أخبار اليوم - يبدأ مزارعو وادي الأردن موسمهم الزراعي بمواجهة أزمات متفاقمة وخسائر كبيرة تضاعف معاناتهم وتبدد آمالهم في النهوض.
فعلى خلاف التوقعات تشهد أسعار بيع المنتوجات الزراعية تراجعا حادا، مرده ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الإنتاج في المناطق الشفوية والأسواق التصديرية المستهدفة.
القطاع الحيوي بات مهددا بالانهيار في ظل استمرار تحديات التسويق وارتفاع كلف الإنتاج وتراكم الديون، إضافة للنقص الحاد بمياه الري بسبب تأخر الهطول المطري.
تراجع الأسعار وفشل آمال الانتعاش
بالرغم من التفاؤل بعودة الحركة التجارية على الحدود الأردنية السورية التي كانت تعد شريانا رئيسا للتصدير، فإن المؤشرات لهذا الموسم لم تشهد أي تحسن ملموس على صعيد أسعار البيع، وفق مزارعين، مؤكدين أن جميع المحاصيل ما تزال تباع بأقل من أسعار الكلفة، ما يضعهم في دائرة الخسارة المستمرة.
ويشير المزارع أحمد العبادي إلى أن الوضع مرشح للتفاقم مع ارتفاع الإنتاج المتوقع خلال ذروة الموسم الزراعي، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة حجم الخسائر، وقد يدفع بالعديد من المزارعين إلى التوقف عن قطاف محاصيلهم لتجنب المزيد من التكاليف.
ويحذر من أن تداعيات هذا الوضع ستمتد للموسم القادم، حيث سيفضل عدد كبير من أصحاب الأراضي تركها بورا أو تأجيرها لكون زراعتها باتت تكبدهم خسائر مؤكدة.
ويشاركه الرأي المزارع وليد الفقير قائلا:" اعتدنا خلال الموسم الماضية أن نبدأ الموسم بانطلاقة مثالية، فالأسعار عادة ما تكون الأفضل خلال الموسم نتيجة قلة الإنتاج مقارنة بالطلب المتزايد على أصناف الخضار كالخيار والكوسا والباذنجان والفلفل بأنواعه، " موضحا أن الموسم الحالي جاء مغايرا تماما، فرغم أن الإنتاج ما يزال في بدايته فإن أسعار البيع أقل بكثير من كلف الإنتاج، ما كبدهم خسائر كبيرة في وقت هم بأمس الحاجة للمضي قدما.
ويؤكد المزارع محمد العجوري أن محاولتة تغيير نمط الزراعة إلى الورقيات لم تنجح، وما تزال أسعار البيع لا تغطي الكلف، وغالباً ما يدفع المزارع أجور العمال وأثمان النقل من جيبه الخاص.
ويوضح المزارع إبراهيم التعامرة أن الكميات المنتجة حاليًا رغم قلتها فإنها تزيد على حاجة السوق المحلي بسبب انعدام حركة التصدير، وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطن الأردني، ما أدى إلى تدني الأسعار.
معيقات مزمنة تقف "حجر عثرة"
يوضح رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام بأن استمرار الأوضاع الحالية ينذر بآثار "كارثية"، مشيرين إلى أن المخاطر والمعيقات التي تواجه المزارعين ما تزال تتفاقم عاما بعد عام بدءا من التسويق إلى فائض الإنتاج وتدني الأسعار.
ويتابع قائلا: " لطالما كانت مشكلة التسويق هي العائق الأكبر الذي يعترض طريق المزارع، فغياب حركة التصدير للأسواق الخارجية وعدم قدرة السوق المحلي على استيعاب كامل الإنتاج أدى إلى نتائج غير محمودة طوال المواسم الماضية، " مبينا أن القطاع الزراعي يتجه في نفق مظلم ما لم يتم البدء في إنعاشه ووضع خطط لترميم ما تضرر منه وخصوصا قضية المديونية الأبرز والأكثر إلحاحا مع بدء الموسم.
ويلفت الخدام إلى أن القطاع الزراعي ورغم المعيقات كارتفاع كلف الإنتاج والنقل والتسويق ونقص مياه الري فإنه بقي مكافحاً وصامدا، وإن هذا الصمود لن يطول إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، مطالبا بجدولة قروض مؤسسة الإقراض الزراعي وإعفائهم من الفوائد السابقة، منوها إلى أن الوضع الحالي ينذر بآثار طويلة المدى، إذ سيفضل عدد كبير من أصحاب الأراضي تركها بورا أو تأجيرها لأن زراعتها باتت تكبدهم خسائر مؤكدة، مما سيتسبب في تراجع هائل في المساحات المزروعة.
ويرى المزارع إبراهيم التعامرة أن الكميات المنتجة حاليا على قلتها، تزيد على حاجة السوق المحلي، ما أدى إلى تدني أسعار البيع في ظل انعدام حركة التصدير وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطن الأردني، مشيرا إلى أن ارتفاع كلف الإنتاج وأجور الأيدي العاملة والنقل، جميعها تحديات آنية قد لا يستطيع المزارع تحملها في ظل الأسعار الحالية.
تأخر الهطول المطري.. جفاف وآفات تزيد الأعباء
يقول المزارع ناصر كامل: "المياه المسالة لنا من القناة بالكاد تكفي، ومع ارتفاع درجات الحرارة نحتاج لكميات مضاعفة لإنقاذ الزراعات الجديدة،" مضيفا: "المشكلة أن المياه الجوفية تزداد ملوحتها كلما تأخر المطر، وهذا يدمر المحاصيل.
ولم يعد بإمكان صغار المزارعين مثلي الاستمرار، فكلفة رش المزرعة أسبوعياً بين 200 إلى 400 دينار، وهذا يفوق قدرتنا على التحمل في ظل أسعار البيع الحالية".
ويرى الخدام أن تأخر الموسم المطري وارتفاع درجات الحرارة من بين تحديات جديدة تهدد هذا القطاع الذي يعاني أصلا من شح الموارد المائية، موضحا أن تأخر الهطل المطري يهدد شح مياه الري وتراجع المخزون الإستراتيجي في السدود، ويزيد من خطر تملح الآبار الجوفية التي تعد بديلاً حيويا لنقص مياه الري.
ويضيف، أن الأضرار المباشرة لتأخر الموسم المطري تتمثل بانتشار الآفات، إذ يسهم الجو الجاف والدافئ في انتشار الآفات الحشرية والأمراض كالديدان والعناكب والذبابة البيضاء والحمراء ما يضطر المزارع إلى تكرار عمليات الرش بالمبيدات، بكلف باهظة تتراوح بين 200 إلى 400 دينار أسبوعياً للمساحات المتوسطة، وهو أمر يرهق صغار المزارعين ويعجزهم عن توفير أثمان المبيدات.
تحذيرات ودعوات للإنقاذ
يحذر المزارعون من أن المواسم المقبلة ستشهد تراجعاً هائلاً في المساحات المزروعة إذا لم تتدارك الحكومة الأمور وتتدخل عاجلاً، خاصة فيما يتعلق بأسعار مستلزمات الإنتاج والعمالة الوافدة والمديونية. يؤكد رئيس الاتحاد أن استمرار تردي أوضاع القطاع ستنعكس بشكل مباشر على استمرارية وديمومة القطاع وقدرته على توفير لقمة العيش لآلاف المواطنين، والمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد الوطني من خلال تراجع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. ويرى تاجر المواد الزراعية نواش اليازجين أن الوضع الحالي للقطاع الزراعي في وادي الأردن لا يهدد فقط سبل عيش الآلاف من الأسر، والعديد من القطاعات المتشابكة مع القطاع الزراعي الأمر الذي يتطلب إيجاد حلول عاجلة.
ويقول: " تتحمل الحكومات الجزء الأكبر من المشكلة من خلال العمل فتح الأسواق الجديدة ودراسة الفرص التجارية، وتشجيع الاستثمار في قطاع التسويق والحد من الارتفاع الكبير بأسعار مستلزمات الإنتاج والأيدي العاملة،" مؤكدا أن الوضع الحالي للقطاع الزراعي في وادي الأردن يمثل تهديدا خطيرا لاستدامة الأمن الغذائي الوطني ويستوجب تدخلا حكوميا عاجلا وجذريا لتمكين المزارعين من الصمود.
ارتفاع درجات الحرارة وتداخل المواسم
من جانبه يؤكد مدير السوق المهندس أحمد الختالين أن أسعار الخضار شكلت ضربة قاصمة للمزارعين مع بدء إنتاج الموسم الزراعي في وادي الأردن، عازيا ذلك إلى تضارب الموسمين الغوري والشفوي والذي تسبب بزيادة الإنتاج في الأسواق، وانعدام التصدير إلى الأسواق الخارجية.
ويبين أن استقرار درجات الحرارة على ارتفاع كان له دور أساسي في ارتفاع الإنتاج الخضري في وادي الأردن واستمرار الإنتاج في المناطق الشفوية، والذي أدى إلى زيادة بالعرض مقابل الطلب وبالتالي انخفاض الأسعار، موضحا أن التغير المناخي وما رافقه من ارتفاع بدرجات الحرارة وتأخر الأمطار أبقى على الإنتاج في دول الجوار التي تعد أسواقا رئيسة للمنتوجات الأردنية خلال الفترة الحالية.
(الغد)