أخبار اليوم - في مساء شتوي من يناير 2024، خرجت صفا فرج الله، 21 عامًا، طالبة التمريض، من منزلها باتجاه منطقة الزوايدة التي وُصفت حينها بأنها 'منطقة صفراء آمنة' وفق الإعلانات الموجهة للنازحين. كانت تسير بخطوات ثقيلة، مثقلة بالخوف، وسط أصوات اشتباكات وانفجارات لا تهدأ، حتى دوّى فجأة صوت رصاصة… تبعها صمت داخلي، ثم نزيف حاد انهمر من وجهها.
تروي صفا : 'شيء خبط بوجهي… حسّيت بحرارة، وبعدها نزل الدم بسرعة. ساعتها عرفت إني انصبت برصاصة في وجهي.'
لم يكن هناك مستشفى مجهّز، ولا طاقم طبي قادر على التدخل السريع وسط الفوضى وشح المعدات، وقلة الأطباء أمام العدد الكبير من الجرحى. تُركت صفا تواجه جرحها وألمها وحدها؛ ألمًا جسديًا ونفسيًا في آن واحد.
وتقول بصوت منكسر: 'من أول لحظة حسّيت إن عيني راحت… كنت عارفة، بس مش قادرة أصدق. فكرة فقدان عيني كانت أكبر من قدرتي على التحمل.'
وبعد شهر من إصابتها، مُنيت بوجع أكبر حين استشهد والدها. تقول: 'بعد إصابتي بشهر فقدت بابا… لما كان عايش كنت بنسى وجعي، كان يخفف عني. استشهاده كسرني، بس بالتدريج بدأت أوقف على رجلي.'
وكتبت يومًا: 'أي جرح تركته فيَّ يا أبي حين قررت الرحيل دون وداع؟ أي فراغ يسكنني منذ غيابك؟ كأن الحياة نزعت من صدري نصف نبضي، وتركتني أعيش بنصف قلب يجيد الانكسار. منذ رحيلك وأنا أرتّب جراحي كل مساء، أحتضن ملابسك كأنها صدرك، أبكيك خفية كي لا يراني أحد، فقد كنت الوحيد الذي يقرأ حزني دون أن أتكلم… أنت الغائب الحاضر، الراحل المقيم في وجعي، الجرح الذي لن يندمل ما حييت.'
كانت الأيام التالية الأصعب. صفا، التي لطالما حلمت بأن تكون ممرضة، وتبسط يد العون لمن يتألم، باتت هي من تحتاج لمن يأخذ بيدها. أُبلغت بضرورة إجراء عملية تفريغ للعين اليمنى؛ إذ لم تعد هناك أي فرصة لاستعادتها.
وتقول: 'القرار كان قاسي… التحدي ما كان فقدان عضو من جسمي بس، كان فقدان شيء من هويتي، من ثقتي، من الشكل اللي تعودت أشوف فيه العالم ويشوف فيه الناس روحي.'
وتضيف: 'عشت يأس ستة شهور… ما كنت أقدر أواجه نفسي. كنت أفكر: كيف الناس حتنظر إلي؟ كيف المجتمع حيتعامل معي؟ كيف أكمل تمريض وأنا بعين واحدة؟'
لكنها لم تستسلم. بعد أشهر من الانهيار، جاءت لحظة المواجهة. نهضت من بين ركام الإحباط، مسحت دموعها، وقررت أن تستعيد حياتها.
'أنا زي غيري… ربنا اختار عيني، مش قلبي ولا عقلي. لسه بقدر أتعلم، أشتغل، أضحك، أحب… لسه أنا صفا.'
عادت صفا لتكمل مشوارها الأكاديمي رغم كل التحديات. وتخرجت من تخصص التمريض، واقفة أمام الجميع بعين واحدة مفتوحة على المستقبل، وأخرى تركتها خلفها شهادة على الصبر.
وتصف لحظة حصولها على شهادة البكالوريوس قائلة: 'بعد التخرج حسّيت إني ربحت معركتي… مش ضد الحرب، بل ضد نظرتي لنفسي.'
تحلم صفا بالسفر للحصول على علاج مناسب: 'لو في أمل… حتى لو بسيط… إني أرجع أشوف فيها. الطب برّه متطور، ويمكن في حلول، زراعة عين أو أي تحسين. نفسي أرجع أشوف النور ولو شوي. أنا مش فاقدة الأمل.'
اليوم، تحمل صفا رسالة أكبر من مهنة التمريض؛ فهي رمز للإرادة وسط ركام الحرب، فتاة لم تنظر لنفسها بعين ناقصة… بل بقلب ممتلئ بالحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في مساء شتوي من يناير 2024، خرجت صفا فرج الله، 21 عامًا، طالبة التمريض، من منزلها باتجاه منطقة الزوايدة التي وُصفت حينها بأنها 'منطقة صفراء آمنة' وفق الإعلانات الموجهة للنازحين. كانت تسير بخطوات ثقيلة، مثقلة بالخوف، وسط أصوات اشتباكات وانفجارات لا تهدأ، حتى دوّى فجأة صوت رصاصة… تبعها صمت داخلي، ثم نزيف حاد انهمر من وجهها.
تروي صفا : 'شيء خبط بوجهي… حسّيت بحرارة، وبعدها نزل الدم بسرعة. ساعتها عرفت إني انصبت برصاصة في وجهي.'
لم يكن هناك مستشفى مجهّز، ولا طاقم طبي قادر على التدخل السريع وسط الفوضى وشح المعدات، وقلة الأطباء أمام العدد الكبير من الجرحى. تُركت صفا تواجه جرحها وألمها وحدها؛ ألمًا جسديًا ونفسيًا في آن واحد.
وتقول بصوت منكسر: 'من أول لحظة حسّيت إن عيني راحت… كنت عارفة، بس مش قادرة أصدق. فكرة فقدان عيني كانت أكبر من قدرتي على التحمل.'
وبعد شهر من إصابتها، مُنيت بوجع أكبر حين استشهد والدها. تقول: 'بعد إصابتي بشهر فقدت بابا… لما كان عايش كنت بنسى وجعي، كان يخفف عني. استشهاده كسرني، بس بالتدريج بدأت أوقف على رجلي.'
وكتبت يومًا: 'أي جرح تركته فيَّ يا أبي حين قررت الرحيل دون وداع؟ أي فراغ يسكنني منذ غيابك؟ كأن الحياة نزعت من صدري نصف نبضي، وتركتني أعيش بنصف قلب يجيد الانكسار. منذ رحيلك وأنا أرتّب جراحي كل مساء، أحتضن ملابسك كأنها صدرك، أبكيك خفية كي لا يراني أحد، فقد كنت الوحيد الذي يقرأ حزني دون أن أتكلم… أنت الغائب الحاضر، الراحل المقيم في وجعي، الجرح الذي لن يندمل ما حييت.'
كانت الأيام التالية الأصعب. صفا، التي لطالما حلمت بأن تكون ممرضة، وتبسط يد العون لمن يتألم، باتت هي من تحتاج لمن يأخذ بيدها. أُبلغت بضرورة إجراء عملية تفريغ للعين اليمنى؛ إذ لم تعد هناك أي فرصة لاستعادتها.
وتقول: 'القرار كان قاسي… التحدي ما كان فقدان عضو من جسمي بس، كان فقدان شيء من هويتي، من ثقتي، من الشكل اللي تعودت أشوف فيه العالم ويشوف فيه الناس روحي.'
وتضيف: 'عشت يأس ستة شهور… ما كنت أقدر أواجه نفسي. كنت أفكر: كيف الناس حتنظر إلي؟ كيف المجتمع حيتعامل معي؟ كيف أكمل تمريض وأنا بعين واحدة؟'
لكنها لم تستسلم. بعد أشهر من الانهيار، جاءت لحظة المواجهة. نهضت من بين ركام الإحباط، مسحت دموعها، وقررت أن تستعيد حياتها.
'أنا زي غيري… ربنا اختار عيني، مش قلبي ولا عقلي. لسه بقدر أتعلم، أشتغل، أضحك، أحب… لسه أنا صفا.'
عادت صفا لتكمل مشوارها الأكاديمي رغم كل التحديات. وتخرجت من تخصص التمريض، واقفة أمام الجميع بعين واحدة مفتوحة على المستقبل، وأخرى تركتها خلفها شهادة على الصبر.
وتصف لحظة حصولها على شهادة البكالوريوس قائلة: 'بعد التخرج حسّيت إني ربحت معركتي… مش ضد الحرب، بل ضد نظرتي لنفسي.'
تحلم صفا بالسفر للحصول على علاج مناسب: 'لو في أمل… حتى لو بسيط… إني أرجع أشوف فيها. الطب برّه متطور، ويمكن في حلول، زراعة عين أو أي تحسين. نفسي أرجع أشوف النور ولو شوي. أنا مش فاقدة الأمل.'
اليوم، تحمل صفا رسالة أكبر من مهنة التمريض؛ فهي رمز للإرادة وسط ركام الحرب، فتاة لم تنظر لنفسها بعين ناقصة… بل بقلب ممتلئ بالحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في مساء شتوي من يناير 2024، خرجت صفا فرج الله، 21 عامًا، طالبة التمريض، من منزلها باتجاه منطقة الزوايدة التي وُصفت حينها بأنها 'منطقة صفراء آمنة' وفق الإعلانات الموجهة للنازحين. كانت تسير بخطوات ثقيلة، مثقلة بالخوف، وسط أصوات اشتباكات وانفجارات لا تهدأ، حتى دوّى فجأة صوت رصاصة… تبعها صمت داخلي، ثم نزيف حاد انهمر من وجهها.
تروي صفا : 'شيء خبط بوجهي… حسّيت بحرارة، وبعدها نزل الدم بسرعة. ساعتها عرفت إني انصبت برصاصة في وجهي.'
لم يكن هناك مستشفى مجهّز، ولا طاقم طبي قادر على التدخل السريع وسط الفوضى وشح المعدات، وقلة الأطباء أمام العدد الكبير من الجرحى. تُركت صفا تواجه جرحها وألمها وحدها؛ ألمًا جسديًا ونفسيًا في آن واحد.
وتقول بصوت منكسر: 'من أول لحظة حسّيت إن عيني راحت… كنت عارفة، بس مش قادرة أصدق. فكرة فقدان عيني كانت أكبر من قدرتي على التحمل.'
وبعد شهر من إصابتها، مُنيت بوجع أكبر حين استشهد والدها. تقول: 'بعد إصابتي بشهر فقدت بابا… لما كان عايش كنت بنسى وجعي، كان يخفف عني. استشهاده كسرني، بس بالتدريج بدأت أوقف على رجلي.'
وكتبت يومًا: 'أي جرح تركته فيَّ يا أبي حين قررت الرحيل دون وداع؟ أي فراغ يسكنني منذ غيابك؟ كأن الحياة نزعت من صدري نصف نبضي، وتركتني أعيش بنصف قلب يجيد الانكسار. منذ رحيلك وأنا أرتّب جراحي كل مساء، أحتضن ملابسك كأنها صدرك، أبكيك خفية كي لا يراني أحد، فقد كنت الوحيد الذي يقرأ حزني دون أن أتكلم… أنت الغائب الحاضر، الراحل المقيم في وجعي، الجرح الذي لن يندمل ما حييت.'
كانت الأيام التالية الأصعب. صفا، التي لطالما حلمت بأن تكون ممرضة، وتبسط يد العون لمن يتألم، باتت هي من تحتاج لمن يأخذ بيدها. أُبلغت بضرورة إجراء عملية تفريغ للعين اليمنى؛ إذ لم تعد هناك أي فرصة لاستعادتها.
وتقول: 'القرار كان قاسي… التحدي ما كان فقدان عضو من جسمي بس، كان فقدان شيء من هويتي، من ثقتي، من الشكل اللي تعودت أشوف فيه العالم ويشوف فيه الناس روحي.'
وتضيف: 'عشت يأس ستة شهور… ما كنت أقدر أواجه نفسي. كنت أفكر: كيف الناس حتنظر إلي؟ كيف المجتمع حيتعامل معي؟ كيف أكمل تمريض وأنا بعين واحدة؟'
لكنها لم تستسلم. بعد أشهر من الانهيار، جاءت لحظة المواجهة. نهضت من بين ركام الإحباط، مسحت دموعها، وقررت أن تستعيد حياتها.
'أنا زي غيري… ربنا اختار عيني، مش قلبي ولا عقلي. لسه بقدر أتعلم، أشتغل، أضحك، أحب… لسه أنا صفا.'
عادت صفا لتكمل مشوارها الأكاديمي رغم كل التحديات. وتخرجت من تخصص التمريض، واقفة أمام الجميع بعين واحدة مفتوحة على المستقبل، وأخرى تركتها خلفها شهادة على الصبر.
وتصف لحظة حصولها على شهادة البكالوريوس قائلة: 'بعد التخرج حسّيت إني ربحت معركتي… مش ضد الحرب، بل ضد نظرتي لنفسي.'
تحلم صفا بالسفر للحصول على علاج مناسب: 'لو في أمل… حتى لو بسيط… إني أرجع أشوف فيها. الطب برّه متطور، ويمكن في حلول، زراعة عين أو أي تحسين. نفسي أرجع أشوف النور ولو شوي. أنا مش فاقدة الأمل.'
اليوم، تحمل صفا رسالة أكبر من مهنة التمريض؛ فهي رمز للإرادة وسط ركام الحرب، فتاة لم تنظر لنفسها بعين ناقصة… بل بقلب ممتلئ بالحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات