بقلم: سالي الأسعد
عدتُ إلى عمّان كما أعود كل صيف، لكنّ شيئًا في هذه العودة مختلف… فرغم أني أغادرها وأعود إليها أكثر من مرة في العام، ورغم أن الغربة صارت رفيقة دربي لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، تبقى الإجازة الصيفية في الأردن حالة مختلفة
ليست مجرد محطة زمنية ننتقل فيها بين المطارات، بل عودة الفرع إلى الأصل… إلى النسخة الأولى من الذات.. إلى الثبات قبل كل ترحال..
الإجازة لا تعيد لنا الوقت، لكنها تعيد لنا الحياة
نحيا من جديد في بيت الأهل، في ظلّ أشجار التين و العنب التي ما زالت تُثمر، وكأنها تُعاند الزمن لتظلّ شاهدة على همسات براءة الطفولة وحنين الكبار.
البلاد تغيّرت؟ ربما! .. البيوت كبرت، الشوارع ازدحمت، والوجوه تداخلت فيها ملامح السرعة والتعب لكنّ الأرواح؟ لم تتغيّر لا زالت تحمل نفس الكرم، نفس النخوة، ونفس عبارة “جيرة الله تفضلوا علينا” تُقال من القلب قبل أن تخرج من الشفاه.
على طاولة الفطور، تجد ما لا تجده في أي فندق فاخر: زيت وزعتر من أرض الوطن، لبنة مصنوعة بحب، بيض بلدي دافئ… ووجه أمّي الذي يسألني بلطف وعتب: “صحتين ياماما ، بس ليش طولتو؟
تغيب سنة، سنتين، عشرة… ويبقى الأصدقاء… وتلك الكيمياء العجيبة بين قلبك وارواحهم …. تعود، فتجدهم كما تركتهم، بل وكأن الزمن قرر أن يُجمد لحظة اللقاء لأجلك .. لا حاجة بك لمقدمات طويلة، لا حاجة لشرح ما فات… الضحكة الأولى تُكملها الثانية، والسهر يمتدّ لساعات الفجر، وكأننا نسرق من العمر لحظات لتملأ مخزون الذاكرة
…
في زوايا المدينة، هناك من نفتقدهم بشدة.
كبارنا الذين غادرونا… وما زال حضورهم طاغيًا في تفاصيل الحياة … في طريقة إعداد المنسف، واختيار مكوناته بعناية .. في صوت القران في الصباح في الميرمية التي كان والدي – رحمه الله – يختارها بعناية، كأنها طقس محبّة سنوي لا يتغير.
وإن كانت الفقدانات قدرنا، فبعض الغيابات كانت خيارًا شخصيا لوجوه اختارت الرحيل عمدا، تجاهلت حبال الود رغم محاولات الوصل، وقصّرت في الفرح قبل الحزن
ومع كل هذا، نُدرك أن لا جدوى من الإمساك بعلاقات أصرّ أصحابها أن تموت…. فنتركها تمضي… هامسين لانفسنا ما خسرنا إلا من اختار أن يخسرنا
وما بقي في قلوبنا من الناس… هم الثروة الحقيقية … هُم مَن نستند إليهم في الغربة، ونعود إليهم في الوطن، ونحمد الله عليهم في كل حين.
الحمد لله على نعمة الأردن،
على هذه الأرض المباركة، وعلى شعبها الطيب، وعلى قيادتها التي تحميها بحكمة وإخلاص.
اللهم احفظ الأردن بسماها وترابها وناسها
أما أنا، فكل عودة إليها كأنها الأولى…
وكل مغادرة كأنها وداع مؤجل
عدنا… والعود أحمد
بقلم: سالي الأسعد
عدتُ إلى عمّان كما أعود كل صيف، لكنّ شيئًا في هذه العودة مختلف… فرغم أني أغادرها وأعود إليها أكثر من مرة في العام، ورغم أن الغربة صارت رفيقة دربي لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، تبقى الإجازة الصيفية في الأردن حالة مختلفة
ليست مجرد محطة زمنية ننتقل فيها بين المطارات، بل عودة الفرع إلى الأصل… إلى النسخة الأولى من الذات.. إلى الثبات قبل كل ترحال..
الإجازة لا تعيد لنا الوقت، لكنها تعيد لنا الحياة
نحيا من جديد في بيت الأهل، في ظلّ أشجار التين و العنب التي ما زالت تُثمر، وكأنها تُعاند الزمن لتظلّ شاهدة على همسات براءة الطفولة وحنين الكبار.
البلاد تغيّرت؟ ربما! .. البيوت كبرت، الشوارع ازدحمت، والوجوه تداخلت فيها ملامح السرعة والتعب لكنّ الأرواح؟ لم تتغيّر لا زالت تحمل نفس الكرم، نفس النخوة، ونفس عبارة “جيرة الله تفضلوا علينا” تُقال من القلب قبل أن تخرج من الشفاه.
على طاولة الفطور، تجد ما لا تجده في أي فندق فاخر: زيت وزعتر من أرض الوطن، لبنة مصنوعة بحب، بيض بلدي دافئ… ووجه أمّي الذي يسألني بلطف وعتب: “صحتين ياماما ، بس ليش طولتو؟
تغيب سنة، سنتين، عشرة… ويبقى الأصدقاء… وتلك الكيمياء العجيبة بين قلبك وارواحهم …. تعود، فتجدهم كما تركتهم، بل وكأن الزمن قرر أن يُجمد لحظة اللقاء لأجلك .. لا حاجة بك لمقدمات طويلة، لا حاجة لشرح ما فات… الضحكة الأولى تُكملها الثانية، والسهر يمتدّ لساعات الفجر، وكأننا نسرق من العمر لحظات لتملأ مخزون الذاكرة
…
في زوايا المدينة، هناك من نفتقدهم بشدة.
كبارنا الذين غادرونا… وما زال حضورهم طاغيًا في تفاصيل الحياة … في طريقة إعداد المنسف، واختيار مكوناته بعناية .. في صوت القران في الصباح في الميرمية التي كان والدي – رحمه الله – يختارها بعناية، كأنها طقس محبّة سنوي لا يتغير.
وإن كانت الفقدانات قدرنا، فبعض الغيابات كانت خيارًا شخصيا لوجوه اختارت الرحيل عمدا، تجاهلت حبال الود رغم محاولات الوصل، وقصّرت في الفرح قبل الحزن
ومع كل هذا، نُدرك أن لا جدوى من الإمساك بعلاقات أصرّ أصحابها أن تموت…. فنتركها تمضي… هامسين لانفسنا ما خسرنا إلا من اختار أن يخسرنا
وما بقي في قلوبنا من الناس… هم الثروة الحقيقية … هُم مَن نستند إليهم في الغربة، ونعود إليهم في الوطن، ونحمد الله عليهم في كل حين.
الحمد لله على نعمة الأردن،
على هذه الأرض المباركة، وعلى شعبها الطيب، وعلى قيادتها التي تحميها بحكمة وإخلاص.
اللهم احفظ الأردن بسماها وترابها وناسها
أما أنا، فكل عودة إليها كأنها الأولى…
وكل مغادرة كأنها وداع مؤجل
عدنا… والعود أحمد
بقلم: سالي الأسعد
عدتُ إلى عمّان كما أعود كل صيف، لكنّ شيئًا في هذه العودة مختلف… فرغم أني أغادرها وأعود إليها أكثر من مرة في العام، ورغم أن الغربة صارت رفيقة دربي لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، تبقى الإجازة الصيفية في الأردن حالة مختلفة
ليست مجرد محطة زمنية ننتقل فيها بين المطارات، بل عودة الفرع إلى الأصل… إلى النسخة الأولى من الذات.. إلى الثبات قبل كل ترحال..
الإجازة لا تعيد لنا الوقت، لكنها تعيد لنا الحياة
نحيا من جديد في بيت الأهل، في ظلّ أشجار التين و العنب التي ما زالت تُثمر، وكأنها تُعاند الزمن لتظلّ شاهدة على همسات براءة الطفولة وحنين الكبار.
البلاد تغيّرت؟ ربما! .. البيوت كبرت، الشوارع ازدحمت، والوجوه تداخلت فيها ملامح السرعة والتعب لكنّ الأرواح؟ لم تتغيّر لا زالت تحمل نفس الكرم، نفس النخوة، ونفس عبارة “جيرة الله تفضلوا علينا” تُقال من القلب قبل أن تخرج من الشفاه.
على طاولة الفطور، تجد ما لا تجده في أي فندق فاخر: زيت وزعتر من أرض الوطن، لبنة مصنوعة بحب، بيض بلدي دافئ… ووجه أمّي الذي يسألني بلطف وعتب: “صحتين ياماما ، بس ليش طولتو؟
تغيب سنة، سنتين، عشرة… ويبقى الأصدقاء… وتلك الكيمياء العجيبة بين قلبك وارواحهم …. تعود، فتجدهم كما تركتهم، بل وكأن الزمن قرر أن يُجمد لحظة اللقاء لأجلك .. لا حاجة بك لمقدمات طويلة، لا حاجة لشرح ما فات… الضحكة الأولى تُكملها الثانية، والسهر يمتدّ لساعات الفجر، وكأننا نسرق من العمر لحظات لتملأ مخزون الذاكرة
…
في زوايا المدينة، هناك من نفتقدهم بشدة.
كبارنا الذين غادرونا… وما زال حضورهم طاغيًا في تفاصيل الحياة … في طريقة إعداد المنسف، واختيار مكوناته بعناية .. في صوت القران في الصباح في الميرمية التي كان والدي – رحمه الله – يختارها بعناية، كأنها طقس محبّة سنوي لا يتغير.
وإن كانت الفقدانات قدرنا، فبعض الغيابات كانت خيارًا شخصيا لوجوه اختارت الرحيل عمدا، تجاهلت حبال الود رغم محاولات الوصل، وقصّرت في الفرح قبل الحزن
ومع كل هذا، نُدرك أن لا جدوى من الإمساك بعلاقات أصرّ أصحابها أن تموت…. فنتركها تمضي… هامسين لانفسنا ما خسرنا إلا من اختار أن يخسرنا
وما بقي في قلوبنا من الناس… هم الثروة الحقيقية … هُم مَن نستند إليهم في الغربة، ونعود إليهم في الوطن، ونحمد الله عليهم في كل حين.
الحمد لله على نعمة الأردن،
على هذه الأرض المباركة، وعلى شعبها الطيب، وعلى قيادتها التي تحميها بحكمة وإخلاص.
اللهم احفظ الأردن بسماها وترابها وناسها
أما أنا، فكل عودة إليها كأنها الأولى…
وكل مغادرة كأنها وداع مؤجل
عدنا… والعود أحمد
التعليقات