الأردنيون: سنشتري الزيت بالكيلو

mainThumb
الأردنيون: سنشتري الزيت بالكيلو

17-11-2025 06:31 PM

printIcon


أخبار اليوم - يتعامل الأردنيون هذا الموسم مع زيت الزيتون كسلعة «فاخرة» لا كجزء أساسي من مائدة البيت، إلى حدّ أن كثيرين باتوا يتحدثون بمرارة عن نية شراء الزيت بالكيلو وليس بالتنكة، في سابقة تعكس حجم الفجوة بين دخل الأسر وأسعار المادة التي تعدّ جزءًا من الهوية الغذائية والاجتماعية في البلاد.

في أحاديث الناس هذه الأيام ترد جملة واحدة تتكرر بصيغ مختلفة: «ما حدّ مشتري تنكة السنة»، في إشارة إلى أن ارتفاع الأسعار إلى مستويات تقارب 110–120 دينارًا للتنكة في بعض المناطق جعل الكثير من العائلات تؤجل الشراء، أو تكتفي بكميات محدودة تضبط استهلاكها بدقة، بعدما كانت التنكة تدخل البيوت بكثرة وتوزَّع على الأقارب والأبناء.

المقارنات مع الدول المجاورة حاضرة بقوة في النقاش؛ إذ يتحدث أردنيون عن أسعار أقل في سوريا، ويورد بعضهم أرقامًا تتراوح بين 40 و70 دينارًا للتنكة في المعاصر هناك، مع اختلاف الآراء حول دقة هذه الأرقام وحقيقة تكاليف النقل والجمرك وهوامش أرباح التجار عند وصول الزيت إلى السوق الأردنية. البعض يقدّر أن التنكة إذا استوردت بسعر منخفض يمكن أن تباع للمستهلك بنحو 140 دينارًا بعد احتساب كل التكاليف، معتبرين أن النتيجة واحدة: الزيت باهظ في كل الأحوال مقارنة بقدرة المواطن.

في المقابل، يذكّر آخرون بفارق سعر العملة وتكاليف الإنتاج، ويرون أن الحديث عن «زيت رخيص» في دول الجوار يحتاج إلى واقعـية؛ فالسعر الذي يبدو منخفضًا بالدينار الأردني قد يكون رقمًا كبيرًا في اقتصاد تلك الدول، ما يعني أن المقارنة المباشرة قد تكون مضلِّلة، وأن المشكلة أعمق وتتعلق بضعف الدخل المحلي وارتفاع الكلف في السوق الأردنية.

الانقسام لا يقف عند حدود السعر؛ فثمة تخوّف واضح لدى شريحة من المواطنين من جودة الزيت المستورد أو القادم عبر طرق غير نظامية، ويحذر بعضهم من الغش أو خلط الزيوت، معتبرين أن «زيت الأردن غير» ولا يمكن التفريط بمصداقيته حتى لو كان أغلى، في حين يرد آخرون بأن الغش لم يعد حكرًا على بلد دون آخر، وأن الثقة تتراجع مع تزايد الأخبار عن زيوت مغشوشة داخل السوق نفسها.

إلى جانب ذلك، يبرز رأي يرى أن الحل ليس في اللهاث وراء استيراد أرخص، بل في مقاطعة الجشع أينما كان. هؤلاء يدعون إلى تقليل الاستهلاك أو الاستغناء عن شراء التنكة كاملة لعام واحد، أو اللجوء لزيت القلي في بعض الاستخدامات، لإرسال رسالة واضحة بأن المستهلك ليس الحلقة الأضعف دائمًا، وأن السوق يمكن أن تصحّح نفسها عندما يشعر التجار بأن الطلب تراجع فعلاً.

وفي الخلفية، يطفو سؤال متكرر عن دور الجهات الرسمية: متى يُفتح ملف تسعير زيت الزيتون بجدية، وهل يمكن التفكير بصيغة تضمن حماية المزارع وعدم ترك المستهلك تحت رحمة الكلف المتراكمة والضرائب والرسوم وهوامش الربح، خاصة في موسم شحّ الإنتاج وضعف الثمر في كثير من البساتين؟ البعض يرى أن «الكل يربح قبل أن يصل الزيت للمواطن»، من صاحب الأرض إلى المعصرة إلى الناقل والتاجر، فيما يبقى دخل الأسرة على حاله، فلا يعود بمقدورها أن تشتري ما كانت تعتبره حقًا طبيعيًا على مائدتها.

أمام هذا المشهد تبدو جملة «سنشتري الزيت بالكيلو» أكثر من مجرد نكتة عابرة؛ فهي تلخص حالة اقتصادية واجتماعية متراكمة، وتمسّ علاقة الأردني بطعامه وذاكرة بيته وموسم الزيتون الذي كان دائمًا مناسبة للفرح والتكافل. وبين من يفضّل أن يقاطع، ومن يستعد للذهاب إلى دول الجوار لشراء التنكة بسعر أقل، ومن يصرّ على دعم المزارع المحلي مهما كانت الكلفة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يتحول زيت الزيتون في الأردن إلى «ترف موسمي» لا يستطيع كثيرون تحمله، أم تُعاد صياغة معادلة السعر والدخل بحيث يبقى هذا المنتج جزءًا طبيعيًا من حياة الأسرة لا امتحانًا لقدرتها على الاحتمال؟