فردية أم جهد منسق .. ما وراء الأحداث الأمنية الأخيرة في سوريا؟

mainThumb
فردية أم جهد منسق.. ما وراء الأحداث الأمنية الأخيرة في سوريا؟

26-11-2025 03:56 PM

printIcon

أخبار اليوم - شهدت سوريا هذا الأسبوع حوادث أمنية وأحداث عنف ومظاهرات بعدد من المناطق، أبرزها في مدينة اللاذقية شمال غربي البلاد حيث طالب محتجون بالإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات في عهد النظام المخلوع، كما رفعوا شعارات طائفية وأخرى تطالب بالفدرالية.

ووفق محللين، فإن القاسم المشترك بين الحوادث الأمنية أنها وقعت بمناطق معروفة بتداخلها الطائفي، مما أثار مخاوف من امتدادها واستغلال أطراف خارجية لها، رغم تأكيد السلطات استبعادها البعد الطائفي لتلك الحوادث والتحركات وتركيزها على حماية المتظاهرين وصون حرية الاحتجاجات.

جريمة حمص
البداية كانت من حمص وسط البلاد حيث أعلنت السلطات الأحد الماضي العثور على رجل وزوجته مقتولين بمنزلهما في بلدة زيدل، مع تعرض جثة الزوجة للحرق وكتابة عبارات بموقع الجريمة تحمل طابعا طائفيا.

ووُجهت عبر وسائل التواصل اتهامات لعلويين بالوقوف وراء هذه الجريمة، مما أشعل موجة عنف في عدد من مناطق مدينة حمص التي تضمّ أحياء سنيّة وأخرى علويّة.

وعقب جريمة زيدل، شهدت أحياء بحمص انتشارا لقوات الأمن الداخلي والجيش السوري، بعد توترات أمنية وإطلاق نار عشوائي وعمليات اقتحام منازل وتخريب محال تجارية مما دفع أجهزة الأمن لإرسال تعزيزات أمنية إلى البلدة وعدد من المناطق جنوبي حمص.

ورغم تأكيدها أن التحقيقات الأولية ترجح وجود دافع جنائي وليس طائفيا خلف جريمة زيدل، أعلنت وزارة الداخلية السورية فرض حظر التجول في عدد من أحياء ومناطق حمص وذلك منعا لاستغلال الحادثة لإثارة الفتنة الطائفية، كما علقت دوام المدارس يوم الاثنين الفائت بسبب الأوضاع الأمنية في المدينة، قبل أن تعلن أن الأمور تسير نحو الاستقرار.

وتُعرف محافظة حمص بتداخلها الطائفي، إذ يعيش فيها مزيج من المكونات، وأكدت الحكومة مرارا أن حماية الأقليات ضمن أولويات الدولة.



مظاهرات وإطلاق نار باللاذقية
وأمس الثلاثاء، أعلنت وزارة الداخلية السورية إصابة عنصرين من قوات الأمن وعدد من المدنيين جراء إطلاق نار خلال احتجاجات شهدتها مدينة اللاذقية شمال غربي البلاد، للمطالبة بالإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات في فترة الرئيس المخلوع بشار الأسد.


وقال قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية عبد العزيز الأحمد -في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية (سانا)- إنه "أثناء قيام عناصرنا بحماية الوقفة الموجودة عند دوار الزراعة داخل مدينة اللاذقية تعرضوا إلى إطلاق نار مباشر من جهة حي يقطنه ضباط مرتبطون بالمؤسستين الأمنية والعسكرية التابعة للنظام البائد".

وأوضح الأحمد أن إطلاق النار أدى إلى إصابة عنصرين من الأمن الداخلي وعدد من المدنيين المشاركين في الوقفة.

وجاءت هذه الفعالية ضمن احتجاجات في عدد من مناطق الساحل السوري وحمص وحماة طالب المشاركون فيها بالإفراج عن معتقلين معظمهم من الطائفة العلوية وبإرساء نظام حكم فدرالي.

وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا قد صرح لوسائل الإعلام في وقت سابق بأن وحدات الأمن الداخلي أمّنت التجمعات الاحتجاجية في بعض مناطق الساحل السوري لمنع أي حوادث طارئة تستغلها الجهات التي تروّج للفوضى، حسب تعبيره.



هجوم جديد بالسويداء
وأفاد مصدر أمني سوري، أمس الثلاثاء أيضا، بمقتل عنصر من قوى الأمن الداخلي وإصابة اثنين آخرين في ريف السويداء جنوبي البلاد.

وقال المصدر لوكالة "سانا" إن مجموعات خارجة عن القانون استهدفت حاجزا أمنيا في ريف السويداء الغربي مما أدى إلى مقتل عنصر وإصابة آخرين بجروح، في حين أوضحت وزارة الداخلية عن تعامل وحداتها مع مصدر النيران، مما أدى إلى "وقوع قتلى وجرحى في صفوف العصابات"، وفق تعبيره.

وأدانت الوزارة في بيان لها "الاعتداء الإرهابي الذي نفذته عصابات خارجة عن القانون"، مؤكدة أن هذه الاعتداءات تهدف فقط إلى زعزعة الأمن واستقرار حياة المدنيين في محافظة السويداء.

وبدأت الاضطرابات في السويداء ذات الغالبية الدرزية، بمواجهات بين عشائر بدوية ومسحلين دروز، في يوليو/تموز الماضي وتدخلت القوات الحكومية السورية لاحتواء المواجهات لكنها تعرضت للاستهداف من المجموعات المسلحة المحلية وكذلك من إسرائيل، مما اضطرها للانسحاب، قبل التوقيع على عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار ما يزال آخرها ساريا رغم تكرار انتهاكه من طرف جماعات مسلحة تستهدف الجيش والعناصر الأمنية.

وأسفرت اشتباكات يوليو الماضي عن مقتل المئات من مدنيين وعسكريين، وأفادت تقارير بوقوع انتهاكات شملت إعدامات ميدانية وتهجير آلاف السكان.

تنسيق عالي المستوى
وقال المحلل العسكري السوري فايز الأسمر إن الاعتصامات الاحتجاجية أمس الثلاثاء، التي دعا إليها رئيس ما يعرف بـ"المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر" غزال غزال، في مناطق متداخلة طائفيا باللاذقية وطرطوس وأرياف حماة الغربية، تحولت إلى "وقفات تحريضية" أثارت النعرات الطائفية وهددت السلم الأهلي.

وأضاف الأسمر للجزيرة نت أن قوات الأمن قامت بما وصفه "بتدخل انضباطي إيجابي" يُحسب لها بهدف حماية المحتجين ومنع انزلاق الوقفات إلى صدامات طائفية، غير أن بعض هذه القوات تعرض لاعتداءات وإطلاق نار من قبل "عصابات فلول النظام البائد".


وقال المحلل العسكري إن ما جرى الأسبوع الجاري يحمل -وفق تقديره- دلالات على "تنسيق عالي المستوى" بين جهات إقليمية وما وصفها بمليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق شمال وشرق البلاد، و"مليشيات الهجري" في السويداء جنوبا، إلى جانب كبار ضباط فلول النظام في الداخل والخارج، مع دعم من إيران وحزب الله، بهدف تأجيج الفتن الطائفية وفرض حالة من الفوضى الأمنية لإرباك الحكومة السورية وإثقال كاهلها.

استثمار خارجي
بدوره، قال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان إن الحكومة السورية ما تزال قادرة على ضبط الموقف رغم الأحداث المتتالية التي تحاول -وفق تعبيره- الاستثمار في الفوضى وتأجيج النعرات الطائفية والإثنية في عدد من المناطق.

وأوضح علوان للجزيرة نت أن ما يجري "لم يخرج عن السيطرة، ومن المستبعد أن يتطور إلى ذلك"، لكنه حذّر في المقابل من استمرار الاستثمار الخارجي في هذه التوترات، الأمر الذي قد يعرقل -بحسبه- عملية بناء "سوريا الجديدة كما يريدها السوريون". وأضاف أن المواقف الإقليمية والدولية الداعمة من الممكن أن تتردد في ظل اتساع المشكلات الداخلية.

وبشأن ما إذا كانت الأحداث الراهنة مجرد حوادث فردية أم نتيجة جهد منسق، أكد علوان أن "ما يحدث هو جهد منسق بكل تأكيد"، لافتا إلى أن هذا الجهد يسعى لخلق حوادث جديدة أو استثمار حوادث جنائية عابرة وتحويلها إلى أدوات للتجييش وإثارة الهلع.

وأشار إلى أن التضخيم الإعلامي لعب دورا محوريا في رسم صورة غير واقعية لما يجري، قائلا إن "ما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي أضخم بمرات مما يحدث على الأرض"، واصفا ذلك بأنه استثمار إعلامي متعمد يهدف إلى إظهار الدولة عاجزة عن ضبط المشهد.

وتبذل الحكومة السورية الجديدة جهودا مكثفة لضبط الأمن في البلاد، منذ الإطاحة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بعد 24 عاما في الحكم.

وختم علوان بالتأكيد على أن هذا لا يعني غياب المخاطر تماما، إذ توجد -بحسب تقديره- جهات داخلية وخارجية ستواصل محاولات التشويه والتحريض وخلق الأزمات، مما يتطلب يقظة أكبر للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

الجزيرة