروخ مخترقًا كل الطبقات، وانفجر في الغرفة التي كانت تتواجد فيها زوجتي شروق (30 عامًا)، فاستشهدت على الفور هي وأطفالي: نسيم (10 أعوام)، وشيماء (8 أعوام)، وصبا (سنتان)، وتحولوا إلى أشلاء، واستشهدت والدتها كذلك'.
بين كابوسين: السجن والفقد
منذ نحو أربعين يومًا، يعيش الرضيع في كابوس الفقد بعد كابوس السجن. لا يصدق أن زوجته وأطفاله الذين كان يشتاق لرؤيتهم بشدة رحلوا. يقول: 'عندما رأيت طفلتي سماء، فرحت. ركضت نحوي وعانقتني.. كبرت عما تركتها عليه. أحيانًا تسألني ببراءتها: أنت رجعت، فمتى ترجع أمي وإخوتي من الجنة؟ ولا أملك جوابًا.'
تتابعت الاستهدافات بحق عائلته؛ فقبل استشهاد زوجته بخمسة أشهر تعرضت العائلة لقصف نجا منه أفرادها واستشهد والده، وقبل أسره تعرضت العائلة لاستهداف آخر أصيبت فيه والدته بجروح خطرة وسافرت لتلقي العلاج خارج القطاع.
تعذيب تحت الأرض
وراء صوته تختبئ آلام كثيرة. يقول: 'أمضيت عامًا كاملًا مرفوضًا من المحامي. في بداية أسري قضيت 130 يومًا في سجن تحت الأرض، بتحقيق عسكري وزنازين عزل انفرادية.. كانت أسوأ لحظات حياتي. ثم أمضيت بقية الفترة في سجن عوفر. خرجت من رحلة عذاب وقهر لأجد زوجتي وأطفالي شهداء.'
كان الرضيع داخل السجن دائم الحديث عن ذكرياته مع زوجته وأطفاله، وعن مهارتها في إعداد الحلوى، وكان يعد بعض الأسرى بدعوتهم لتناول الطعام في بيته بعد الحرية، متخيلًا عودته لحياة مليئة بالزيارات العائلية والذهاب إلى البحر.
151515.jpg
ويصف آثار التعذيب التي لا تزال ماثلة على جسده: 'معظم عظام صدري لا تزال تؤلمني. في التحقيق العسكري كانوا يقيّدونني بالكرسي ويضربونني بشدة. الزنازين كانت باردة، ويشغّلون جهاز تبريد عبر نفق صناعي، وكنت أرتدي ملابس صيفية دون فراش.'
ولم يتحسن وضعه بعد نقله إلى سجن عوفر؛ فقد تعرض لتعذيب إضافي، وكان يُقيَّد بيد أسير آخر لمدة 12 ساعة، ما يحرم كليهما من استخدام المرحاض طوال هذه المدة.
'السيلفي الأخير'
في 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، حاصرت قوات الاحتلال مدرسة 'خليفة' في بيت لاهيا، حيث كان الرضيع نازحًا مع عائلته. ورغم تطمينات الجيش للأهالي بأنها 'مدرسة آمنة'، وقع الاعتقال. يروي: 'كنت أجلس مع طفلتي صبا وزوجتي، ونتحدث عن إعمار البيت الذي هُدم ببداية الحرب. التقطت صورة سيلفي لهن، وذهبت للنوم داخل الفصل مع عائلتها بينما كنت أنام في الممر. استيقظت فوجدت القناصة يعتلون المباني. سألتني زوجتي: شو بدك تعمل؟ قلت لها: بسلم نفسي.. اهتمي بالأولاد. يمكن يعتقلوني ويمكن يقتلوني.'
يستحضر آخر صورة لزوجته: 'بكت يومها مثل طفلة. وأخبرتني عائلتها أنها قبل استشهادها نشرت على صفحتها خاطرة مرئية بعنوان: أتمنى أشوفك يوم. استشهدت وتحطم الهاتف وكل الذكريات التي كانت تحتفظ بها. لم تكن زوجة فقط.. كانت صديقة العمر.'
ويتابع: 'أعددت لها هدية بسيطة؛ قطعة قماش مطرّزة تحمل أول حرف من اسمينا، صنعتها من ملابس الأسر (الشاباص)، وطرّزتها بسلك نحاسي، وسحبت الخيوط من المناشف. كنت أحلم أن أهديها إياها.. وأن نسافر بعدها لأداء العمرة.'
قبل عشرين يومًا من استشهاد زوجته وأطفاله، هدده ضابط الاحتلال في أثناء التحقيق قائلًا: 'حخليك تتحسّر على زوجتك وأطفالك.. احفظ هالكلام.'
لكنه اعتبرها مجرد جملة تهديد.. حتى عاد ليكتشف أنها تحققت بكل قسوة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - من نافذة الحافلة التي كانت تتقدم ببطء وسط جموع غفيرة من الأهالي المحتشدين لاستقبال الأسرى المحررين، كان المحرر نسيم الرضيع (33 عامًا) يدقق بنظراته بين الوجوه، يبحث عن زوجته وأطفاله بعد 22 شهرًا من الاعتقال، ينتظر لحظة العناق التي تطفئ شوقه المتراكم، وهو يمسك بقطعة قماش مطرّزة تحمل اسميهما وقد كتب عليها: 'العائلة كل شيء'.
لم ينتظر الرضيع طويلًا؛ فقد مرّر أحد الشبان هاتفًا من النافذة لأسير يجلس بجانبه ليتواصل مع زوجته، فكانت تلك فرصته ليسأل عن عائلته التي قيل له إنها بانتظاره في ساحة مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس.
اتصل بزوجته لكن هاتفها كان مغلقًا، فاتصل على الرقم الذي تركه معها، لترد شقيقته.
كان الرد مستغربًا لأنه لم يكن يعلم أنها تعيش في ال
خيمة بدلًا من منزل شقيقه، ودارت بينهما مكالمة ثقيلة:
– أنا نسيم.
– الحمد لله على سلامتك.
– هينا بنستناك.
– طيب وين زوجتي وأولادي؟
– هيهم بالخيمة.
– أخويا حكالي بناصر بستنوك! وينهم؟
عندها صارحته بالحقيقة التي قصمت ظهره: 'الله يرحمهم.. استشهدوا.'
سقط الهاتف من يديه وارتخى جسده على المقعد، مغمى عليه تحت ثقل الخبر الذي لم يحتمله قلبه. استيقظ وهو على سرير في المستشفى داخل المجمع، لا يعرف ماذا جرى بعد تلك المكالمة المريرة، يصيح بأسماء أطفاله باكيًا: 'وين أولادي.. بدي أشوفهم!'
ورغم وقوع المجزرة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلا أن الرضيع لم يعرف بها إلا بعد تحرره. وفيما كانت طفلته الناجية الوحيدة (سماء) تترقب لحظة الإفراج عنه، كان هو يعد الأيام ليرجع إلى زوجته وجميع أطفاله كما كان يعتقد، دون أن يعلم أن ثلاثة منهم ارتقوا شهداء.
داخل خيمة نزوح يعيش فيها مع شقيقه، يجلس الرضيع إلى جانب طفلته الناجية 'سماء'، يروي تفاصيل المجزرة لصحيفة فلسطين قائلاً: 'كما رُوي لي، كانت زوجتي تقيم في شقة مع شقيقها ووالدتها في عمارة من خمسة طوابق. استهدفت الطائرات الحربية المبنى مباشرة، وسقط الصاروخ مخترقًا كل الطبقات، وانفجر في الغرفة التي كانت تتواجد فيها زوجتي شروق (30 عامًا)، فاستشهدت على الفور هي وأطفالي: نسيم (10 أعوام)، وشيماء (8 أعوام)، وصبا (سنتان)، وتحولوا إلى أشلاء، واستشهدت والدتها كذلك'.
بين كابوسين: السجن والفقد
منذ نحو أربعين يومًا، يعيش الرضيع في كابوس الفقد بعد كابوس السجن. لا يصدق أن زوجته وأطفاله الذين كان يشتاق لرؤيتهم بشدة رحلوا. يقول: 'عندما رأيت طفلتي سماء، فرحت. ركضت نحوي وعانقتني.. كبرت عما تركتها عليه. أحيانًا تسألني ببراءتها: أنت رجعت، فمتى ترجع أمي وإخوتي من الجنة؟ ولا أملك جوابًا.'
تتابعت الاستهدافات بحق عائلته؛ فقبل استشهاد زوجته بخمسة أشهر تعرضت العائلة لقصف نجا منه أفرادها واستشهد والده، وقبل أسره تعرضت العائلة لاستهداف آخر أصيبت فيه والدته بجروح خطرة وسافرت لتلقي العلاج خارج القطاع.
تعذيب تحت الأرض
وراء صوته تختبئ آلام كثيرة. يقول: 'أمضيت عامًا كاملًا مرفوضًا من المحامي. في بداية أسري قضيت 130 يومًا في سجن تحت الأرض، بتحقيق عسكري وزنازين عزل انفرادية.. كانت أسوأ لحظات حياتي. ثم أمضيت بقية الفترة في سجن عوفر. خرجت من رحلة عذاب وقهر لأجد زوجتي وأطفالي شهداء.'
كان الرضيع داخل السجن دائم الحديث عن ذكرياته مع زوجته وأطفاله، وعن مهارتها في إعداد الحلوى، وكان يعد بعض الأسرى بدعوتهم لتناول الطعام في بيته بعد الحرية، متخيلًا عودته لحياة مليئة بالزيارات العائلية والذهاب إلى البحر.
151515.jpg
ويصف آثار التعذيب التي لا تزال ماثلة على جسده: 'معظم عظام صدري لا تزال تؤلمني. في التحقيق العسكري كانوا يقيّدونني بالكرسي ويضربونني بشدة. الزنازين كانت باردة، ويشغّلون جهاز تبريد عبر نفق صناعي، وكنت أرتدي ملابس صيفية دون فراش.'
ولم يتحسن وضعه بعد نقله إلى سجن عوفر؛ فقد تعرض لتعذيب إضافي، وكان يُقيَّد بيد أسير آخر لمدة 12 ساعة، ما يحرم كليهما من استخدام المرحاض طوال هذه المدة.
'السيلفي الأخير'
في 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، حاصرت قوات الاحتلال مدرسة 'خليفة' في بيت لاهيا، حيث كان الرضيع نازحًا مع عائلته. ورغم تطمينات الجيش للأهالي بأنها 'مدرسة آمنة'، وقع الاعتقال. يروي: 'كنت أجلس مع طفلتي صبا وزوجتي، ونتحدث عن إعمار البيت الذي هُدم ببداية الحرب. التقطت صورة سيلفي لهن، وذهبت للنوم داخل الفصل مع عائلتها بينما كنت أنام في الممر. استيقظت فوجدت القناصة يعتلون المباني. سألتني زوجتي: شو بدك تعمل؟ قلت لها: بسلم نفسي.. اهتمي بالأولاد. يمكن يعتقلوني ويمكن يقتلوني.'
يستحضر آخر صورة لزوجته: 'بكت يومها مثل طفلة. وأخبرتني عائلتها أنها قبل استشهادها نشرت على صفحتها خاطرة مرئية بعنوان: أتمنى أشوفك يوم. استشهدت وتحطم الهاتف وكل الذكريات التي كانت تحتفظ بها. لم تكن زوجة فقط.. كانت صديقة العمر.'
ويتابع: 'أعددت لها هدية بسيطة؛ قطعة قماش مطرّزة تحمل أول حرف من اسمينا، صنعتها من ملابس الأسر (الشاباص)، وطرّزتها بسلك نحاسي، وسحبت الخيوط من المناشف. كنت أحلم أن أهديها إياها.. وأن نسافر بعدها لأداء العمرة.'
قبل عشرين يومًا من استشهاد زوجته وأطفاله، هدده ضابط الاحتلال في أثناء التحقيق قائلًا: 'حخليك تتحسّر على زوجتك وأطفالك.. احفظ هالكلام.'
لكنه اعتبرها مجرد جملة تهديد.. حتى عاد ليكتشف أنها تحققت بكل قسوة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - من نافذة الحافلة التي كانت تتقدم ببطء وسط جموع غفيرة من الأهالي المحتشدين لاستقبال الأسرى المحررين، كان المحرر نسيم الرضيع (33 عامًا) يدقق بنظراته بين الوجوه، يبحث عن زوجته وأطفاله بعد 22 شهرًا من الاعتقال، ينتظر لحظة العناق التي تطفئ شوقه المتراكم، وهو يمسك بقطعة قماش مطرّزة تحمل اسميهما وقد كتب عليها: 'العائلة كل شيء'.
لم ينتظر الرضيع طويلًا؛ فقد مرّر أحد الشبان هاتفًا من النافذة لأسير يجلس بجانبه ليتواصل مع زوجته، فكانت تلك فرصته ليسأل عن عائلته التي قيل له إنها بانتظاره في ساحة مستشفى ناصر بمحافظة خان يونس.
اتصل بزوجته لكن هاتفها كان مغلقًا، فاتصل على الرقم الذي تركه معها، لترد شقيقته.
كان الرد مستغربًا لأنه لم يكن يعلم أنها تعيش في ال
خيمة بدلًا من منزل شقيقه، ودارت بينهما مكالمة ثقيلة:
– أنا نسيم.
– الحمد لله على سلامتك.
– هينا بنستناك.
– طيب وين زوجتي وأولادي؟
– هيهم بالخيمة.
– أخويا حكالي بناصر بستنوك! وينهم؟
عندها صارحته بالحقيقة التي قصمت ظهره: 'الله يرحمهم.. استشهدوا.'
سقط الهاتف من يديه وارتخى جسده على المقعد، مغمى عليه تحت ثقل الخبر الذي لم يحتمله قلبه. استيقظ وهو على سرير في المستشفى داخل المجمع، لا يعرف ماذا جرى بعد تلك المكالمة المريرة، يصيح بأسماء أطفاله باكيًا: 'وين أولادي.. بدي أشوفهم!'
ورغم وقوع المجزرة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إلا أن الرضيع لم يعرف بها إلا بعد تحرره. وفيما كانت طفلته الناجية الوحيدة (سماء) تترقب لحظة الإفراج عنه، كان هو يعد الأيام ليرجع إلى زوجته وجميع أطفاله كما كان يعتقد، دون أن يعلم أن ثلاثة منهم ارتقوا شهداء.
داخل خيمة نزوح يعيش فيها مع شقيقه، يجلس الرضيع إلى جانب طفلته الناجية 'سماء'، يروي تفاصيل المجزرة لصحيفة فلسطين قائلاً: 'كما رُوي لي، كانت زوجتي تقيم في شقة مع شقيقها ووالدتها في عمارة من خمسة طوابق. استهدفت الطائرات الحربية المبنى مباشرة، وسقط الصاروخ مخترقًا كل الطبقات، وانفجر في الغرفة التي كانت تتواجد فيها زوجتي شروق (30 عامًا)، فاستشهدت على الفور هي وأطفالي: نسيم (10 أعوام)، وشيماء (8 أعوام)، وصبا (سنتان)، وتحولوا إلى أشلاء، واستشهدت والدتها كذلك'.
بين كابوسين: السجن والفقد
منذ نحو أربعين يومًا، يعيش الرضيع في كابوس الفقد بعد كابوس السجن. لا يصدق أن زوجته وأطفاله الذين كان يشتاق لرؤيتهم بشدة رحلوا. يقول: 'عندما رأيت طفلتي سماء، فرحت. ركضت نحوي وعانقتني.. كبرت عما تركتها عليه. أحيانًا تسألني ببراءتها: أنت رجعت، فمتى ترجع أمي وإخوتي من الجنة؟ ولا أملك جوابًا.'
تتابعت الاستهدافات بحق عائلته؛ فقبل استشهاد زوجته بخمسة أشهر تعرضت العائلة لقصف نجا منه أفرادها واستشهد والده، وقبل أسره تعرضت العائلة لاستهداف آخر أصيبت فيه والدته بجروح خطرة وسافرت لتلقي العلاج خارج القطاع.
تعذيب تحت الأرض
وراء صوته تختبئ آلام كثيرة. يقول: 'أمضيت عامًا كاملًا مرفوضًا من المحامي. في بداية أسري قضيت 130 يومًا في سجن تحت الأرض، بتحقيق عسكري وزنازين عزل انفرادية.. كانت أسوأ لحظات حياتي. ثم أمضيت بقية الفترة في سجن عوفر. خرجت من رحلة عذاب وقهر لأجد زوجتي وأطفالي شهداء.'
كان الرضيع داخل السجن دائم الحديث عن ذكرياته مع زوجته وأطفاله، وعن مهارتها في إعداد الحلوى، وكان يعد بعض الأسرى بدعوتهم لتناول الطعام في بيته بعد الحرية، متخيلًا عودته لحياة مليئة بالزيارات العائلية والذهاب إلى البحر.
151515.jpg
ويصف آثار التعذيب التي لا تزال ماثلة على جسده: 'معظم عظام صدري لا تزال تؤلمني. في التحقيق العسكري كانوا يقيّدونني بالكرسي ويضربونني بشدة. الزنازين كانت باردة، ويشغّلون جهاز تبريد عبر نفق صناعي، وكنت أرتدي ملابس صيفية دون فراش.'
ولم يتحسن وضعه بعد نقله إلى سجن عوفر؛ فقد تعرض لتعذيب إضافي، وكان يُقيَّد بيد أسير آخر لمدة 12 ساعة، ما يحرم كليهما من استخدام المرحاض طوال هذه المدة.
'السيلفي الأخير'
في 9 ديسمبر/كانون الأول 2023، حاصرت قوات الاحتلال مدرسة 'خليفة' في بيت لاهيا، حيث كان الرضيع نازحًا مع عائلته. ورغم تطمينات الجيش للأهالي بأنها 'مدرسة آمنة'، وقع الاعتقال. يروي: 'كنت أجلس مع طفلتي صبا وزوجتي، ونتحدث عن إعمار البيت الذي هُدم ببداية الحرب. التقطت صورة سيلفي لهن، وذهبت للنوم داخل الفصل مع عائلتها بينما كنت أنام في الممر. استيقظت فوجدت القناصة يعتلون المباني. سألتني زوجتي: شو بدك تعمل؟ قلت لها: بسلم نفسي.. اهتمي بالأولاد. يمكن يعتقلوني ويمكن يقتلوني.'
يستحضر آخر صورة لزوجته: 'بكت يومها مثل طفلة. وأخبرتني عائلتها أنها قبل استشهادها نشرت على صفحتها خاطرة مرئية بعنوان: أتمنى أشوفك يوم. استشهدت وتحطم الهاتف وكل الذكريات التي كانت تحتفظ بها. لم تكن زوجة فقط.. كانت صديقة العمر.'
ويتابع: 'أعددت لها هدية بسيطة؛ قطعة قماش مطرّزة تحمل أول حرف من اسمينا، صنعتها من ملابس الأسر (الشاباص)، وطرّزتها بسلك نحاسي، وسحبت الخيوط من المناشف. كنت أحلم أن أهديها إياها.. وأن نسافر بعدها لأداء العمرة.'
قبل عشرين يومًا من استشهاد زوجته وأطفاله، هدده ضابط الاحتلال في أثناء التحقيق قائلًا: 'حخليك تتحسّر على زوجتك وأطفالك.. احفظ هالكلام.'
لكنه اعتبرها مجرد جملة تهديد.. حتى عاد ليكتشف أنها تحققت بكل قسوة.
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات