اخبار اليوم - لم يكن للثورة الصناعية الثانية أن تنطلق بقوة لولا ابتكار قلب موازين الصناعة المعدنية؛ وهو الابتكار المعروف باسم "عملية بسمر"، والذي أتاح إنتاج الفولاذ بسرعة وبتكلفة منخفضة، وجعله متاحًا بكميات ضخمة لتغذية الصناعات الثقيلة والسكك الحديدية والجسور والسفن.
من الثورة الأولى إلى الثانية
فمع منتصف القرن الثامن عشر، دشنت بريطانيا الثورة الصناعية الأولى، حيث اعتمد البشر على الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، وبرز اختراع المحرك البخاري الذي طوّره جيمس واط عام 1769 باعتباره نقطة التحول الأبرز.
فقد غيرت هذه الثورة وجه قطاعات النقل والنسيج والتعدين. لكن مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ العالم ينتقل نحو النفط والغاز، لتولد الثورة الصناعية الثانية التي وسعت آفاق الكيمياء وصناعة السيارات والصناعات الثقيلة.
غير أن هذه النقلة النوعية ما كانت لتتحقق لولا ابتكار جاء من إنجلترا على يد هنري بسمر، الرجل الذي جعل الفولاذ مادة أساسية في حضارة البشر.
هنري بسمر: المخترع العصامي
وُلد هنري بسمر عام 1813 في شارلتون بإنجلترا لعائلة متواضعة. ورغم أنه لم يحصل على تعليم جامعي كغيره من مشاهير المخترعين، لكنه تعلم الميكانيكا في ورشة والده، والذي كان مبتكرا بدوره ما أسهم في إلهام هنري في حياته المقبلة.
كما برع سريعًا في الاختراع، حيث سجّل أكثر من 100 براءة في مجالات متنوعة كصناعة البلور والطباعة وإنتاج الذخائر.
لكن إنجازه الأعظم كان في مجال التعدين، حيث ساعد العالم على تجاوز أزمة النقص في الفولاذ، الذي كان مطلوبًا بشدة لتطوير السكك الحديدية والجسور والبنية التحتية الصناعية.
ابتكار غيّر العالم: محول بسمر
وفي عام 1856 توصّل بسمر إلى أن ضخ الهواء بقوة في الحديد المنصهر يؤدي إلى حرق الشوائب، مثل الكربون، وتحويلها إلى غازات، ما يرفع درجة الحرارة ويحوّل الحديد إلى فولاذ عالي الجودة.
لكن لتطبيق الفكرة اخترع وعاءً معدنيًا ضخمًا يُعرف بـ"محول بسمر"، والذي يُسكب فيه الحديد المنصهر وتُنفخ داخله كميات هائلة من الهواء عبر فتحات في القاع.
ولاحقا، صنفت "عملية بسمر" كحجر الأساس الذي أطلق العنان للثورة الصناعية الثانية. وهذه العملية قلّصت الكلفة والوقت، وجعلت الفولاذ متاحًا على نطاق واسع، ما أسهم في توسع الصناعات الثقيلة وإنتاج السكك الحديدية والسفن.
إرث يمتد عبر القرون
وفي السنوات التالية، جنى بسمر ثروة كبيرة من بيع حقوق ابتكاره لشركات في أوروبا والولايات المتحدة. وفي تكريم رسمي، منحته الملكة فيكتوريا لقب سير هنري بسمر.
أما اليوم فينظر إليه بوصفه الرجل الذي منح البشرية مادة البناء الحديثة، الفولاذ، وأرسى قاعدة الانطلاق لنهضة صناعية غيرت وجه العالم.