هذه هي السياسة ولا يمكن أن تبقى تقول للرئيس السوري الجديد إنه كان جهاديا ولقبه أبو محمد الجولاني، فقد تغير كل شيء في دمشق.
يلتقي الرئيس السوري غدا في واشنطن الرئيس الأميركي، وواشنطن ولندن ترفعات العقوبات عنه وعن مسؤولين آخرين، والرئيس ذاته يلتقي سابقا ترامب في الرياض، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويشارك في القمم العربية، ويستقبله زعماء عرب وأجانب، بمعنى أن الرجل باتت كل الأبواب مفتوحة له.
في السياسة يتغير كل شيء، لأن الرئيس الحالي يدرك أنه لو بقي كما كان لما بقي رئيسا حتى الآن، لأن العالم عبارة عن شبكة تصطاد وتخنق أي شخص أو دولة تخرج عن سياقات محددة، ولدينا أدلة كثيرة على دول ورؤساء دفعوا كلفة الخروج عن السياقات.
خصوم الرئيس يسربون المعلومات ضده ليل نهار، ولا يدركون ان الواقع تغير، خصوصا، جماعة الأسد الذين يريدون حرق سورية ليثبتوا أن ما بعد الأسد خراب، ومعهم الجماعات العرقية والمذهبية التي تعتقد أن النظام سيكون ضدها، وتتناسى أن النظام السابق فتك بالسوريين تحت عنوان يقول إنه في مواجهة مع تل أبيب، وهي إن صحت كمواجهة إلا أنها أديرت بشكل كارثي أدى إلى تشريد ومقتل ملايين السوريين، وتدمير اقتصاد سورية، والوصول الى تشظية داخلية يحاول أنصارها تثبيتها اليوم نتيجة لتاريخ من المظالم، ونسبها إلى النظام الجديد في جرأة واضحة قائمة على التزييف.
هناك واقع جديد في سورية، سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، ولا أحد يعرف أين المآلات النهائية، إلا أن المؤكد أن كل شيء قد تغير إلى درجة أن الأميركيين يسربون معلومات حول احتمال بناء قاعدة أميركية قرب دمشق، فيما نرى الإسرائيليين يتقدمون في جنوب سورية، وهذا واقع نتج عن انهيارات تواصلت لأكثر من 14 سنة، وجاءت ذروته لتظهر في 2025، فإما يقف الرئيس السوري ضد ما يجري كليا ويتم إغلاق كل الأبواب في وجه النظام الجديد، واستهدافه بطرق مختلفة، أو يحاول الوصول إلى تسوية وسطى تجنب سورية أي تراجعات، وتسمح لدمشق باستعادة حياتها.
أبرز أزمات سورية الجديدة تكمن في الإعلام، إذ إن صناعة السمعة في سورية منفلتة ويتحكم بها مؤثرون شعبيون مع ضعف حكومي موروث من العهد السابق، وإطلالات هنا وهناك تشوّه سورية داخليا، بما يفرض على النظام الجديد تغيير طريقته في التعامل مع الإعلام، وإدارته لأن السمعة هنا هي التي تعزز الاستقرار وتجلب الاستثمار، وتحض الأشقاء السوريين على العودة وتوفر مكانة إيجابية للبلاد في نظر العرب والأجانب، خصوصا، إذا ارتبطت صناعة الإعلام هنا بواقع معيشي يتحسن، وبمعايير حياتية تراعي حقوق الانسان، والعدالة، والنظام، ولا تسمح باستقواء أحد على آخر.
هناك ملفات عالقة في الإعلام بحاجة إلى معالجة من اللجوء الى الجماعات الجهادية وصولا لتفلت كثير من السوريين للحديث عن مظالم الطوائف، بدلا من الكلام عن هموم وطن واحد، والاعلام هنا ليس مجرد ترف دعائي، بل بوابة للوصول الى منصات أعلى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالإعلام من أدوات تثبيت أي مرحلة.
ما يقال هنا صراحة إن سورية تغيرت، وكل الحملات السياسية والإعلامية لا تنفي هذه الحقيقة، ونحن في العالم العربي وجوار سورية أمام واقع جديد يتوجب التعامل معه، والإدراك إن التنابز بالألقاب لا يغير الواقع، فالرئيس هو الرئيس، والتحول في شخصه لا يختلف عن التحول في سورية ذاتها، حتى لا نبقى أسارى للماضي.
ما نتمناه لسورية الجديدة العبور نحو الأمان، والذين يطيلون ألسنتهم على الرئيس وعلى من حوله وحواليه، لم نسمع ربع نقدهم هذا بحق النظام السابق حين كان موجودا، وكأن الجرأة انتقائية وثأرية أيضا.