أخبار اليوم - لم تختر 'رانيا عاشور' أن تُطعم طفلها الرضيع ذو الأربعة أشهر منقوع البابونج واليانسون، ولا أن تغذيه بالطعام الذي تصنعه كحساء الملوخية أو فتات الخبز في صلصة البندورة. لكنها لم تجد في بيتها علبة حليب، ولا في صدرها ما يكفي لإرضاعه. إنها قصة واحدة من آلاف الأمهات في غزة اللواتي وجدن أنفسهن أمام معادلة قاسية: إما الجوع... أو بدائل قد تقتل الأطفال بصمت.
تروي سائدة أبو القمبز، أم لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، قصتها وهي تغالب البكاء: 'أعاني من مشاكل في الرضاعة الطبيعية، وطفلي لا يتقبل الحليب مني، ولم أعد أملك المال لشراء حليب الأطفال الذي ارتفع سعره من 30 شيقلاً لأكثر من 100 شيقل، ولا أجد علبة في السوق. فبدأت أغلي يانسون وبابونج، وأخلط معه القليل من السميد وأطعمه بالملعقة'.
لم تكن تعلم أن هذه البدائل قد تؤدي إلى كوارث صحية. وبعد أيام قليلة، بدأ طفلها يضعف، يفقد وزنه، لا يرضى بالنوم، ثم أصيب بإسهال حاد وجفاف، ما اضطرها لنقله إلى مستشفى الأطفال.
وأضافت أبو القمبز لصحيفة 'فلسطين': 'شخّص الطبيب حالة طفلي بسوء تغذية حاد من الدرجة الثانية، وكان على وشك فقدان وعيه نتيجة الهزال والجفاف الشديد'.
أمضى الطفل أسبوعًا كاملاً في المستشفى، تلقى خلالها التغذية عبر أنبوب، ثم خرج بعد أن استعاد بعض عافيته. لكن الخوف ما زال يرافق والدته: 'أعيش كابوسًا يوميًا، أخشى أن يمرض مرة أخرى. لا أعرف إن كنت سأجد له علاجًا في المرة القادمة'.
وفي مخيم الشاطئ غرب غزة، تعيش السيدة إيمان حميد تجربة مشابهة، لكنها أشد وطأة. لم تجد حليبًا لابنها البالغ أربعة أشهر، فقررت أن تطعمه 'مهروس البسكويت بالماء'، ثم خلطت له النشا وماء الأرز.
تقول حميد لـ'فلسطين': 'لم يكن يأكل بارتياح، ثم بدأ يتقيأ ويعاني من إسهال مستمر، ثم وجدت دمًا في حفاضه'.
في المستشفى، شخّص الأطباء حالته بـالتهاب حاد في الأمعاء الدقيقة، وإسهال دموي بسبب سوء التغذية والإطعام غير المناسب لعمره.
خرج الطفل بعد ثلاثة أيام، لكنه لم يعد كما كان. تقول الأم: 'أصبحت أتنازل عن وجباتي، وأبيع طعامي القليل من أجل شراء حليب له، ولو بالديْن، فقط حتى لا يدخل المستشفى مرة ثانية'.
بدائل قاتلة
قال رئيس أقسام الأطفال والولادة في مستشفى ناصر الطبي، الدكتور أحمد الفرا: 'نلاحظ ارتفاعًا حادًا في أعداد الأطفال الذين يصلون إلى أقسام الطوارئ بسبب الإطعام الخاطئ. الرضع دون 6 أشهر لا يمكن إطعامهم النشا أو ماء الأرز أو الأعشاب. هذا يؤدي إلى التهابات في الجهاز الهضمي وفشل تغذوي سريع'.
وأشار الفرا إلى أن معظم الأمهات يلجأن لهذه البدائل تحت الضغط، لا بسبب الجهل، بل لأن الحليب مفقود تمامًا أو سعره باهظ، وقد تصل علبة الحليب في السوق السوداء إلى 150-200 شيقل.
وأكد أن قطاع غزة لم يستقبل أي شحنات من حليب الأطفال منذ أكثر من أربعة أشهر (منذ فبراير 2025)، سواء للمستشفيات أو الأسواق أو المنظمات الدولية، مما أدى إلى انعدام المخزون بالكامل.
ولفت إلى أنه في قسم الحضانة بمجمع ناصر الطبي، يوجد حوالي 25 طفلاً، بينهم خُدج، يعانون من نقص حاد في الحليب (رقم 1 و2)، بينما الحليب الخاص بالخُدج غير متوفر تمامًا.
وحذر الفرا من أن الأطفال الخُدج والرضع قد يفقدون حياتهم خلال 48 ساعة إذا لم يتم توفير الحليب المخصص فورًا، واصفًا الوضع بـ'كارثة صحية وشيكة'.
وناشد الفرا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للضغط على إسرائيل للسماح بدخول حليب الأطفال، مؤكدًا أن الوضع وصل إلى 'نقطة الصفر'.
أمومة تحت الحصار
في تقريرها الأخير، أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 335,000 طفل في غزة معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية، في حين لم تُسجّل أي شحنات جديدة من حليب الأطفال منذ مارس 2025.
وقالت منظمة اليونيسيف: 'نقص الحليب الصناعي الخاص بالرضع والخُدج في غزة بلغ مستويات كارثية. البدائل المستخدمة تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الأطفال'.
وراء كل طفل مريض أمٌ تجوّعت، واختارت أن تأكل أقل، أن تسهر على بكائه، أن تبتكر طعامًا لا يليق بجسده الصغير، فقط لأن العالم قرر أن يحاصره بالحليب.
في غزة، أصبح الإطعام جريمة، والرعاية مغامرة، والبكاء حق طفل لا يسمعه أحد.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - لم تختر 'رانيا عاشور' أن تُطعم طفلها الرضيع ذو الأربعة أشهر منقوع البابونج واليانسون، ولا أن تغذيه بالطعام الذي تصنعه كحساء الملوخية أو فتات الخبز في صلصة البندورة. لكنها لم تجد في بيتها علبة حليب، ولا في صدرها ما يكفي لإرضاعه. إنها قصة واحدة من آلاف الأمهات في غزة اللواتي وجدن أنفسهن أمام معادلة قاسية: إما الجوع... أو بدائل قد تقتل الأطفال بصمت.
تروي سائدة أبو القمبز، أم لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، قصتها وهي تغالب البكاء: 'أعاني من مشاكل في الرضاعة الطبيعية، وطفلي لا يتقبل الحليب مني، ولم أعد أملك المال لشراء حليب الأطفال الذي ارتفع سعره من 30 شيقلاً لأكثر من 100 شيقل، ولا أجد علبة في السوق. فبدأت أغلي يانسون وبابونج، وأخلط معه القليل من السميد وأطعمه بالملعقة'.
لم تكن تعلم أن هذه البدائل قد تؤدي إلى كوارث صحية. وبعد أيام قليلة، بدأ طفلها يضعف، يفقد وزنه، لا يرضى بالنوم، ثم أصيب بإسهال حاد وجفاف، ما اضطرها لنقله إلى مستشفى الأطفال.
وأضافت أبو القمبز لصحيفة 'فلسطين': 'شخّص الطبيب حالة طفلي بسوء تغذية حاد من الدرجة الثانية، وكان على وشك فقدان وعيه نتيجة الهزال والجفاف الشديد'.
أمضى الطفل أسبوعًا كاملاً في المستشفى، تلقى خلالها التغذية عبر أنبوب، ثم خرج بعد أن استعاد بعض عافيته. لكن الخوف ما زال يرافق والدته: 'أعيش كابوسًا يوميًا، أخشى أن يمرض مرة أخرى. لا أعرف إن كنت سأجد له علاجًا في المرة القادمة'.
وفي مخيم الشاطئ غرب غزة، تعيش السيدة إيمان حميد تجربة مشابهة، لكنها أشد وطأة. لم تجد حليبًا لابنها البالغ أربعة أشهر، فقررت أن تطعمه 'مهروس البسكويت بالماء'، ثم خلطت له النشا وماء الأرز.
تقول حميد لـ'فلسطين': 'لم يكن يأكل بارتياح، ثم بدأ يتقيأ ويعاني من إسهال مستمر، ثم وجدت دمًا في حفاضه'.
في المستشفى، شخّص الأطباء حالته بـالتهاب حاد في الأمعاء الدقيقة، وإسهال دموي بسبب سوء التغذية والإطعام غير المناسب لعمره.
خرج الطفل بعد ثلاثة أيام، لكنه لم يعد كما كان. تقول الأم: 'أصبحت أتنازل عن وجباتي، وأبيع طعامي القليل من أجل شراء حليب له، ولو بالديْن، فقط حتى لا يدخل المستشفى مرة ثانية'.
بدائل قاتلة
قال رئيس أقسام الأطفال والولادة في مستشفى ناصر الطبي، الدكتور أحمد الفرا: 'نلاحظ ارتفاعًا حادًا في أعداد الأطفال الذين يصلون إلى أقسام الطوارئ بسبب الإطعام الخاطئ. الرضع دون 6 أشهر لا يمكن إطعامهم النشا أو ماء الأرز أو الأعشاب. هذا يؤدي إلى التهابات في الجهاز الهضمي وفشل تغذوي سريع'.
وأشار الفرا إلى أن معظم الأمهات يلجأن لهذه البدائل تحت الضغط، لا بسبب الجهل، بل لأن الحليب مفقود تمامًا أو سعره باهظ، وقد تصل علبة الحليب في السوق السوداء إلى 150-200 شيقل.
وأكد أن قطاع غزة لم يستقبل أي شحنات من حليب الأطفال منذ أكثر من أربعة أشهر (منذ فبراير 2025)، سواء للمستشفيات أو الأسواق أو المنظمات الدولية، مما أدى إلى انعدام المخزون بالكامل.
ولفت إلى أنه في قسم الحضانة بمجمع ناصر الطبي، يوجد حوالي 25 طفلاً، بينهم خُدج، يعانون من نقص حاد في الحليب (رقم 1 و2)، بينما الحليب الخاص بالخُدج غير متوفر تمامًا.
وحذر الفرا من أن الأطفال الخُدج والرضع قد يفقدون حياتهم خلال 48 ساعة إذا لم يتم توفير الحليب المخصص فورًا، واصفًا الوضع بـ'كارثة صحية وشيكة'.
وناشد الفرا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للضغط على إسرائيل للسماح بدخول حليب الأطفال، مؤكدًا أن الوضع وصل إلى 'نقطة الصفر'.
أمومة تحت الحصار
في تقريرها الأخير، أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 335,000 طفل في غزة معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية، في حين لم تُسجّل أي شحنات جديدة من حليب الأطفال منذ مارس 2025.
وقالت منظمة اليونيسيف: 'نقص الحليب الصناعي الخاص بالرضع والخُدج في غزة بلغ مستويات كارثية. البدائل المستخدمة تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الأطفال'.
وراء كل طفل مريض أمٌ تجوّعت، واختارت أن تأكل أقل، أن تسهر على بكائه، أن تبتكر طعامًا لا يليق بجسده الصغير، فقط لأن العالم قرر أن يحاصره بالحليب.
في غزة، أصبح الإطعام جريمة، والرعاية مغامرة، والبكاء حق طفل لا يسمعه أحد.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - لم تختر 'رانيا عاشور' أن تُطعم طفلها الرضيع ذو الأربعة أشهر منقوع البابونج واليانسون، ولا أن تغذيه بالطعام الذي تصنعه كحساء الملوخية أو فتات الخبز في صلصة البندورة. لكنها لم تجد في بيتها علبة حليب، ولا في صدرها ما يكفي لإرضاعه. إنها قصة واحدة من آلاف الأمهات في غزة اللواتي وجدن أنفسهن أمام معادلة قاسية: إما الجوع... أو بدائل قد تقتل الأطفال بصمت.
تروي سائدة أبو القمبز، أم لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، قصتها وهي تغالب البكاء: 'أعاني من مشاكل في الرضاعة الطبيعية، وطفلي لا يتقبل الحليب مني، ولم أعد أملك المال لشراء حليب الأطفال الذي ارتفع سعره من 30 شيقلاً لأكثر من 100 شيقل، ولا أجد علبة في السوق. فبدأت أغلي يانسون وبابونج، وأخلط معه القليل من السميد وأطعمه بالملعقة'.
لم تكن تعلم أن هذه البدائل قد تؤدي إلى كوارث صحية. وبعد أيام قليلة، بدأ طفلها يضعف، يفقد وزنه، لا يرضى بالنوم، ثم أصيب بإسهال حاد وجفاف، ما اضطرها لنقله إلى مستشفى الأطفال.
وأضافت أبو القمبز لصحيفة 'فلسطين': 'شخّص الطبيب حالة طفلي بسوء تغذية حاد من الدرجة الثانية، وكان على وشك فقدان وعيه نتيجة الهزال والجفاف الشديد'.
أمضى الطفل أسبوعًا كاملاً في المستشفى، تلقى خلالها التغذية عبر أنبوب، ثم خرج بعد أن استعاد بعض عافيته. لكن الخوف ما زال يرافق والدته: 'أعيش كابوسًا يوميًا، أخشى أن يمرض مرة أخرى. لا أعرف إن كنت سأجد له علاجًا في المرة القادمة'.
وفي مخيم الشاطئ غرب غزة، تعيش السيدة إيمان حميد تجربة مشابهة، لكنها أشد وطأة. لم تجد حليبًا لابنها البالغ أربعة أشهر، فقررت أن تطعمه 'مهروس البسكويت بالماء'، ثم خلطت له النشا وماء الأرز.
تقول حميد لـ'فلسطين': 'لم يكن يأكل بارتياح، ثم بدأ يتقيأ ويعاني من إسهال مستمر، ثم وجدت دمًا في حفاضه'.
في المستشفى، شخّص الأطباء حالته بـالتهاب حاد في الأمعاء الدقيقة، وإسهال دموي بسبب سوء التغذية والإطعام غير المناسب لعمره.
خرج الطفل بعد ثلاثة أيام، لكنه لم يعد كما كان. تقول الأم: 'أصبحت أتنازل عن وجباتي، وأبيع طعامي القليل من أجل شراء حليب له، ولو بالديْن، فقط حتى لا يدخل المستشفى مرة ثانية'.
بدائل قاتلة
قال رئيس أقسام الأطفال والولادة في مستشفى ناصر الطبي، الدكتور أحمد الفرا: 'نلاحظ ارتفاعًا حادًا في أعداد الأطفال الذين يصلون إلى أقسام الطوارئ بسبب الإطعام الخاطئ. الرضع دون 6 أشهر لا يمكن إطعامهم النشا أو ماء الأرز أو الأعشاب. هذا يؤدي إلى التهابات في الجهاز الهضمي وفشل تغذوي سريع'.
وأشار الفرا إلى أن معظم الأمهات يلجأن لهذه البدائل تحت الضغط، لا بسبب الجهل، بل لأن الحليب مفقود تمامًا أو سعره باهظ، وقد تصل علبة الحليب في السوق السوداء إلى 150-200 شيقل.
وأكد أن قطاع غزة لم يستقبل أي شحنات من حليب الأطفال منذ أكثر من أربعة أشهر (منذ فبراير 2025)، سواء للمستشفيات أو الأسواق أو المنظمات الدولية، مما أدى إلى انعدام المخزون بالكامل.
ولفت إلى أنه في قسم الحضانة بمجمع ناصر الطبي، يوجد حوالي 25 طفلاً، بينهم خُدج، يعانون من نقص حاد في الحليب (رقم 1 و2)، بينما الحليب الخاص بالخُدج غير متوفر تمامًا.
وحذر الفرا من أن الأطفال الخُدج والرضع قد يفقدون حياتهم خلال 48 ساعة إذا لم يتم توفير الحليب المخصص فورًا، واصفًا الوضع بـ'كارثة صحية وشيكة'.
وناشد الفرا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للضغط على إسرائيل للسماح بدخول حليب الأطفال، مؤكدًا أن الوضع وصل إلى 'نقطة الصفر'.
أمومة تحت الحصار
في تقريرها الأخير، أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 335,000 طفل في غزة معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية، في حين لم تُسجّل أي شحنات جديدة من حليب الأطفال منذ مارس 2025.
وقالت منظمة اليونيسيف: 'نقص الحليب الصناعي الخاص بالرضع والخُدج في غزة بلغ مستويات كارثية. البدائل المستخدمة تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الأطفال'.
وراء كل طفل مريض أمٌ تجوّعت، واختارت أن تأكل أقل، أن تسهر على بكائه، أن تبتكر طعامًا لا يليق بجسده الصغير، فقط لأن العالم قرر أن يحاصره بالحليب.
في غزة، أصبح الإطعام جريمة، والرعاية مغامرة، والبكاء حق طفل لا يسمعه أحد.
فلسطين أون لاين
التعليقات