أخبار اليوم - ضيّق الاحتلال الخناق على السكان القاطنين بمحاذاة الخط الأصفر بعد توسيع نطاقه داخل عمق القطاع بمسافة تُقدَّر بنحو 300 متر، لتستيقظ مئات العائلات وتجد منازلها خلف المكعبات الإسمنتية الصفراء التي دفعها الاحتلال مئات الأمتار بواسطة جرافات عسكرية تحت تغطية جوية ومدفعية وإطلاق نار مكثّف، أدى لاستشهاد العشرات. ليلة بدت نسخة جديدة من ليالي الإبادة خلال عامين من الحرب.
واستشهد أربعة فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في مدينتي غزة وخان يونس، في حين نفّذ عملية نسف داخل الخط الأصفر شرق المدينتين الجمعة. واليوم الذي سبقه (السبت) شنّت طائرات الاحتلال غارات داخل غزة أسفرت عن استشهاد 24 فلسطينيًا، لترتفع حصيلة الشهداء منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار إلى 342 شهيدًا، فيما تواصل قوات الاحتلال عمليات نسف المباني قرب الخط الأصفر إلى جانب الغارات الجوية المستمرة.
يجلس إبراهيم عيلوة على حجر مقابل ركام سوق الشجاعية الشعبي وبجواره أحد جيرانه، فيما تبدو الحركة على شارع صلاح الدين قرب مفترق الشجاعية شبه معدومة، باستثناء مخيم الإيواء المقابل الذي أُقيم فوق أرض متنزه الشجاعية.
قبل أيام فقط، أصيبت ابنته وزوجته جراء قصف الاحتلال لمفترق الشجاعية وتطاير الشظايا التي مزّقت الخيام في ثوانٍ. يروي لـ "فلسطين أون لاين" وهو يستعيد تفاصيل الحادث: "كنت أجلس هنا كما الآن. وبعد الانفجار هرعت إلى الخيمة فوجدت ابنتي مصابة، حملتها وركضت بها نحو المشفى المعمداني، وكانت إصابتها في الرقبة. لم تمر لحظات حتى وصلت زوجتي مصابة من نفس القصف. الآن كلتاهما تخضعان لعمليات وجراحية ويتلقين العلاج في مستشفى الشفاء."
وعلى امتداد البصر ينتشر الدمار الكبير في حي الشجاعية الذي دمّر القصف الجوي والمدفعي معظم أجزائه، ويكشف موقعٌ إسرائيلي مقام على تلة المنطار مناطق واسعة من الحي، فيما تبدو المسافة قصيرة بين مخيم الإيواء والموقع العسكري، ما يجعل حركة الأهالي محدودة للغاية.
حياة قرب الموت
ومع توسعة الخط الأصفر قبل أيام عبر دفع المكعبات الصفراء نحو 300 متر إضافية، بات الأهالي يعيشون على مقربة من الموت تحت خطر القصف وزخات الرصاص. هنا لا يشعر السكان بأي هدوء ولا بأي معنى لاتفاق وقف إطلاق النار.
فخلال لحظات، ألقت طائرة مسيّرة من نوع "كواد كابتر" قنبلة قرب المكان، وكانت أصوات الرصاص العشوائي واضحة، مع تصاعد الدخان من مناطق سيطرة الاحتلال. يعلّق عيلوة مشيرًا إلى طائرة بلا طيار كانت تحلّق على علو منخفض: "الوضع هنا خطير ورعب بكل معنى الكلمة. لكن أين سنذهب؟ لا توجد أماكن."
عاش عليوة والسكان ليلة دامية، لم تهدأ خلالها أصوات الرصاص بفعل تقدّم آليات الاحتلال نحو السكان القريبين من الخط الأصفر، معتقدًا أن "كل هذه الانتهاكات تهدف لدفع الناس إلى النزوح أكثر نحو الغرب".
بشكل مفاجئ، قدم الاحتلال على توسعة الخط الأصفر خلال عملية عسكرية قبل نحو أسبوع، أسفرت عن استشهاد عشرات المواطنين بينهم أطفال. ليكتشف الأهالي أنهم باتوا خلف المكعبات ومحاصرين داخل نطاق جديد من السيطرة العسكرية.
كان سالم الجرجاوي، الذي يعيش في مخيم الإيواء القريب من الخط الأصفر في متنزه الشجاعية، من بين هؤلاء المتضررين. يقول لـ "فلسطين أون لاين" بينما يجلس على كرسي بلاستيكي أمام خيمته وأحفاده يلهون حوله:
"لم نتوقع أن يطلع النهار يومها من شدة إطلاق النار والقصف. لم نتمكن من النزوح مجددًا، فلم يعد لدينا قدرة جسدية أو مادية على تحمل نزوح جديد. هذا التقدم خنقنا، إذ ارتفعت وتيرة القصف وإطلاق النار بشكل مرعب."
يتساءل بحيرة تملأ ملامحه: "لا نعرف أين نذهب؟ لم نترك منطقة إلا ونزحنا إليها!"
ويضيف: "الليل يتحول إلى موت. بعد المغرب لا ترى إصبعك من شدة الظلام. لا إنارة، والحركة خطرة. تأقلمنا… إمّا نعيش أو نموت."
كان المخيم يبعد عن المكعبات نحو 700 متر، أما الآن فلا تتجاوز المسافة 400 متر، ومعها زاد خطر الرصاص وحركة الآليات. يشير الجرجاوي نحو الموقع العسكري: "تشعر أن كل حركة مرصودة. الرافعة موجهة نحونا، والآليات والطائرات بدون طيار تحوم فوقنا. قبل التوسعة كانت القنابل تسقط عند المسافة السابقة، أما الآن فتهبط قرب المخيم مباشرة."
مسافة تطوى
ولا يختلف الحال في حي الزيتون عما يعيشه السكان في الشجاعية بعد التوسعة. فبينما كانت المكعبات غير مرئية للصحفي عمر أبو ندى، الذي يسكن على شارع صلاح الدين، بات يراها بوضوح عندما يصعد إلى الطابق الثاني من منزله الذي أصبح يبعد نحو 800 متر فقط عن الخط.
يشبّه أبو ندى تلك الليلة بـ "ليلة حرب" قائلاً: "بعد المغرب لم يتوقف إطلاق النار ولا قذائف المدفعية. كل ما لدى الاحتلال من أدوات استخدمه تلك الليلة."
وأضاف: "إطلاق النار أصبح أقرب، ويركز على الشارع الفاصل بين الزيتون والشجاعية صباحًا ومساءً. صوت النسف صار أقوى، وكذلك تفجير العربات المفخخة. العديد من العائلات نزحت، وأخرى كانت تفكر بالعودة لكنها أرجأت ذلك."
ويعود أبو ندى إلى منزله قرب المغرب، إذ باتت الحركة خطرة مع تكثيف إطلاق النار.
ويزداد الوضع صعوبة في المناطق الشرقية والشمالية لمحافظة غزة والشمال، خصوصًا قرب الخط الأصفر. ففي المدينة يتمكن السكان من شراء الطعام والمياه بسهولة أكبر نسبيًا من أهالي الشمال الذين يسيرون مسافات طويلة للحصول على احتياجاتهم.
يقول أحمد (اسم مستعار) لـ "فلسطين أون لاين": "لا توجد شبكات اتصال أو إنترنت. بصعوبة نتواصل مع عائلتنا غرب غزة. المكعبات لا تبعد سوى 300 متر. في الليل يتحول الشمال إلى منطقة مرعبة، عتمة كاملة، والرصاص يستهدف أي منزل يُعتقد أن فيه حياة."
ولفت إلى أن الاحتلال استحدث موقعًا عسكريًا جديدًا قرب المكعبات، ما "يشير إلى نية إطالة أمد وجوده في المناطق التي يسيطر عليها".
المصدر / فلسطين أون لاين