أخبار اليوم - محرر الشؤون السياسية - لم يكن فجر الثالث عشر من حزيران / يونيو ٢٠٢٥ مجرّد طلعةٍ جويةٍ عابرة، بل زلزالاً عسكريّاً واستخبارياً أعاد رسم خريطة الردع في الخليج. أكثر من مئة هدفٍ نوويّ وعسكريّ ضُربت بضراوة، وسقط في قلب العاصمة قادةٌ بحجم محمد باقري وحسين سلامي، فيما امتدَّ ذراعُ الموساد إلى غرفة نوم أهمّ عالمٍ نوويّ في الطابق السادس وسط طهران. هكذا أعلنت إسرائيل، في عملية «الأسد الصاعد»، أنّها لم تعد «تُطارد» برنامج إيران النووي من الخارج، بل «تستوطن» داخل نسيجه الأمني ذاته.
المشهد الميداني: من «نطنز» إلى شقّة العالِم النووي
يدوّن سجلُّ العملية أنّ أسراباً جوّية عبرت طبقات الدفاع الإيراني، لتدكّ أكثر من مئة موقعٍ في نطنز وأصفهان وأجزاء من طهران، بينما كانت وحدات خاصّة تتقدّم بريّاً إلى شقّة عالمٍ نوويّ وتغادر بلا أثر. الساعات الأولى انتهت بإعلان طهران تضرّر منشآتٍ نووية وباليستية وبمقتل كبار القادة، فيما وصفت إسرائيل الضربة بأنّها «جرعةٌ مركّزة» لوقف مشروع إيران النووي.
الدور الاستخباري: كيف عبر الموساد إلى الطابق السادس؟
اغتيالُ محسن فخري زاده في ٢٠٢٠ ببندقيةٍ روبوتية، وسرقةُ الأرشيف النووي في ٢٠١٨ من مستودعٍ بطهران، كانتا تمهيداً لدرسٍ أصيل: كلّ هدفٍ في إيران قابلٌ للوصول إذا سُخّرت شبكةٌ داخلية تُرشد وتُسهّل. الهجوم الأخير جسّد الدرس عمليّاً؛ فالعثور على غرفة نوم العالم النووي لا يتمّ بصاروخٍ موجّه بقدر ما يتمّ بمُخبرٍ يرسم خارطة الشقّة ويحدّد لحظة نوم صاحبها.
ثغرة الداخل: اعتقالاتٌ تتكرّر ولا تُغلق الباب
على الرغم من إعداماتٍ متوالية لمدانين بالتجسس للموساد—آخرها في نيسان وبدء أيار ٢٠٢٥—إلا أنّ إيران تُقرّ دورياً بضبط خلايا جديدة؛ ما يعني أنّ «البوابة» لم تُغلق بعد. في شباط الماضي أعلنت الحرس الثوري تفكيك خلايا في محافظة مازندران، وفي الثلاثين من نيسان أُعدم محسن لانگرنِشين بتهمة تسهيل اغتيال ضابط بالحرس. كلُّ شبكةٍ تسقط، لكن أخرى تُبعث من رمادها؛ في دلالةٍ على عمق الاختراق واستمراريته.
تداعيات القيادة والسيطرة: فراغٌ على قمّة الحرس الثوري
باغتيال القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان محمد باقري معاً، فقدت المنظومة الإيرانية رأسَي التخطيط التنفيذي والاستراتيجي في ليلةٍ واحدة. هذا «قطعُ الرأس» يربك سلسلة الأوامر ويؤخّر القرار المضاد، خصوصاً مع انشغال الطبقة الوسطى في تثبيت شرعيتها أمام المرشد والحكومة. الفراغ القيادي يفسّر تردّد طهران في ردٍّ فوريّ واسع، مكتفيةً بمسيَّراتٍ وصواريخ محدودة أُسقِط معظمها فوق العراق وسوريا.
الرسائل الاستراتيجية: ثلاثُ إشارات بحبرٍ أحمر
إلى الداخل الإيراني: لا حصانة لأعلى القيادات ولا لأدقّ المواقع؛ ما يفتح الباب أمام خصومٍ داخليين للتشكيك في كفاءة الأجهزة.
إلى الإقليم: إسرائيل مستعدّة للضرب منفردةً، ما يواظب على طمأنة شركاءٍ عربٍ قلقين من التمدّد الإيراني.
إلى القوى الكبرى: أيّ تفاوضٍ نوويّ لا يقيّد تل أبيب؛ أمنُها «ملكيّة حصرية»، ولن تُفوَّض لغيرها. هذه الرسائل تَظهر جليّة في بيانات تل أبيب ولغة التغطيات الغربية عقب الهجوم.
خيارات الردّ الإيراني: بين حرب الظلّ ومضيق هرمز
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار «حرب الظلّ» باغتيالاتٍ سيبرانية وهجماتٍ بطائراتٍ مسيَّرة ضد مصالحٍ إسرائيلية أو أمريكية في العراق وسوريا. خيارُ التصعيد المفتوح—إغلاق هرمز أو ضرب منشآتٍ نفطية خليجية—يبقى رهينةَ حجم الضغط الشعبي، وتوازن الردع الذي بات يميل ميدانياً لصالح إسرائيل بعد العملية، لكنّه استراتيجياً قد ينقلب إذا فُتحت جبهةٌ بحرية تُلحق أضراراً بسوق الطاقة العالمي.
«الموساد ليس زائراً يُطارِد الهدف من وراء السياج؛ إنّه جارٌ أقام خيمته في حديقة البيت الإيراني، يعرف مفاتيح الأبواب وعدد الدرجات المؤدية إلى الطابق السادس». السؤال الذي يطرق طهران الآن: كيف تُقتلع خيمةٌ امتدّت أوتادُها داخل الجسد الأمني ذاته؟ وهل يملك النظام ترفَ المعالجة الجراحية قبل أن يفرض شارعٌ متأزّمٌ أجندته الخاصة؟ هنا، في مفترقٍ شديد الخطورة، يبدأ فصلٌ جديد من صراعٍ قد يُعيد تعريف أمن المنطقة كلها.
أخبار اليوم - محرر الشؤون السياسية - لم يكن فجر الثالث عشر من حزيران / يونيو ٢٠٢٥ مجرّد طلعةٍ جويةٍ عابرة، بل زلزالاً عسكريّاً واستخبارياً أعاد رسم خريطة الردع في الخليج. أكثر من مئة هدفٍ نوويّ وعسكريّ ضُربت بضراوة، وسقط في قلب العاصمة قادةٌ بحجم محمد باقري وحسين سلامي، فيما امتدَّ ذراعُ الموساد إلى غرفة نوم أهمّ عالمٍ نوويّ في الطابق السادس وسط طهران. هكذا أعلنت إسرائيل، في عملية «الأسد الصاعد»، أنّها لم تعد «تُطارد» برنامج إيران النووي من الخارج، بل «تستوطن» داخل نسيجه الأمني ذاته.
المشهد الميداني: من «نطنز» إلى شقّة العالِم النووي
يدوّن سجلُّ العملية أنّ أسراباً جوّية عبرت طبقات الدفاع الإيراني، لتدكّ أكثر من مئة موقعٍ في نطنز وأصفهان وأجزاء من طهران، بينما كانت وحدات خاصّة تتقدّم بريّاً إلى شقّة عالمٍ نوويّ وتغادر بلا أثر. الساعات الأولى انتهت بإعلان طهران تضرّر منشآتٍ نووية وباليستية وبمقتل كبار القادة، فيما وصفت إسرائيل الضربة بأنّها «جرعةٌ مركّزة» لوقف مشروع إيران النووي.
الدور الاستخباري: كيف عبر الموساد إلى الطابق السادس؟
اغتيالُ محسن فخري زاده في ٢٠٢٠ ببندقيةٍ روبوتية، وسرقةُ الأرشيف النووي في ٢٠١٨ من مستودعٍ بطهران، كانتا تمهيداً لدرسٍ أصيل: كلّ هدفٍ في إيران قابلٌ للوصول إذا سُخّرت شبكةٌ داخلية تُرشد وتُسهّل. الهجوم الأخير جسّد الدرس عمليّاً؛ فالعثور على غرفة نوم العالم النووي لا يتمّ بصاروخٍ موجّه بقدر ما يتمّ بمُخبرٍ يرسم خارطة الشقّة ويحدّد لحظة نوم صاحبها.
ثغرة الداخل: اعتقالاتٌ تتكرّر ولا تُغلق الباب
على الرغم من إعداماتٍ متوالية لمدانين بالتجسس للموساد—آخرها في نيسان وبدء أيار ٢٠٢٥—إلا أنّ إيران تُقرّ دورياً بضبط خلايا جديدة؛ ما يعني أنّ «البوابة» لم تُغلق بعد. في شباط الماضي أعلنت الحرس الثوري تفكيك خلايا في محافظة مازندران، وفي الثلاثين من نيسان أُعدم محسن لانگرنِشين بتهمة تسهيل اغتيال ضابط بالحرس. كلُّ شبكةٍ تسقط، لكن أخرى تُبعث من رمادها؛ في دلالةٍ على عمق الاختراق واستمراريته.
تداعيات القيادة والسيطرة: فراغٌ على قمّة الحرس الثوري
باغتيال القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان محمد باقري معاً، فقدت المنظومة الإيرانية رأسَي التخطيط التنفيذي والاستراتيجي في ليلةٍ واحدة. هذا «قطعُ الرأس» يربك سلسلة الأوامر ويؤخّر القرار المضاد، خصوصاً مع انشغال الطبقة الوسطى في تثبيت شرعيتها أمام المرشد والحكومة. الفراغ القيادي يفسّر تردّد طهران في ردٍّ فوريّ واسع، مكتفيةً بمسيَّراتٍ وصواريخ محدودة أُسقِط معظمها فوق العراق وسوريا.
الرسائل الاستراتيجية: ثلاثُ إشارات بحبرٍ أحمر
إلى الداخل الإيراني: لا حصانة لأعلى القيادات ولا لأدقّ المواقع؛ ما يفتح الباب أمام خصومٍ داخليين للتشكيك في كفاءة الأجهزة.
إلى الإقليم: إسرائيل مستعدّة للضرب منفردةً، ما يواظب على طمأنة شركاءٍ عربٍ قلقين من التمدّد الإيراني.
إلى القوى الكبرى: أيّ تفاوضٍ نوويّ لا يقيّد تل أبيب؛ أمنُها «ملكيّة حصرية»، ولن تُفوَّض لغيرها. هذه الرسائل تَظهر جليّة في بيانات تل أبيب ولغة التغطيات الغربية عقب الهجوم.
خيارات الردّ الإيراني: بين حرب الظلّ ومضيق هرمز
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار «حرب الظلّ» باغتيالاتٍ سيبرانية وهجماتٍ بطائراتٍ مسيَّرة ضد مصالحٍ إسرائيلية أو أمريكية في العراق وسوريا. خيارُ التصعيد المفتوح—إغلاق هرمز أو ضرب منشآتٍ نفطية خليجية—يبقى رهينةَ حجم الضغط الشعبي، وتوازن الردع الذي بات يميل ميدانياً لصالح إسرائيل بعد العملية، لكنّه استراتيجياً قد ينقلب إذا فُتحت جبهةٌ بحرية تُلحق أضراراً بسوق الطاقة العالمي.
«الموساد ليس زائراً يُطارِد الهدف من وراء السياج؛ إنّه جارٌ أقام خيمته في حديقة البيت الإيراني، يعرف مفاتيح الأبواب وعدد الدرجات المؤدية إلى الطابق السادس». السؤال الذي يطرق طهران الآن: كيف تُقتلع خيمةٌ امتدّت أوتادُها داخل الجسد الأمني ذاته؟ وهل يملك النظام ترفَ المعالجة الجراحية قبل أن يفرض شارعٌ متأزّمٌ أجندته الخاصة؟ هنا، في مفترقٍ شديد الخطورة، يبدأ فصلٌ جديد من صراعٍ قد يُعيد تعريف أمن المنطقة كلها.
أخبار اليوم - محرر الشؤون السياسية - لم يكن فجر الثالث عشر من حزيران / يونيو ٢٠٢٥ مجرّد طلعةٍ جويةٍ عابرة، بل زلزالاً عسكريّاً واستخبارياً أعاد رسم خريطة الردع في الخليج. أكثر من مئة هدفٍ نوويّ وعسكريّ ضُربت بضراوة، وسقط في قلب العاصمة قادةٌ بحجم محمد باقري وحسين سلامي، فيما امتدَّ ذراعُ الموساد إلى غرفة نوم أهمّ عالمٍ نوويّ في الطابق السادس وسط طهران. هكذا أعلنت إسرائيل، في عملية «الأسد الصاعد»، أنّها لم تعد «تُطارد» برنامج إيران النووي من الخارج، بل «تستوطن» داخل نسيجه الأمني ذاته.
المشهد الميداني: من «نطنز» إلى شقّة العالِم النووي
يدوّن سجلُّ العملية أنّ أسراباً جوّية عبرت طبقات الدفاع الإيراني، لتدكّ أكثر من مئة موقعٍ في نطنز وأصفهان وأجزاء من طهران، بينما كانت وحدات خاصّة تتقدّم بريّاً إلى شقّة عالمٍ نوويّ وتغادر بلا أثر. الساعات الأولى انتهت بإعلان طهران تضرّر منشآتٍ نووية وباليستية وبمقتل كبار القادة، فيما وصفت إسرائيل الضربة بأنّها «جرعةٌ مركّزة» لوقف مشروع إيران النووي.
الدور الاستخباري: كيف عبر الموساد إلى الطابق السادس؟
اغتيالُ محسن فخري زاده في ٢٠٢٠ ببندقيةٍ روبوتية، وسرقةُ الأرشيف النووي في ٢٠١٨ من مستودعٍ بطهران، كانتا تمهيداً لدرسٍ أصيل: كلّ هدفٍ في إيران قابلٌ للوصول إذا سُخّرت شبكةٌ داخلية تُرشد وتُسهّل. الهجوم الأخير جسّد الدرس عمليّاً؛ فالعثور على غرفة نوم العالم النووي لا يتمّ بصاروخٍ موجّه بقدر ما يتمّ بمُخبرٍ يرسم خارطة الشقّة ويحدّد لحظة نوم صاحبها.
ثغرة الداخل: اعتقالاتٌ تتكرّر ولا تُغلق الباب
على الرغم من إعداماتٍ متوالية لمدانين بالتجسس للموساد—آخرها في نيسان وبدء أيار ٢٠٢٥—إلا أنّ إيران تُقرّ دورياً بضبط خلايا جديدة؛ ما يعني أنّ «البوابة» لم تُغلق بعد. في شباط الماضي أعلنت الحرس الثوري تفكيك خلايا في محافظة مازندران، وفي الثلاثين من نيسان أُعدم محسن لانگرنِشين بتهمة تسهيل اغتيال ضابط بالحرس. كلُّ شبكةٍ تسقط، لكن أخرى تُبعث من رمادها؛ في دلالةٍ على عمق الاختراق واستمراريته.
تداعيات القيادة والسيطرة: فراغٌ على قمّة الحرس الثوري
باغتيال القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان محمد باقري معاً، فقدت المنظومة الإيرانية رأسَي التخطيط التنفيذي والاستراتيجي في ليلةٍ واحدة. هذا «قطعُ الرأس» يربك سلسلة الأوامر ويؤخّر القرار المضاد، خصوصاً مع انشغال الطبقة الوسطى في تثبيت شرعيتها أمام المرشد والحكومة. الفراغ القيادي يفسّر تردّد طهران في ردٍّ فوريّ واسع، مكتفيةً بمسيَّراتٍ وصواريخ محدودة أُسقِط معظمها فوق العراق وسوريا.
الرسائل الاستراتيجية: ثلاثُ إشارات بحبرٍ أحمر
إلى الداخل الإيراني: لا حصانة لأعلى القيادات ولا لأدقّ المواقع؛ ما يفتح الباب أمام خصومٍ داخليين للتشكيك في كفاءة الأجهزة.
إلى الإقليم: إسرائيل مستعدّة للضرب منفردةً، ما يواظب على طمأنة شركاءٍ عربٍ قلقين من التمدّد الإيراني.
إلى القوى الكبرى: أيّ تفاوضٍ نوويّ لا يقيّد تل أبيب؛ أمنُها «ملكيّة حصرية»، ولن تُفوَّض لغيرها. هذه الرسائل تَظهر جليّة في بيانات تل أبيب ولغة التغطيات الغربية عقب الهجوم.
خيارات الردّ الإيراني: بين حرب الظلّ ومضيق هرمز
السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار «حرب الظلّ» باغتيالاتٍ سيبرانية وهجماتٍ بطائراتٍ مسيَّرة ضد مصالحٍ إسرائيلية أو أمريكية في العراق وسوريا. خيارُ التصعيد المفتوح—إغلاق هرمز أو ضرب منشآتٍ نفطية خليجية—يبقى رهينةَ حجم الضغط الشعبي، وتوازن الردع الذي بات يميل ميدانياً لصالح إسرائيل بعد العملية، لكنّه استراتيجياً قد ينقلب إذا فُتحت جبهةٌ بحرية تُلحق أضراراً بسوق الطاقة العالمي.
«الموساد ليس زائراً يُطارِد الهدف من وراء السياج؛ إنّه جارٌ أقام خيمته في حديقة البيت الإيراني، يعرف مفاتيح الأبواب وعدد الدرجات المؤدية إلى الطابق السادس». السؤال الذي يطرق طهران الآن: كيف تُقتلع خيمةٌ امتدّت أوتادُها داخل الجسد الأمني ذاته؟ وهل يملك النظام ترفَ المعالجة الجراحية قبل أن يفرض شارعٌ متأزّمٌ أجندته الخاصة؟ هنا، في مفترقٍ شديد الخطورة، يبدأ فصلٌ جديد من صراعٍ قد يُعيد تعريف أمن المنطقة كلها.
التعليقات