الحوثيون يحوِّلون المدارس إلى ساحات تعبئة فكرية وقتالية

mainThumb
الحوثيون يحوِّلون المدارس إلى ساحات تعبئة فكرية وقتالية

08-09-2025 02:57 PM

printIcon

أخبار اليوم - يكثِّف الحوثيون، المسيطرون على العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، وأجزاء واسعة من شمال البلاد، ضغوطهم على قطاع التعليم، عبر إجبار مئات المعلمين والطلاب على المشاركة في دورات فكرية وعسكرية وحضور فعاليات دعائية، في خطوة اعتبرها مراقبون تهديداً خطيراً للعملية التعليمية، ومحاولة لتطويع المجتمع اليمني وفق أجندة آيديولوجية تخدم مشروع الجماعة المسنود من إيران.

مصادر تربوية أكدت أن إدارات المدارس الحكومية والأهلية في 4 محافظات يمنية، بينها صنعاء وإب وعمران، تلقت أوامر مباشرة من مكاتب التعليم الخاضعة للحوثيين لحشد الطلاب والمعلمين إلى فعاليات المولد النبوي التي نظمتها الجماعة في ميدان السبعين بصنعاء، وساحات أخرى في المحافظات.

وحسب تلك المصادر، أوفدت الجماعة مشرفين ميدانيين إلى المدارس، لتوزيع بطاقات دعوة، وإلزام إداراتها بإعداد قوائم بأسماء المشاركين، تحت طائلة التهديد بحرمان الطلاب من الامتحانات أو فصل المعلمين الرافضين من وظائفهم.


ولتأمين الحضور الكثيف، تعهد الحوثيون بتوفير حافلات لنقل الطلاب، بينما ألزمت إدارات المدارس بتدبير وجبات طعام ومياه ووسائل لإعادة الطلبة إلى منازلهم بعد انتهاء الفعالية. إلا أن تجارب سابقة أظهرت تقصيراً فادحاً؛ إذ يروي أولياء أمور أنهم اضطروا للبحث عن أبنائهم حتى ساعات متأخرة من الليل.

قلق مجتمعي متزايد
«حميد» -وهو والد لثلاثة طلاب في صنعاء- قال لـ«الشرق الأوسط» إنه فقد ابنه الأصغر ساعات بعد أن جرى نقله قسراً إلى ميدان السبعين للمشاركة في الاحتفالية. وأضاف: «تركَتْ الجماعة الأطفال بلا طعام ولا مواصلات، وبحثتُ عن ابني حتى منتصف الليل قبل أن أجده منهكاً في حديقة مجاورة».

مخاوف مماثلة عبَّر عنها والد طالبة بالمرحلة الثانوية في ريف صنعاء، مؤكداً رفضه إرسال ابنته إلى الفعالية النسوية التي حدد الحوثيون مكانها في شمال المدينة. وقال: «أخشى أن تتعرض ابنتي للضياع أو الاستغلال في ظل الإهمال المتكرر».

وفي محافظة إب، كثَّف الحوثيون برامجهم الموجهة لقطاع التعليم؛ حيث أُجبر مئات المعلمين على حضور دورات عقائدية وعسكرية تحت مبرر «نصرة غزة» والاستعداد لمواجهة إسرائيل. كما فُرض على آلاف الطلاب التبرع نقداً لتمويل الفعاليات.

وأشارت «الشبكة اليمنية للحقوق والحريات» إلى أن هذه الممارسات «لا تمُت للتعليم بصلة»؛ بل تهدف إلى «تفكيك النسيج الاجتماعي وغرس أفكار طائفية في أوساط الناشئة».

وأكدت الشبكة أن معلمي مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية والاجتماعيات واللغة العربية، خضعوا مؤخراً لإلزام مباشر بحضور الدورات الحوثية، مع التهديد بعقوبات مشددة في حال رفضهم.

استغلال الدين في السياسة
ويرى مراقبون أن الجماعة الحوثية تستخدم المناسبات الدينية -وعلى رأسها المولد النبوي- كمنصات لترويج خطابها السياسي وجمع الأموال، فضلاً عن فرض الولاء على فئات المجتمع المختلفة. ويقول محللون إن المدارس تحولت في مناطق الحوثيين من مؤسسات تعليمية إلى «أدوات تعبئة»؛ حيث يُزرع في أذهان الطلاب خطاب الكراهية وأفكار العداء للآخر.

ويشير خبراء إلى أن هذه السياسات ستفاقم من أزمة التعليم المتردي أصلاً في اليمن؛ إذ يتعرض المعلمون لضغوط مادية ومعنوية في ظل انقطاع رواتبهم منذ سنوات، بينما يواجه الطلاب بيئة مدرسية مثقلة بالترهيب والدعاية.


ويحذِّر ناشطون حقوقيون من أن عسكرة التعليم واستغلال الطلاب في التعبئة السياسية سيتركان آثاراً مدمرة على مستقبل اليمن؛ إذ يُخشى أن يتحول آلاف الأطفال إلى وقود للحرب بدلاً من أن يكونوا عماد التنمية والسلام.

كما نبهت منظمات محلية ودولية مراراً إلى أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى إطالة أمد النزاع اليمني، ويقوِّض أي جهود تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإرساء السلام.

ورغم الإدانات الحقوقية، لا تبدي الجماعة أي استعداد للتراجع؛ بل تمضي في تعزيز قبضتها على المدارس والجامعات، مستفيدة من غياب الضغوط الفعَّالة، وضعف الحضور الدولي في مناطق سيطرتها.

ويرى تربويون أن إنقاذ التعليم في اليمن يتطلب موقفاً دولياً حازماً، يربط أي دعم إنساني أو تمويلي بوقف استغلال المدارس لأغراض سياسية وعسكرية، حفاظاً على ما تبقى من جيل يمني مهدد بالضياع.