أخبار اليوم - أمام خيمةٍ مهترئة نُصبت على عجل، ينهمك سالم أبو شملة (24 عامًا) في تثبيت مرآة صغيرة على عمود خشبي، وبجوارها يرصّ أدوات حلاقة بسيطة انتشلها من بين أنقاض صالونه الذي التهمه القصف في مدينة غزة.
بابتسامة باهتة يقول: "صالوني كان عالمي… اليوم أحاول أن أعيد الحياة بمقصٍّ ومشطٍ للنازحين الذين انتقلوا معي إلى وسط القطاع. الحلاقة لم تعد مجرد مهنة، بل نافذة صغيرة للاستمرار وسط هذا الخراب."
أبو شملة، المعيل الوحيد لعائلته المكوّنة من سبعة أفراد، يجلس والده المريض داخل الخيمة، بينما تساعده والدته في رعاية إخوته الصغار. يقول بصوت متماسك رغم التعب: "ما أجنيه من قصّ الشعر أستخدمه لشراء الدقيق وبعض السلع. قد لا يكون المبلغ كبيرًا، لكنه يمنحنا يومًا إضافيًا من الصمود."
أحيانًا يتقاضى أجرته مالًا، وأحيانًا أخرى يحصل على طعام أو بعض المستلزمات البسيطة بدل النقود. يعلّق مبتسمًا:"هنا لا يوجد سعر ثابت، زبائني يدفعون بما يستطيعون. أعطاني أحدهم علبة حليب لأخي الصغير مقابل حلاقة رأسه، وكنت سعيدًا أكثر من أي يوم في حياتي."
على بُعد أمتار، تفرش أم محمد غنّام (38 عامًا) بعض الملابس المستعملة الفائضة عن حاجتها، وأخرى اشترتها بثمن زهيد من نازحين فقدوا كل شيء وصاروا يبيعون ما تبقّى من ممتلكاتهم. ترتّب القطع بعناية على بساط قديم، وتجلس بجوارها تحت شمس المخيم الحارقة. تقول وهي تراقب المارّة في مخيم النصيرات وسط القطاع: "بدأتُ ببيع بعض ثياب أولادي التي ضاقت عليهم، ثم وجدتُ نازحين آخرين يريدون التخلّص من ملابسهم مقابل ثمن بسيط لشراء الطعام، فاشتريتُ منهم وأصبحتُ أعرضها هنا. كل قطعة تُباع تساعدني على شراء كيس دقيق أو بعض الخضار."
بين الحين والآخر، تلتقط بيديها فستانًا قديمًا وتتمتم: "كل قطعة تحمل قصة… هذه ربما كانت في عُرس، وتلك في عيد. لكن الآن لا مجال للذكريات، الأولوية للبقاء."
غنّام، التي نزحت مع زوجها وأطفالها الخمسة بعد تدمير منزلهم، أصبحت تعتمد كليًا على هذا السوق البدائي الذي نشأ بين الخيام. تضيف بحسرة: "لم أتخيّل يومًا أن أجلس على الأرض وأبيع الثياب المستعملة، لكننا هنا جميعًا مجبرون أن نخلق لأنفسنا مصدرًا للرزق. الحياة لا تتوقف حتى في أصعب الظروف."
في ركن آخر، يتصاعد دخان نار يشعلها أبو ياسر أبو حامدة (50 عامًا) تحت قدرٍ كبير، ينهمك في تحريك خليط من السمن والسكر والسميد بيديه المتعبتين ليعدّ ما تيسّر من الحلويات الشعبية التي اعتاد صنعها في متجره الصغير قبل أن يدمّره القصف.
يقول وهو يرفع الغطاء ليتفقّد ما بداخله: "كنتُ أملك دكانًا بسيطًا للحلويات في غزة، كان الناس يقصدونني في الأعياد والمناسبات. اليوم لم يبقَ من محلي سوى هذا القدر وبعض الأدوات التي أنقذتها من تحت الركام."
يجلس حوله مجموعة من الأطفال بعيون متلهّفة يتابعون خطواته بفضول، فيبتسم ويضيف: "فكّرتُ أن أصنع الحلوى هنا. صحيح أن الظروف صعبة، لكن الناس بحاجة إلى شيء يخفّف عنهم مرارة النزوح. قطعة حلوى صغيرة قد تعيد البسمة لطفل."
فلسطين أون لاين