ماذا يجري في الفاشر وما تأثيره على مستقبل الحرب في السودان؟

mainThumb
ماذا يجري في الفاشر وما تأثيره على مستقبل الحرب في السودان؟

26-10-2025 03:46 PM

printIcon

أخبار اليوم - قالت قوات الدعم السريع اليوم الأحد إنها سيطرت على مقر قيادة الجيش في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر مدينة رئيسية يسيطر عليها الجيش في إقليم دارفور غربي البلاد.

وجاء هذا الإعلان بعد أيام من المعارك العنيفة في محيط الفرقة السادسة مشاة، دفعت الجيش السوداني إلى الانسحاب من بعض المواقع لأسباب تكتيكية، وفقا لمصدر في الجيش السوداني تحدث للجزيرة.

ويشكل ذلك تطورا لافتا في سير المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع المستمرة في السودان منذ أبريل/ نيسان 2023، نرصد سياقه ونستشرف تداعياته عبر العناصر التالية:

ماذا حدث في الفاشر؟
وفقا لورقة للباحث عبد القادر محمد علي صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، سادت حالة من السلام الهش حول الفاشر عقب اندلاع الحرب الحالية في السودان نتيجة تفاهمات غير مكتوبة مستندة على الحياد الذي تبنَّته الحركات المسلحة الدارفورية، وإعلان القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن الفاشر "خط أحمر"، وأنها ستخوض حربًا على قوات الدعم السريع إذا تم تجاوز هذا الخط.

واستمرت الهدنة الهشة لعدة أشهر قبل أن يتصاعد التوتر نتيجة عدد من التطورات، منها انحياز بعض الحركات الدارفورية إلى جانب الجيش، وقيام حركة تحرير السودان (مني أركو مناوي) وحركة العدل والمساواة (جبريل إبراهيم) بجهود تجنيد واسعة النطاق للمساهمة في "دحر مليشيا الدعم السريع".

وفي 14 أبريل/نيسان 2024، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة مليط الإستراتيجية شمال شرق الفاشر والرابطة لشمال دارفور بليبيا، مما يعني قدرة هذه القوات على شق طريق إلى ليبيا للحصول على الدعم والإمدادات.

وفي مايو/أيار 2024، انفجر "الصراع الحتمي" حول السيطرة على مدينة الفاشر، حيث تبادلت كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بإشعال فتيل المعركة.

وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر منذ ذلك التاريخ، مانعة دخول المساعدات الإنسانية، ومسببة أزمة غذائية طاحنة وعجزا في توفير المياه والرعاية الصحية في المدينة التي يقطنها نحو 250 ألف نسمة.

وعقب سيطرة الجيش على العاصمة الخرطوم في مارس/آذار الماضي، صعدت قوات الدعم هجماتها على مواقع الجيش السوداني في الفاشر.

واستهدفت قوات الدعم السريع المدينة بالمدفعية وهجمات متكررة بالمسيرات، وشملت الغارات أحياء في المدينة ومخيمات نزوح. وتسببت تلك الهجمات في مقتل وإصابة مئات المدنيين.

وفي ظل تلك الأوضاع شهدت المدينة انهيارا للخدمات الإنسانية، وتوقفت المطابخ الخيرية (التكايا)، وتأثرت أغلب المستشفيات بالقصف مسجلة نقصا فادحا في الأدوية والمستلزمات.

ويتهم الجيش السوداني قوات الدعم بالاستعانة "بأعداد كبيرة من المرتزقة القادمين من كولومبيا وتشاد وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى".

ما أهمية الفاشر؟
تعد الفاشر واحدة من المدن التاريخية المهمة في السودان، والمركز التاريخي الرئيسي للحكم في دارفور، ونقطة ارتكاز رئيسية لانطلاق قوافل الإغاثة إلى ولايات دارفور الخمس.

وتزايدت أهمية دارفور بعد فقدان قوات الدعم السطيرة على العاصمة الخرطوم وبعض المدن السودانية الأخرى، وكانت السيطرة عليها خطوة مهمة لقوات الدعم من أجل بسط سيطرتها على آخر ولاية من ولايات إقليم دارفور الخمس.

وباعتبارها عاصمة ولاية شمال دارفور، فإن الفاشر هي المركز الإداري للولاية حيث تستضيف المؤسسات والمكاتب الحكومية وقيادة الفرقة السادسة بالجيش، كما أنها مركز تعليمي وصحي يضم العديد من المؤسسات التعليمية بما في ذلك جامعة الفاشر، وتحتوي المدينة على المرافق المتعلقة بالخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية التي تلبي احتياجات سكان المدينة والنازحين إليها.

وتشغل الفاشر 57% من إجمالي مساحة دارفور الكبرى، مما يمنحها موقعا إستراتيجيا، حيث يحدها من الشمال الغربي والغرب كل من ليبيا وتشاد على التوالي، كما أنها تحادي سبع ولايات سودانية وتربطها طرق حيوية بأربع ولايات والخرطوم.

وتمثل المدينة المركز الاقتصادي النابض في شمال دارفور، وتشتهر المناطق المحيطة بها بإنتاجيتها الزراعية في محاصيل كالدخن والذرة والفول السوداني، بجانب تربية الماشية، إذ تملك المنطقة ثروة هائلة منها، كما تعد المدينة السوق المركزي لأبناء الولاية، إلى جانب كونها نقطة عبور نشطة للبضائع من وإلى السودان نتيجة مجاورتها لكل من ليبيا وتشاد.

ماذا بعد سطيرة الدعم السريع؟
تعد السيطرة على الفاشر انتصارا سياسيا مهما لقوات الدعم السريع وتعزز المخاوف من تقسيم البلاد عبر تمكين قوات الدعم من فرض سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور المترامي الأطراف الذي تساوي مساحته مساحة فرنسا.

كما ستشكل السيطرة على الإقليم تعزيزا للحكومة الموازية التي شكلتها قوات الدعم في صيف هذا العام، واختارت الإقليم مقرا لها.

وحذّر نشطاء من أن استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر سيؤدي إلى هجمات عرقية، كما حدث عند سيطرتها على مخيم زمزم جنوبا.

وقالت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي إنها تسهّل خروج المدنيين والمقاتلين المستسلمين من المدينة، لكن أولئك الذين غادروا الفاشر أبلغوا عن عمليات سطو واعتداءات جنسية وقتل على يد جنود قوات الدعم على الطريق.

وتشير بيانات من الأمم المتحدة إلى فرار أكثر من مليون شخص من الفاشر خلال حصارها من قوات الدعم السريع المستمر منذ 18 شهرا. وتشير تقديرات إلى أن ربع مليون مدني لا يزالون فيها.

وتواجه قوات الدعم السريع وحلفاؤها اتهامات بالمسؤولية عن موجات من أعمال العنف بدوافع عرقية في دارفور خلال الحرب، وخلصت الولايات المتحدة العام الماضي إلى أن تلك القوات ارتكبت إبادة جماعية. وتنفي قيادتها إصدار أوامر بمثل هذه الهجمات، وتقول إن الجنود المارقين المخالفين للأوامر سيمثلون للعدالة.

وتنفي قوات الدعم السريع استهداف المدنيين، وزعمت في بيان صدر يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن مدينة الفاشر "خالية من المدنيين"، وأضافت أن الجيش والقوات المتحالفة معه "يتخذون من المستشفيات والمساجد ثكنات عسكرية ومنصات انطلاق صاروخية".