"أفران قماشية" .. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

mainThumb
"أفران قماشية".. نازحو غزة يذوبون تحت لهيب الخيام

10-08-2025 12:59 PM

printIcon

أخبار اليوم - يختلط عرق الستينية نعمة معروف مع دموعها الساخنة، في خيمة نزوح قسري، تبدو كأنها فرن مشتعل، هي المأوى الحالي لها ولـ30 فردا معظمهم أطفال، يعيشون تفاصيل حياة يومية لا آدمية.

تسلط الشمس أشعتها على خيمتهم المهترئة، المقامة على قارعة طريق عام في غزة، وتذوب معها أجسادهم، مع شح مياه الغسل والشرب، والغذاء في ظل المجاعة المحتدمة منذ مارس/آذار.

"الشوب أكلنا"، تتساقط دموعها بلا توقف وتسبق كلماتها المنهكة، بينما يكتوي زوجها المسن بلهيب الشمس، ويضيق صدره، وتختنق أنفاسه، عاجزا عن تغيير واقع قاهر يفرضه الاحتلال منذ بدئه حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تتوسط نعمة أبناءها وأحفادها في الخيمة الضيقة التي لا تتجاوز أربعة مترات، تشاركهم الهم، فهي مسنة وهم أطفال من فئات هشة، يكتوون بالحر، وانعدام مقومات العيش.

بين يديها حفيدها الرضيع، الذي تحاول عبثا إسكاته، وقد انطبع جسمه النحيل باللون الأحمر من شدة الحر، الذي لا تمنعه عنه أقمشة الخيمة.

بدأت رحلة النزوح القسري لنعمة وعائلتها مع بداية حرب الإبادة، وقد حول الاحتلال منزلها في بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى ذكريات فحسب، وخاضت مع عائلتها محطات تشرد إجبارية من بلدتها إلى مدينة غزة، مرورا بدير البلح وخانيونس ورفح ثم مجددا العودة إلى غزة التي تهدد (إسرائيل) حاليا باحتلالها بالكامل.

وقبل نزوحها من بيت لاهيا، سعت نعمة إلى البقاء في بلدتها، لكن الاحتلال قصف كل شيء، بما في ذلك مراكز الإيواء، وقتل وأصاب النازحين بأحزمة نارية.

توزع أنظار الحسرة على "المعذبين" في خيمة النزوح، قائلة لصحيفة "فلسطين": "الشتا صبرنا عليه، بس الشوب مش قادرين نصبر، صغارنا ساحوا من الحر، والحج (زوجها) بيبكي، حتى هواية ما في، ولا شجرة نستظل فيها".

وتشير إلى النايلون الذي كانت تغطي به خيمتها وتمزق أيضا من الحر، مناشدة العالم بكلمات من القهر: "ارحمونا يا ناس اللي عنده رحمة يرحمنا من هالشوب.. حنوا على هالصغار".

ويرتدي الأطفال في تلك الخيمة ملابس ثقيلة لافتقارهم إلى ملابس مناسبة لفصل الصيف، في ظل حصار مطبق يفرضه الاحتلال.

تكشف نعمة عن جسد حفيدها، قائلة: "اطلع الحرارة كيف، شوف ظهره من الأواعي الشتوية، مفش أواعي صيفية، هدا الطفل مولود جديد، حتى حليب وبامبرز ما عنده".

زوجها الذي يتكئ على فرشة ممزقة، يبدو في ذروة الحزن الذي يذرفه على هيئة دموع، دون أن يستطيع التعبير عما يختلج صدره من الأسى، بينما تلخص نعمة حاله، قائلة إنه "مختنق، وجسمه بيسيح".

وفي ظل هذه المعاناة، تفتقر العائلة حتى إلى المراهم الطبية الجلدية التي تساعد في التخفيف من حدة الحر، الذي يكوي أجسادهم.

انتابت نعمة، المصابة بمرضي السكر والضغط، نوبة بكاء وصرخة ألم. "والله اللي بيشوف جسمي ليحزن علي، الحر أكلني، والجوع أفقدني 40 كيلوجرام".

ويضطر أفراد هذه العائلة إلى النوم أو الجلوس في العراء لضيق الخيمة مقارنة بعددهم، ويواجهون مأساة في توفير مقومات النظافة، أو المياه.

لكن هذا ليس سوى غيض من فيض المعاناة، فقد أصيب حفيد نعمة (12 عاما) برصاصة أطلقتها طائرة إسرائيلية مسيرة "كواد كابتر)، وأصابته في خيمة النزوح وسط مدينة غزة، قبل أيام.

"أوضاع كارثية"

تجسد مأساة عائلة معروف حال عائلات غزة النازحة قسرا في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الـ23 تواليا.

ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان.

وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار.

وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ”أسوأ سيناريو مجاعة“ في أجزاء واسعة من القطاع.

ووفق تصنيف منظمة IPC في 29 تموز/يوليو، بلغت مناطق عدة من غزة حالة المجاعة الفعلية، بعد أن تجاوزت معايير المجاعة في استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد، خاصةً في مدينة غزة.

وحذرت منظمات مثل الـIPC وWFP وUNICEF من أن الزمن ينفد لاستجابة إنسانية شاملة، لما وصلت إليه الأزمة من شح غذائي وكارثة صحية غير مسبوقة.

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استشهد 143 مواطنا في غزة خلال العام الجاري بسبب سوء التغذية، مقارنة بـ50 في عام 2024، وأربعة في عام 2023.

ومنذ بداية حرب الإبادة، استشهد 61,369 غزيا وأصيب 152,850 آخرون، وفق وزارة الصحة.

وتحت خيام تمزقها الشمس وتحاصرها المجاعة ونيران القصف، يعيش نازحو غزة على حافة الحياة، ويسرق منهم كل يوم يمر، مزيدا من القوة والأمل.

 فلسطين أون لاين