أخبار اليوم - تحولت مطالبة نيابية بتأجيل عطلة الفصل الدراسي لتتزامن مع شهر رمضان إلى محور نقاش واسع بين الأسر والمعلمين، بين من يرى في الخطوة فرصة لالتقاط الأنفاس خلال الشهر الفضيل، ومن يخشى أن تكرّس ثقافة الكسل وتُضعف القيمة التربوية والتعليمية للصيام. فكرة بسيطة ظاهريًا، لكن ما تثيره من أسئلة حول التعليم ونمط الحياة في رمضان يجعلها أبعد من مجرد تعديل في التقويم المدرسي.
المؤيدون لتأجيل العطلة إلى رمضان ينطلقون من واقع يومي يصفونه بالمرهق؛ طلاب يخرجون فجرًا أو في برد الشتاء القارس، بعضهم يقطع مسافات طويلة مشيًا، وأمهات يعملن بين تجهيز الأولاد للمدرسة صباحًا، والتحضير لالتزامات البيت والطبخ والعبادة في رمضان. كثير من الآراء تذهب إلى أن الطفل الصائم، خصوصًا في المراحل الأساسية، لا يستوعب كما يجب وهو متعب ونعسان، وأن ساعات الدوام القليلة أصلًا في رمضان لا تمنح درسًا مكتملًا ولا تركيزًا كافيًا.
أصوات أخرى تبرر التأييد من زاوية صحية واجتماعية، فهناك من يشير إلى أمراض الشتاء، والفيروسات المنتشرة في هذه الفترة، وأن جمع ضغط الدراسة مع الصيام يزيد العبء على الأطفال والأهالي معًا. بعض أولياء الأمور يربطون بين المسافات الطويلة التي يقطعها الطلبة سيرًا وبين الإرهاق في رمضان، ويرون أن منح عطلة خلال الشهر الكريم “رحمة” للطلاب والمعلمين على حد سواء، وتخفيف عن أمهات يتحملن عبء الدراسة والبيت والعبادة معًا. في هذا المنطق تبدو العطلة وسيلة لإعادة تنظيم اليوم الرمضاني داخل البيت، وتهيئة مساحة أكبر للعبادات والجو الأسري، بدل أن ينشغل الجميع بين دوام مبكر وواجبات وامتحانات.
في المقابل، يقف معارضون يرون أن ربط رمضان بالعطلة يرسخ صورة سلبية عن الشهر في أذهان الجيل الجديد، وكأنه شهر نوم وراحة لا شهر عبادة وعمل وانضباط. هؤلاء يذكّرون بأن أجيالًا كاملة صامت وداومت في رمضان، وأن كثيرًا من الفتوحات والمعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي وقعت في هذا الشهر والناس صيام، ما يعني أن التربية على الصبر والجهد وهيبة الالتزام جزء من فلسفة الصيام نفسها. بالنسبة لهم، المشكلة ليست في طول النهار أو قصره، خصوصًا أن رمضان يأتي هذه السنوات في أجواء باردة ونهار قصير، بل في نمط حياة يشجّع السهر حتى الفجر ثم النوم حتى الظهر، وهو نمط يرون أن العطلة قد تعمّقه بدل أن تعالجه.
هناك من يخشى أيضًا من أثر القرار على المستوى التعليمي، في ظل حديث متزايد عن تراجع التحصيل وضعف الالتزام. هؤلاء يحذّرون من “تطبيع” فكرة تقليل أيام الدراسة وتوسيع العطل على حساب المحتوى التعليمي، ويعتبرون أن الحل ليس في إضافة عطلة جديدة، بل في مراجعة المناهج وتقليل الاختبارات والواجبات، وتنظيم اليوم الدراسي في رمضان بطريقة ذكية تحافظ على التعليم دون إنهاك. ويخشى بعض المعارضين من أن تتحول المطالبة بعطلة رمضان إلى مدخل لمطالب لاحقة بتخفيف العمل في مجالات أخرى، ما ينعكس على الإنتاجية العامة ويعمّق ثقافة التراخي.
بين الرأيين، تظهر مواقف وسطية تحاول التوفيق بين الراحة وضرورة استمرار العملية التعليمية. جزء من الأهالي يقترح تقصير ساعات الدوام خلال رمضان، مثل أن يكون الدوام من الصباح حتى منتصف النهار، مع تخفيف الواجبات والامتحانات والاكتفاء بالأساسيات، بحيث يحافظ الطالب على ارتباطه بالمدرسة دون إرهاق. آخرون يقترحون أن تبقى عطلة ما بين الفصلين في موعدها، مع منح عطلة تتركّز في الأيام الأخيرة من رمضان، خاصة العشر الأواخر، تقديرًا لخصوصية هذه الفترة، أو إعادة توزيع عطلة الصيف لصالح أيام في رمضان بدل أن تبقى العطلة الطويلة في أشهر الحر.
النقاش الذي أثارته المطالبة النيابية لا يتعلق بالتقويم وحده، بل بسؤال أعمق: كيف نريد لأبنائنا أن يعيشوا رمضان؟ هل نربّيهم على أن الصيام يعني تعليق النشاطات، أم على أن العبادة يمكن أن تسير جنبًا إلى جنب مع الدراسة والعمل؟ وهل يستطيع النظام التعليمي أن يبتكر حلولًا مرنة تراعي ظروف الأسر وتُبقي في الوقت نفسه على هيبة العام الدراسي وتراتبه؟
الكرة الآن في ملعب أصحاب القرار التربوي، لكنّ ما تكشفه ردود الأسر والمعلمين أن أي تعديل على التقويم الدراسي لم يعد تفصيلًا فنيًا، بل عنوانًا لصراع هادئ بين منطق “إراحة الجيل” ومنطق “تربيته على الصبر والمسؤولية”. والسؤال المفتوح أمام الجميع: هل يمكن صياغة حل ذكي يجعل من رمضان مساحة للعبادة والسكينة، دون أن يتحول إلى شهر خروج كامل من إيقاع التعليم والحياة الطبيعية؟