في طريق العودة لغزة .. شظايا الوجع تصيب قلب ضحى وجسدها

mainThumb
في طريق العودة لغزة.. شظايا الوجع تصيب قلب ضحى وجسدها

16-08-2025 09:26 AM

printIcon

أخبار اليوم - في التاسعة عشرة من عمرها، وجدت ضحى أبو حصيرة نفسها تعيش فصول حرب لا ترحم، دفعتها وعائلتها إلى درب النزوح، من قلب غزة إلى الجنوب، بحثًا عن حياة أقل خطرًا وأكثر احتمالًا، لكنها لم تجد سوى مرارة التشتيت ووجع الفقد.

مع اشتداد القصف العشوائي، قررت العائلة أن تنقذ ما تبقى منها، فخرجت الأم وبناتها الأربع، من بينهن ضحى، بينما بقي الأب واصنين من أبنائه الذكور في غزة، ومنذ تلك اللحظة، تفرقت الأرواح، وتفرقت القلوب.

تقول ضحى لصحيفة "فلسطين": "كل خطوة نزوح كانت تسرق شيئًا مني. تركنا البيت وكل تفاصيلنا، تركنا أبي وأخي، وخرجنا على أمل أن نلتقي بهم قريبًا، لكن الغياب طال، والقلق صار رفيقنا."

تحملت ضحى ووالدتها مسؤولية حماية العائلة الصغيرة، وكان النزوح يتكرر من مخيم المغازي إلى الزوايدة ثم دير البلح، حيث باتوا في خيمة لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، لا توفر خصوصية ولا راحة. وتضيف: "أصبحت الخيمة بيتنا، والماء المالح شرابنا، والهواء المعبأ برائحة البارود أنفاسنا".

مرت الشهور، وثقل النزوح تحول إلى وجع مزمن، "لم أعد أشعر أنني أعيش.. فقط أتنفس. اشتقت لحياتي، لغرفتي، لمدرستي، لصوت أبي في البيت"، وفق حديثها.

وفي ظل الظروف الصعبة، انقلبت ضحى من فتاة كانت تحلم بانتهاء مرحلة الثانوية العامة ودراسة علم النفس إلى نازحة تبحث عن مأوى وكوب ماء نظيف، ومع ذلك، لا تزال تحاول الحفاظ على حلمها حيًا بين دفتي كراستها.

حياة النزوح

تتابع ضحى: "كنت أستيقظ قبل الجميع لأذهب إلى السوق وأشتري الخبز، ثم أجرّ جالونات المياه على عربة يدوية مسافة طويلة، لأن المياه النظيفة كانت بعيدة ونادرة، أصبحت أعرف وجوه الناس الذين ينتظرون دورهم لساعات كما أعرف وجوه إخوتي".

لم تكن تعبئة المياه مهمة سهلة؛ بل كانت رحلة شاقة يوميًا تحت شمس الصيف الحارقة، في بيئة مزدحمة ومرهقة نفسيًا وجسديًا، لكنها كانت ترى في كل تعب خطوة نحو الحفاظ على بقاء عائلتها.

ورغم هذا العناء إلا أن ضحى لم تكن تعلم أن لحظة اللقاء ستتحول إلى مأساة جديدة، ففي يوم 14 أبريل 2024، وبعد شهور من النزوح والتشرد، اشتد بها الحنين إلى غزة، وإلى والدها وشقيقها اللذين تركا خلفهما كل شيء من أجل البقاء في المدينة.

"كنت أعدّ الأيام.. كل يوم أقول غدًا سنعود، وكل ليلة كنت أحلم بالشارع الذي كبرت فيه، ووجه والدي وهو يستقبلنا أمام البيت"، تقول ضحى.

وبالفعل، قررت والدتها ومعها ضحى وشقيقاتها الثلاث العودة إلى غزة، فركبوا عربة وانطلقوا نحو مدينتهم المنهكة، وعندما وصلوا منطقة وادي غزة، ترجّلوا عن العربة ليكملوا طريقهم مشيًا على الأقدام.

لكن الاحتلال كان يراقب ويترصد، وما إن خطوا خطواتهم الأولى لم يعرفوا ما الذي سقط بجانبهم ولكن أصيبت ضحى بشظايا في أنحاء متفرقة في جسدها.

نُقلت بدايةً إلى مستشفى العودة لتلقي الإسعافات الأولية، قبل تحويلها إلى مستشفى شهداء الأقصى، حيث اكتشف الأطباء أنها مصابة بجرح قطعي في الرأس، وشظايا منتشرة في الحوض والكتف والوجه.

بعد يومين من دخولها المستشفى، تمكن الأطباء من إجراء عملية جراحية معقدة لضحى، حيث تم بتر أصابع اليد اليمنى، وإجراء رقع جلدية من فخذها على يدها المصابة، في محاولة لإنقاذها.

وقد مكثت في المستشفى لمدة ثلاثة أشهر، تتنقل بين الألم والآمال، وسط رعاية طبية صعبة في ظل ظروف القطاع القاسية.

وتضيف ضحى بصوت مفعم بالألم: "كل يوم كان فيه تحدي، الألم لا يفارقني، لكن كان عندي أمل أتمكن من الوقوف من جديد وأكمل حياتي".

حتى اليوم، تنظر إلى يدها اليمنى المصابة وتتساءل بمرارة: "ليش صار فيا هيك؟ شعري ما بقدر أتمشطو، وأوقات بلف شالتي بصعوبة عشان أحطها على راسي".

كل يوم تواجه تحديات صغيرة تبدو كبيرة، فالإصابة لم تُفقدها فقط جزءًا من جسدها، بل أثرت على تفاصيل حياتها اليومية، وعلى شعورها بالاستقلالية والكرامة.

رغم الألم الجسدي، فإن الألم النفسي كان أعظم، خصوصاً مع تشتت العائلة وصعوبة العودة إلى الحياة الطبيعية، تختم بصوتٍ يحمل الإصرار: "اليوم أحلم أن أسافر للخارج لاستكمال علاجي، وأركب طرف صناعي يعيد لي حياتي ويخليني أعتمد على نفسي".