أخبار اليوم - على جانب رصيف بحري وسط قطاع غزة، يفترش عماد حسونة وعائلته الممتدة الأرض ويلتحف السماء منذ أن نزح قسرا من مدينة غزة قبل أسبوع، تحت كثافة نيران الاحتلال التي قتلت اثنين من أحفاده.
في العراء، تتكوم الحاجيات الشخصية للعائلة، التي سدت سبل ممارسة الحياة اليومية أمامها، في انتظار أن تجد مكانا تقيم فيه خيمة، دون جدوى، وهو أيضا حال العائلات التي أجبرها الاحتلال على النزوح من مدينة غزة إلى وسط وجنوب القطاع.
"وصلنا يوم الإثنين واستغرقنا ثلاثة أيام في البحث شرقا وغربا عن مكان حتى وصلنا إلى شارع صلاح الدين، نستجدي ولو قطعة أرض 40 مترا بمقابل مالي لإيواء الأطفال والنساء وحفيدي الجريح، لكننا فشلنا"، يشرح حسونة لـ "فلسطين أون لاين" مأساة عائلته.
يتكئ الرجل الخمسيني على سيارته العتيقة التي تعج ببعض الفراش الذي جمعه بالكاد، متابعا: جميع الأماكن مكتظة ومحجوزة (...) ننام على الرصيف، نضطر إلى ممارسة تفاصيل الحياة اليومية من إعداد الخبز أو تناول الطعام أو الوضوء والصلاة هنا، في الشارع.
وتتكون عائلة حسونة من أسرته، وأسرة ابنته المتزوجة، ويبلغ عدد أفرادها 13 معظمهم نساء وأطفال. ولشدة يأسه من إيجاد مكان يؤويها، يقول: لم نعثر حتى على مكب نفايات ننظفه ونقيم فيه.
وقبل تكثيف الاحتلال عدوانه على مدينة غزة برا وجوا وبحرا، في أغسطس/آب كان حسونة نازحا مع عائلته من حي التفاح إلى حي الرمال، حيث أقام هناك خياما لإيوائها، متطلعا إلى العودة لمنطقة سكنه، رغم شدة الدمار الذي أصابها.
لكن العائلة كانت قبل 12 يوما ضحية لجريمة إسرائيلية، حينما سقطت طائرة مسيرة على خيمة نجله، وأدت إلى ارتقاء اثنين من أبنائه وإصابة ثالثهما في قدميه.
يمسك حسونة دموعه، قائلا: سقطت طائرة حربية إسرائيلية بدون طيار على خيمتنا وسط مدينة غزة، يقدر كل من طولها وعرضها بثلاثة مترات، حولت اثنين من أحفادي إلى أشلاء. لقد أمسكت مخ أحدهما بيدي.
ويخضع حفيده الثالث حاليا للعلاج في أحد المستشفيات الميدانية في وسط القطاع.
ويعود حسونة، إلى اللحظات التي أجبر فيها على النزوح من مدينة غزة، قائلا: عمق الاحتلال اجتياحه، وباتت شظايا القذائف والصواريخ تصلنا، وكانت المنطقة خطرة، وكذلك الطريق التي سلكناها لمحاولة النجاة بأنفسنا، وبعضنا سار على قدميه للوصول إلى وجهة النزوح الجديدة.
وفي بداية حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمر الاحتلال منزل عائلة حسونة في شارع صلاح الدين، وكذلك في حي التفاح، وطال القصف أيضا شقة ابنته التي لم تسدد أقساطها بعد.
"مسح كل ذلك وسوي بالأرض. لم نستطع انتشال قطعة خشب واحدة، وجمعنا بعض الفراش وأدوات المطبخ من هنا وهناك"، يتابع حديثه.
وحتى خيمته التي كانت تؤويه في حي الرمال، أقامها هناك بالكاد، لتعطله عن العمل بسبب ظروف حرب الإبادة الجماعية.
وفي بداية حرب الإبادة، رفض حسونة الاستجابة لأوامر التشريد القسري التي ألقاها جيش الاحتلال على أهالي مدينة غزة، ونزح داخلها مرارا.
وكان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في يناير/كانون الثاني، بارقة أمل للرجل، لكن انقلاب الاحتلال على الاتفاق في مارس/آذار وتكثيف عدوانه، أجبر حسونة أخيرا على النزوح إلى وسط القطاع.
يقول: حول الاحتلال حي التفاح إلى كومة من الركام والحجارة، لا تستطيع قدماي أن تطأ منطقة سكننا.
ويدحض حسونة مزاعم الاحتلال عن وجود مناطق "إنسانية وآمنة" وسط وجنوب القطاع، قائلا: "الوضع صعب في كل مكان. لا توجد منطقة آمنة".
ويتابع: الاحتلال يوهم ويضلل الناس بمطالبتهم إلى النزوح إلى جنوب القطاع. هل يمكن لهذه المنطقة الضيقة أن تستوعب أكثر من مليوني مواطن؟ بالطبع لا.
ويؤكد أن الغزيين لا ينتظرون أي خدمات مزعومة من الاحتلال، ويريدون أن يبقوا في مناطق سكنهم.
وردا على مزاعم الاحتلال بتوفر المياه، يقول: نستخدم مياه البحر، نغسل ونتوضأ بها، ونناضل لتعبئة جالون واحد من مياه الشرب، وغالبا لا نستطيع.
واقع مرير
تعكس معاناة عائلة حسونة واقعا مريرا ترزح في غياهبها العائلات النازحة قسرا من مدينة غزة، التي تتعرض منذ أغسطس/آب لعملية احتلال في خضم حرب الإبادة الجماعية.
ويُفاقم الاحتلال معاناة النازحين، في ظل انعدام المساحات في الجنوب وانتشار الخيام بين المكاره الصحية وعلى الطرقات مع تفاقم أزمة إنسانية خانقة، وفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي، الخميس.
ويندرج ذلك -بحسب البيان- ضمن جريمة التهجير القسري التي يواصل الاحتلال تنفيذها ضد السكان المدنيين، والتي أدت إلى انهيار غير مسبوق في الواقع الإنساني.
ويحدث ذلك، في ظل امتلاء محافظات الوسطى والجنوب، وخاصة منطقة المواصي، حيث لم تعد هناك أي مساحات فارغة تستوعب المزيد من النازحين.
ويأتي هذا الاكتظاظ الشديد للنازحين، في ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، فيما يتفاقم الوضع نتيجة الارتفاع الجنوني في أسعار النقل والمواصلات، إلى جانب انعدام وجود خيام جديدة بالتزامن مع إغلاق المعابر ومنع الاحتلال إدخالها.
ويشهد القليل المتوفر من هذه الخيام ارتفاعا حادا في الأسعار بشكل يفوق قدرة المواطنين المنهكين.
وعلى الصعيد الأمني، يشهد الوضع تدهورا ملحوظا نتيجة اتباع الاحتلال سياسة "هندسة الفوضى"، ودعمه العصابات الإجرامية بالسلاح والغطاء الناري، ما يضاعف المخاطر على النازحين ويهدد سلامتهم واستقرارهم، بحسب بيانات حكومية رسمية.
وتستمر في الوقت نفسه الاستهدافات التي ينفذها الاحتلال ضد النازحين خلال حركتهم نحو الجنوب حيث استقبلت ما تبقى من مستشفيات الجنوب مئات النازحين الذين استهدفهم الاحتلال خلال رحلة نزوحهم.
ووفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في 24 من الشهر الجاري، فإن أكثر من 900 ألف ما زالوا صامدين في المدينة فيما بلغ عدد النازحين نحو الجنوب 335 ألفا.
مثقلا بأعباء يعجز عن تحملها، يقول حسونة: لعل وعسى، أن أتمكن من إدارة السيارة إلى اتجاه مدينة غزة وأن أعود إلى منطقة سكننا.
ويجسد ذلك إرادة الأهالي الذين أنهكهم النزوح القسري المتكرر، ويأملون وقف حرب الإبادة، ويتشبثون بأرضهم، رافضين مخططات التهجير القسري الاحتلالية.
فلسطين أون لاين