أخبار اليوم - في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، خرج رامز جلال داود (42 عامًا) من خيمته في خان يونس، لا يحمل سلاحًا، بل يحمل هدفًا بسيطًا ونبيلًا: أن يؤمّن لعائلته ربطة خبز تسدّ رمق أطفاله، في يوم بات فيه الحصول على الطعام تحديًا قاسيًا.
وفي طابور الانتظار الطويل، حيث يقف المئات من النازحين أمام أحد المخابز المتهالكة، باغتت الطائرات الإسرائيلية المكان بصاروخ قاتل، فتبعثرت الشظايا في كل اتجاه، أصابت إحداها رامز في عينه اليمنى واخترقت دماغه، مسبّبة نزيفًا حادًا أدخله في غيبوبة.
'كان فقط يريد أن يُطعم أبناءه.. خرج ليعود بخبز، لا ليعود محمولًا'، تقول زوجته أم وسيم داود بصوت مرتجف لـ 'فلسطين أون لاين'.
وتسرد أيام الوجع: 'دخل زوجي في غيبوبة لمدة عشرة أيام، عشنا خلالها على حافة الانتظار، كل لحظة تمرّ وكأنها دهر. كنت أترقب أي حركة أو خبر، وحين أفاق، بدأ الأطباء التعامل مع إصابته… قبل أن يُتخذ القرار القاسي باستئصال عينه اليمنى'.
وأُجريت له العملية في ظروف طبية بالغة الصعوبة، وسط نقص حاد في الإمكانيات والأدوية، فخرج رامز من غرفة العمليات وقد فقد نصف بصره، لكنه بقي على قيد الحياة، وكان ذلك وحده أشبه بالمعجزة.
وبعد أسابيع من الألم، بدأ وضعه يستقر نسبيًا، وشرع يتعافى ببطء، محاولًا استعادة شيء من كرامته والاعتماد على نفسه.
'كان يخجل من أن يطلب من أخيه مساعدته للذهاب إلى الحمام… أراد أن يمنحه فرصة للنوم بعدما كان يسهر بجانبه طوال الليل'، تضيف زوجته.
غير أن تلك المحاولة للاستقلال كانت بداية كارثة جديدة، فبينما حاول رامز النهوض من سريره دون مساعدة، فقد توازنه وسقط على رأسه مجددًا، فعاد النزيف الداخلي، وغاب عن الوعي مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت الغيبوبة أعمق، والأمل أضعف.
'شعرت أنني فقدته مرتين… كلما اقتربنا من استعادته، ابتعد أكثر. كان صوته روح البيت، والآن يقول الأطباء إن وضعه بالغ الخطورة، وإنه بين يدي الرحمن'، تقول زوجته بصوت يخنقه البكاء.
ولم تتوقف المأساة عند ذلك، إذ اكتشف الأطباء لاحقًا أن رامز أُصيب بجلطة دماغية أثّرت مباشرة على نطقه، وقدرته على تحريك الجهة اليسرى من جسده.
وبعد نحو شهر، بدأ يفتح عينيه، غير أنه لم يكن قادرًا على الكلام أو حتى الأكل، إذ أصيب بالتهابات حادة في الصدر، وفقد القدرة على البلع، فكان يتغذى عبر المحاليل الطبية ويُسقى بالمياه بواسطة الحقنة، ما أدخله في حالة من سوء التغذية الحاد.
'جسده يضعف يومًا بعد يوم، لا يستطيع حتى أن يعبّر عن ألمه… دموعه وحدها تتكلم'، تقول زوجته.
ومع تزايد أعداد الجرحى، اضطر الأطباء – رغم حالته الحرجة – إلى إخراجه من غرفة العناية المركزة لإخلاء سريره لحالات أخرى. وتضيف: 'قالوا لنا بالحرف: هناك من هو بأمسّ الحاجة إلى هذا السرير الآن'.
'خرج من العناية قبل أن تكتمل رعايته، وجلسنا إلى جواره عاجزين، لا نملك سوى الدعاء'، تتابع.
وتقول أم وسيم: 'كان رامز عمود البيت، ومصدر قوتنا وسند طفليه. اليوم هو جسد مُثقَل بالجراح، ينطق كلمات بصعوبة، ونحن نعيش على الانتظار والدعاء'.
ومنذ إصابته، تعيش الأسرة في قلق دائم، فلا علاج متخصص متوفر في القطاع، ولا إجابة واضحة بشأن مصيره، وكل ما يملكونه أمل هش بفتح المعابر، علّه يُنقل لتلقي العلاج في الخارج.
وتشير الزوجة إلى أن العائلة تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب النزوح المتكرر، وانعدام الخصوصية، وانقطاع المساعدات، بينما يعتمد رامز على الأدوية والمضادات الحيوية دون وجود أفق حقيقي للعلاج الكامل، في ظل غياب التحويلة الطبية والسفر العاجل.
وتضيف بأسى: 'حياتنا صارت همًّا وفقرًا. لم نتمكن حتى من العودة إلى شمال القطاع، إلى بيتنا في معسكر جباليا، لأننا لا نملك أجرة المواصلات. نعيش على أمل بسيط، نتحمل الجوع والبرد، وقلوبنا معلّقة بالعودة إلى البيت وأيامنا القديمة'.
وتتابع: 'حملته على ظهري ليذهب إلى الحمام، ولم أستطع اصطحابه إلى جلسات العلاج الطبيعي بسبب صعوبة التنقل وغلاء المواصلات وسوء أوضاعنا المعيشية. ما لنا إلا الصبر والدعاء'.
وكان رامز يعمل في أحد المخابز قبل إصابته، أما اليوم، فلا يستطيع إعالة نفسه ولا أسرته، يجلس عاجزًا عن توفير أبسط احتياجات عائلته، مثقلًا بإحساس قاسٍ بالعجز واليأس.
'إذا فَقَد عينه، فلا ينبغي أن يفقد كرامته. لا نريد شفقة… نريد فقط أن يُعالج كما يليق بإنسان لم يخرج إلا ليُطعم أبناءه'، تختم أم وسيم حديثها وصوتها تختلط فيه الكلمات بالدموع.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، خرج رامز جلال داود (42 عامًا) من خيمته في خان يونس، لا يحمل سلاحًا، بل يحمل هدفًا بسيطًا ونبيلًا: أن يؤمّن لعائلته ربطة خبز تسدّ رمق أطفاله، في يوم بات فيه الحصول على الطعام تحديًا قاسيًا.
وفي طابور الانتظار الطويل، حيث يقف المئات من النازحين أمام أحد المخابز المتهالكة، باغتت الطائرات الإسرائيلية المكان بصاروخ قاتل، فتبعثرت الشظايا في كل اتجاه، أصابت إحداها رامز في عينه اليمنى واخترقت دماغه، مسبّبة نزيفًا حادًا أدخله في غيبوبة.
'كان فقط يريد أن يُطعم أبناءه.. خرج ليعود بخبز، لا ليعود محمولًا'، تقول زوجته أم وسيم داود بصوت مرتجف لـ 'فلسطين أون لاين'.
وتسرد أيام الوجع: 'دخل زوجي في غيبوبة لمدة عشرة أيام، عشنا خلالها على حافة الانتظار، كل لحظة تمرّ وكأنها دهر. كنت أترقب أي حركة أو خبر، وحين أفاق، بدأ الأطباء التعامل مع إصابته… قبل أن يُتخذ القرار القاسي باستئصال عينه اليمنى'.
وأُجريت له العملية في ظروف طبية بالغة الصعوبة، وسط نقص حاد في الإمكانيات والأدوية، فخرج رامز من غرفة العمليات وقد فقد نصف بصره، لكنه بقي على قيد الحياة، وكان ذلك وحده أشبه بالمعجزة.
وبعد أسابيع من الألم، بدأ وضعه يستقر نسبيًا، وشرع يتعافى ببطء، محاولًا استعادة شيء من كرامته والاعتماد على نفسه.
'كان يخجل من أن يطلب من أخيه مساعدته للذهاب إلى الحمام… أراد أن يمنحه فرصة للنوم بعدما كان يسهر بجانبه طوال الليل'، تضيف زوجته.
غير أن تلك المحاولة للاستقلال كانت بداية كارثة جديدة، فبينما حاول رامز النهوض من سريره دون مساعدة، فقد توازنه وسقط على رأسه مجددًا، فعاد النزيف الداخلي، وغاب عن الوعي مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت الغيبوبة أعمق، والأمل أضعف.
'شعرت أنني فقدته مرتين… كلما اقتربنا من استعادته، ابتعد أكثر. كان صوته روح البيت، والآن يقول الأطباء إن وضعه بالغ الخطورة، وإنه بين يدي الرحمن'، تقول زوجته بصوت يخنقه البكاء.
ولم تتوقف المأساة عند ذلك، إذ اكتشف الأطباء لاحقًا أن رامز أُصيب بجلطة دماغية أثّرت مباشرة على نطقه، وقدرته على تحريك الجهة اليسرى من جسده.
وبعد نحو شهر، بدأ يفتح عينيه، غير أنه لم يكن قادرًا على الكلام أو حتى الأكل، إذ أصيب بالتهابات حادة في الصدر، وفقد القدرة على البلع، فكان يتغذى عبر المحاليل الطبية ويُسقى بالمياه بواسطة الحقنة، ما أدخله في حالة من سوء التغذية الحاد.
'جسده يضعف يومًا بعد يوم، لا يستطيع حتى أن يعبّر عن ألمه… دموعه وحدها تتكلم'، تقول زوجته.
ومع تزايد أعداد الجرحى، اضطر الأطباء – رغم حالته الحرجة – إلى إخراجه من غرفة العناية المركزة لإخلاء سريره لحالات أخرى. وتضيف: 'قالوا لنا بالحرف: هناك من هو بأمسّ الحاجة إلى هذا السرير الآن'.
'خرج من العناية قبل أن تكتمل رعايته، وجلسنا إلى جواره عاجزين، لا نملك سوى الدعاء'، تتابع.
وتقول أم وسيم: 'كان رامز عمود البيت، ومصدر قوتنا وسند طفليه. اليوم هو جسد مُثقَل بالجراح، ينطق كلمات بصعوبة، ونحن نعيش على الانتظار والدعاء'.
ومنذ إصابته، تعيش الأسرة في قلق دائم، فلا علاج متخصص متوفر في القطاع، ولا إجابة واضحة بشأن مصيره، وكل ما يملكونه أمل هش بفتح المعابر، علّه يُنقل لتلقي العلاج في الخارج.
وتشير الزوجة إلى أن العائلة تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب النزوح المتكرر، وانعدام الخصوصية، وانقطاع المساعدات، بينما يعتمد رامز على الأدوية والمضادات الحيوية دون وجود أفق حقيقي للعلاج الكامل، في ظل غياب التحويلة الطبية والسفر العاجل.
وتضيف بأسى: 'حياتنا صارت همًّا وفقرًا. لم نتمكن حتى من العودة إلى شمال القطاع، إلى بيتنا في معسكر جباليا، لأننا لا نملك أجرة المواصلات. نعيش على أمل بسيط، نتحمل الجوع والبرد، وقلوبنا معلّقة بالعودة إلى البيت وأيامنا القديمة'.
وتتابع: 'حملته على ظهري ليذهب إلى الحمام، ولم أستطع اصطحابه إلى جلسات العلاج الطبيعي بسبب صعوبة التنقل وغلاء المواصلات وسوء أوضاعنا المعيشية. ما لنا إلا الصبر والدعاء'.
وكان رامز يعمل في أحد المخابز قبل إصابته، أما اليوم، فلا يستطيع إعالة نفسه ولا أسرته، يجلس عاجزًا عن توفير أبسط احتياجات عائلته، مثقلًا بإحساس قاسٍ بالعجز واليأس.
'إذا فَقَد عينه، فلا ينبغي أن يفقد كرامته. لا نريد شفقة… نريد فقط أن يُعالج كما يليق بإنسان لم يخرج إلا ليُطعم أبناءه'، تختم أم وسيم حديثها وصوتها تختلط فيه الكلمات بالدموع.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في صباح الثالث عشر من يوليو/تموز 2024، خرج رامز جلال داود (42 عامًا) من خيمته في خان يونس، لا يحمل سلاحًا، بل يحمل هدفًا بسيطًا ونبيلًا: أن يؤمّن لعائلته ربطة خبز تسدّ رمق أطفاله، في يوم بات فيه الحصول على الطعام تحديًا قاسيًا.
وفي طابور الانتظار الطويل، حيث يقف المئات من النازحين أمام أحد المخابز المتهالكة، باغتت الطائرات الإسرائيلية المكان بصاروخ قاتل، فتبعثرت الشظايا في كل اتجاه، أصابت إحداها رامز في عينه اليمنى واخترقت دماغه، مسبّبة نزيفًا حادًا أدخله في غيبوبة.
'كان فقط يريد أن يُطعم أبناءه.. خرج ليعود بخبز، لا ليعود محمولًا'، تقول زوجته أم وسيم داود بصوت مرتجف لـ 'فلسطين أون لاين'.
وتسرد أيام الوجع: 'دخل زوجي في غيبوبة لمدة عشرة أيام، عشنا خلالها على حافة الانتظار، كل لحظة تمرّ وكأنها دهر. كنت أترقب أي حركة أو خبر، وحين أفاق، بدأ الأطباء التعامل مع إصابته… قبل أن يُتخذ القرار القاسي باستئصال عينه اليمنى'.
وأُجريت له العملية في ظروف طبية بالغة الصعوبة، وسط نقص حاد في الإمكانيات والأدوية، فخرج رامز من غرفة العمليات وقد فقد نصف بصره، لكنه بقي على قيد الحياة، وكان ذلك وحده أشبه بالمعجزة.
وبعد أسابيع من الألم، بدأ وضعه يستقر نسبيًا، وشرع يتعافى ببطء، محاولًا استعادة شيء من كرامته والاعتماد على نفسه.
'كان يخجل من أن يطلب من أخيه مساعدته للذهاب إلى الحمام… أراد أن يمنحه فرصة للنوم بعدما كان يسهر بجانبه طوال الليل'، تضيف زوجته.
غير أن تلك المحاولة للاستقلال كانت بداية كارثة جديدة، فبينما حاول رامز النهوض من سريره دون مساعدة، فقد توازنه وسقط على رأسه مجددًا، فعاد النزيف الداخلي، وغاب عن الوعي مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت الغيبوبة أعمق، والأمل أضعف.
'شعرت أنني فقدته مرتين… كلما اقتربنا من استعادته، ابتعد أكثر. كان صوته روح البيت، والآن يقول الأطباء إن وضعه بالغ الخطورة، وإنه بين يدي الرحمن'، تقول زوجته بصوت يخنقه البكاء.
ولم تتوقف المأساة عند ذلك، إذ اكتشف الأطباء لاحقًا أن رامز أُصيب بجلطة دماغية أثّرت مباشرة على نطقه، وقدرته على تحريك الجهة اليسرى من جسده.
وبعد نحو شهر، بدأ يفتح عينيه، غير أنه لم يكن قادرًا على الكلام أو حتى الأكل، إذ أصيب بالتهابات حادة في الصدر، وفقد القدرة على البلع، فكان يتغذى عبر المحاليل الطبية ويُسقى بالمياه بواسطة الحقنة، ما أدخله في حالة من سوء التغذية الحاد.
'جسده يضعف يومًا بعد يوم، لا يستطيع حتى أن يعبّر عن ألمه… دموعه وحدها تتكلم'، تقول زوجته.
ومع تزايد أعداد الجرحى، اضطر الأطباء – رغم حالته الحرجة – إلى إخراجه من غرفة العناية المركزة لإخلاء سريره لحالات أخرى. وتضيف: 'قالوا لنا بالحرف: هناك من هو بأمسّ الحاجة إلى هذا السرير الآن'.
'خرج من العناية قبل أن تكتمل رعايته، وجلسنا إلى جواره عاجزين، لا نملك سوى الدعاء'، تتابع.
وتقول أم وسيم: 'كان رامز عمود البيت، ومصدر قوتنا وسند طفليه. اليوم هو جسد مُثقَل بالجراح، ينطق كلمات بصعوبة، ونحن نعيش على الانتظار والدعاء'.
ومنذ إصابته، تعيش الأسرة في قلق دائم، فلا علاج متخصص متوفر في القطاع، ولا إجابة واضحة بشأن مصيره، وكل ما يملكونه أمل هش بفتح المعابر، علّه يُنقل لتلقي العلاج في الخارج.
وتشير الزوجة إلى أن العائلة تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب النزوح المتكرر، وانعدام الخصوصية، وانقطاع المساعدات، بينما يعتمد رامز على الأدوية والمضادات الحيوية دون وجود أفق حقيقي للعلاج الكامل، في ظل غياب التحويلة الطبية والسفر العاجل.
وتضيف بأسى: 'حياتنا صارت همًّا وفقرًا. لم نتمكن حتى من العودة إلى شمال القطاع، إلى بيتنا في معسكر جباليا، لأننا لا نملك أجرة المواصلات. نعيش على أمل بسيط، نتحمل الجوع والبرد، وقلوبنا معلّقة بالعودة إلى البيت وأيامنا القديمة'.
وتتابع: 'حملته على ظهري ليذهب إلى الحمام، ولم أستطع اصطحابه إلى جلسات العلاج الطبيعي بسبب صعوبة التنقل وغلاء المواصلات وسوء أوضاعنا المعيشية. ما لنا إلا الصبر والدعاء'.
وكان رامز يعمل في أحد المخابز قبل إصابته، أما اليوم، فلا يستطيع إعالة نفسه ولا أسرته، يجلس عاجزًا عن توفير أبسط احتياجات عائلته، مثقلًا بإحساس قاسٍ بالعجز واليأس.
'إذا فَقَد عينه، فلا ينبغي أن يفقد كرامته. لا نريد شفقة… نريد فقط أن يُعالج كما يليق بإنسان لم يخرج إلا ليُطعم أبناءه'، تختم أم وسيم حديثها وصوتها تختلط فيه الكلمات بالدموع.
فلسطين أون لاين
التعليقات