أخبار اليوم - يجبر الاحتلال عائلات من سكان مدينة غزة وشمال القطاع على النزوح نحو وسط وجنوب القطاع، وسط ويلات الدمار والقصف الإسرائيليين، في مشهد تراجيدي متكرر.
المحطة الأولى التي تستقبل هؤلاء النازحين هي تبة النويري غرب مخيم النصيرات وسط القطاع، نقطة الانطلاق نحو المجهول، حيث يصل القادمون محملين بكل ما يملكون من أمل وخوف.
تصل العائلات متهالكة، تحمل علامات الألم والتعب على وجوههم، تتخللها آثار الفقد والإنهاك. بعضهم يمشي على الأقدام، آخذين خطوات متثاقلة نحو مكان ما، بينما يستقل آخرون شاحنات قديمة أو مجرورة، محملة بالأثاث والأغراض المنزلية، وكأنهم يحاولون نقل بيوتهم معهم وسط الحطام.
كبار السن ومرضى ينتظرون المساعدة، يئنون من التعب وحرارة الشمس، فيما يختبئ الأطفال بين ذراعي آبائهم، تحمل عيونهم براءة مرهقة وحيرة.
كل عائلة تحمل معها ما تبقى من حياتها السابقة، من غرف خشبية وأسرّة وملابس وأدوات بسيطة، مدركين أن الاحتلال قد يدمر كل شيء في أي لحظة. هناك من لا يستطيع مواصلة الرحلة فيستقر على الأرض مع أفراد أسرته كما حدث مع المسنة أم بهجت فنونة، بينما ينصب آخرون خيامهم على جنبات الطرق أو على امتداد شاطئ البحر، محاولة خلق مأوى مؤقت وسط الفوضى.
وصل الرجل الخمسيني أبو عبد الله مع ابنه إلى تبة النوري، محملين بجزء من أثاثهما، تاركين خلفهم باقي أفراد العائلة في منطقة العامودي بمدينة غزة. قال لصحيفة "فلسطين": إن قدومه كان لتأمين مكان مؤقت للعائلة بعد تلقي تهديد عبر الهواتف الخلوية من جيش الاحتلال بضرورة إخلاء المنطقة، مؤكداً أنه أخذ معه الأغراض الضرورية فقط، إذ لم يكن بالإمكان نقل كل ممتلكاتهم بسبب الازدحام الشديد وكثرة النازحين. اضطر الرجل لنصب خيمته على شاطئ البحر، لكنه يخشى وصول النيران إليه.
على جانبي الطريق، يتجلى مشهد الإنسانية في أبسط صورها، حيث يقدم متطوعون ومؤسسات خيرية الأطعمة والمياه والمساعدات الأساسية، محاولين تخفيف وطأة المعاناة ولو قليلًا. صوت البكاء يختلط بالهمسات، وصرخات الأطفال المتعبة تتقاطع مع هدير الشاحنات القادمة من خلفهم، وصدى خطوات المشاة على الرمال والغبار.
في خضم المعاناة، يحاول بعض النازحين وبعض الموجودين في المنطقة الاستفادة من الوضع ببيع الأطعمة والمشروبات. في الطريق المؤدي إلى البحر تواجه المركبات والشاحنات النازحة توقفات فجائية نتيجة نفاد الوقود أو تعطل المحركات تحت وطأة الرحلة الطويلة والمزدحمة. هذه التوقفات المتكررة تسبب إرباكًا كبيرًا وتزيد من الضيق والتوتر لدى العائلات التي تنتظر بفارغ الصبر الوصول إلى أماكن مؤقتة، بينما يحاول السائقون والمواطنون التعامل مع الوضع بطرق بدائية، محاولين إعادة تشغيل المركبات أو ترتيب الأمتعة لضمان استكمال الرحلة، كما حدث مع النازح إسلام أبو شملة الذي انتظر قرابة ساعة بسبب تعطل الشاحنة في موقع النقل، بينما ظلت متوقفة دون حركة، ما زاد من معاناته وتأخير وصوله.
فيما يحاول النازحون البحث عن مأوى مؤقت، يقف مصورون فوتوغرافيون ومصورون تلفزيونيون يوثقون مشاهد المعاناة اليومية للنزوح، إلا أن عملهم ليس سهلاً. فهم يعيشون حالة من التوتر والخوف الدائم، إذ تتكرر حالات استهداف الإعلاميين في الميدان كما حدث مع زملائهم في السابق، ما يجعلهم مضطرين للتصرف بحذر شديد أثناء التغطية. بعضهم يختبئ خلف الخيام أو المركبات ويختار الزوايا البعيدة لتصوير المشاهد، بينما يتنقل آخرون بسرعة بين الطرق المزدحمة، محاولين تسجيل كل لحظة دون أن يكونوا عرضة للخطر.
المشهد يجمع بين أبعاد إنسانية واقتصادية ولوجستية، حيث يعكس النزوح حجم المعاناة اليومية، هشاشة الوضع المالي للنازحين، وصعوبة الرحلة، مع بروز بصيص من التضامن الإنساني في محاولات المساعدة من المتطوعين والمؤسسات الخيرية.
فلسطين أون لاين