"حزب الله" في عامه الأول بعد الحرب "جراح عسكرية ونزيف شعبي"

mainThumb
"حزب الله" في عامه الأول بعد الحرب: جراح عسكرية ونزيف شعبي

24-09-2025 01:17 PM

printIcon

أخبار اليوم - ​دخل «حزب الله» سنته الأولى بعد الحرب مع إسرائيل مثقلاً بجراح عسكرية وشعبية. فالحزب الذي اعتاد تقديم نفسه كقوة لا تُقهر، ما زال يحتفظ بقدرة مستترة، ولكنها بلا زخم هجومي، حسبما يقول خبراء، في وقت تدفع فيه «البيئة الحاضنة» التكلفة، وتتلقى القيادة الضربات، بينما تتقدَّم إسرائيل بخطوات استخباراتية تجعلها دائماً سابقة للحزب.



من 2006 إلى 2025
منذ حرب يوليو (تموز) 2006، عمل «حزب الله» على بناء ترسانة صاروخية مكَّنته من فرض معادلة الردع، كما كان يقول. ومع الحرب السورية (2011) توسَّع نفوذه مستفيداً من خطوط الإمداد عبر دمشق، ومصنع مصياف الذي شكَّل قاعدة لتصنيع الصواريخ الثقيلة. ولكن سقوط النظام السوري وتبدُّل موازين القوى أضعفا هذا العمق الاستراتيجي، لتأتي حرب 2024 وتستنزف بنيته العسكرية إلى حد التآكل.

بنك أهداف جديد
خلال حرب الإسناد بين 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، و27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وهو تاريخ وقف إطلاق النار، غيَّرت إسرائيل قواعد اللعبة، فبعد استهداف المخازن والراجمات واغتيال القادة الميدانيين، انتقلت إلى قصف منازل تابعة لعناصر الحزب داخل القرى، بعد إنذارات علنية للسكان.

ويقول الخبير في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: إن هذا التحوُّل «رفع التكلفة الاجتماعية بشكل كبير، فالمنازل المدمَّرة والنزوح المستمر تركا البيئة الحاضنة مثقلة بالدمار والمعاناة، ما انعكس مباشرة على وضع الحزب الداخلي والعسكري».


أما العميد المتقاعد سعيد قزح، فيؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما بناه (حزب الله) منذ عام 1985 من قدرة بشرية ضخمة هجومية ودفاعية، وترسانة عسكرية شملت أسلحة متطورة وذخائر وألغاماً ومفخخات وصواريخ وطائرات مُسيَّرة، خسره دفعة واحدة في اليوم الأول من القتال الجدي مع إسرائيل». ويشير إلى أن «الجيش الإسرائيلي أعلن مهاجمة نحو 1800 هدف في البقاع والجنوب والضاحية، جميعها مراكز تخزين أسلحة وذخائر، ما أدى إلى تدميرها كلها».

قيادة مصابة ولوجستيات مشلولة
سلسلة الاغتيالات المركَّزة أصابت «قوة الرضوان» في صميمها، وأضعفت قدرتها على التخطيط للعمليات النوعية. وحسب قهوجي، فإن «الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي بات يشلُّ الحزب بالكامل، ويمنعه من تنفيذ أي عمليات نوعية، ما جعل إسرائيل قادرة على قراءة تحركاته وخطواته بدقة، وهذا ما جعله في حالة عجز استراتيجي لم يعرفها من قبل».

قزح بدوره يوضح أن «عملية (البيجر) أوقعت (قوة الرضوان) في الفخ، بعدما كانت مؤهلة ومدرَّبة على التوغُّل نحو الجليل واحتلال مزارع شبعا وكفرشوبا»، ويرى أن «العملية أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى والمعوَّقين، فأُخرجت هذه القوة من الحساب القتالي».

الصواريخ و«اقتصاد المُسَيَّرات»
مع تراجع القدرة على إطلاق رشقات صاروخية كثيفة بفعل الضربات الاستباقية، لجأ الحزب إلى المُسيَّرات الهجومية والاستطلاعية منخفضة التكلفة، ولكن قهوجي يقدِّر أن «ما تبقى من ترسانة الحزب لا يتجاوز 30 في المائة من الصواريخ القصيرة المدى المصنَّعة محلياً، إضافة إلى بعض المُسيَّرات، وقليل من الصواريخ بعيدة المدى المخزَّنة في السلسلة الشرقية». ويرى أن هذا التحوُّل «لم يشكِّل بديلاً حقيقياً لبناء كتلة نارية مستدامة؛ بل أبقى قدرة الحزب محصورة في الإيلام الموضعي».


قزح من جانبه يشير إلى أن «إسرائيل استمرت في استهداف مراكز الحزب، فدخلت إلى القرى الحدودية ودمَّرتها، وفتَّشت المغاور والأنفاق وفجَّرتها، كما فجَّرت مستودعات الذخيرة في مختلف المناطق اللبنانية». ويضيف: «حتى مصانع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة التي كانت قائمة في سوريا، دمَّرتها عملية إنزال للكوماندوز الإسرائيلي، وذلك قبل سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يشكل الممر الأساسي للإمدادات».

فقدان شرايين الإمداد
ويرى قهوجي أن «سقوط النظام السوري منع الحزب من ترميم وضعه؛ لأن سوريا كانت مركز تصنيع السلاح، وممر عبوره إلى لبنان». ويكشف أنَّ «مصنع مصياف كان المصدر الأساسي لكل الصواريخ الثقيلة، ومع توقفه خسر الحزب ركيزة أساسية في توازنه العسكري». ويضيف أن الحزب «لم يبقَ أمامه سوى تصنيع محدود لصواريخ (الكاتيوشا) و(الغراد) وتجميع بعض المُسيَّرات، إضافة إلى أنفاق قليلة العدد»، مشدداً على أن «أي حرب مقبلة قد تكون الأخيرة».

أما قزح فيلفت إلى أن «سقوط النظام السوري الموالي للحزب وقيام سلطة معادية له، قطعا شريان الإمداد الإيراني بالسلاح والدعم اللوجستي والمالي، وهو ما أفقد الحزب مصدره الأول للتسلح». ويضيف أن «الحزب خرج من معادلة القتال ضد إسرائيل، ولا سيما بعدما اعترف أمينه العام نعيم قاسم شخصياً بسقوط نحو 6 آلاف قتيل و13 ألف جريح ومعاق، أي نحو عشرين ألفاً خارج المعركة العسكرية».

مشهد داخلي متغيِّر
يقول قهوجي: «ما دامت إسرائيل تمتلك اختراقاً استخباراتياً عميقاً، فستبقى دائماً سابقة للحزب بخطوة، وهذا بحد ذاته عامل يرهق الحزب ويؤكد هشاشته». ويضيف: «الوضع الشعبي تغيَّر كثيراً. هناك معاناة مستمرة داخل البيئة الحاضنة. عائلات كثيرة لا تزال خارج بلداتها، ودور كثيرة مدمَّرة، والرأي العام في لبنان انقلب بشكل كبير. قوى كانت حليفة للحزب ابتعدت عنه، وهذا التحوُّل ينعكس مباشرة على وضعه الداخلي والعسكري».

ويتقاطع هذا مع ما يقوله قزح الذي يرى أن «حزب الله» لم يعد يمتلك قدرة قتالية في مواجهة الجيش الإسرائيلي، بعدما فقد شريان الإمداد، وتعرض لضربات قاصمة طالت جميع مخازنه وبناه التحتية، حتى شمال الليطاني؛ حيث دُمِّرت مراكز عسكرية».

ويختم بالقول: «سياسياً، تخلى معظم حلفاء الحزب عنه، وباتوا يدعونه إلى السير بخطة الحكومة لحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وتطبيق الدستور واتفاق الطائف، قبل حتى الوصول إلى تطبيق القرارات الدولية».