الدكتور نسيم أبو خضير
في كل مرحلة مفصلية من تاريخ الأوطان ، تخرج أصوات تتربص ، وتتحين الفرص لبث الشك ، وتشويه المواقف ، ودسّ السم في العسل . واليوم ، يقف الأردن مرة أخرى أمام حملة منظمة تحاول أن تُلبس المشاريع الوطنية لبوس المؤامرة ، وأن تُحوّل منجزات الدولة – ومنها مشاريع كبرى كـ مدينة عمرة وغيرها – إلى أدوات تخويف وتشكيك ، بزعم أن الوطن معروض للبيع ، وأن السيادة تُقايض ، وأن الثروات لا تُستخرج إلا بالإذعان لقرارات خارجية .
وهنا لا بد من قول الحقيقة بوضوح لا يقبل التأويل : الأردن وطن ثابت ، وسيادته خط أحمر ، وقراره وطني مستقل لا يُشترى ولا يُباع .
إن أخطر ما في هذه الحملات ليس النقد بحد ذاته ، فالنقد حق، بل تزييف الوعي ، ومحاولة إقناع الأردنيين بأن دولتهم تُدار من خارج إرادتهم ، وأن مشاريع التنمية ما هي إلا أثمان تُدفع مقابل التوطين أو فرض حلول على حساب الأردن . يتجاهلون – عن قصد – حقيقة راسخة يعرفها القاصي والداني :
الأردن للأردنيين ، والإستضافة كانت وستبقى إستضافة إنسانية مؤقتة ، لا تعني يومًا توطينًا ولا قبولًا بمشاريع تصفية .
لقد عبّر جلالة الملك عبدالله الثاني ، بوضوح الشمس وفي كل المحافل الدولية ، عن موقف الأردن الثابت :
لا للوطن البديل ، لا للتوطين ، نعم للعدالة ، نعم للحق الفلسطيني ، ونعم لدولة فلسطينية مستقلة على ترابها الوطني .
هذا موقف لم يكن يومًا للإستهلاك الإعلامي ، بل دُفع ثمنه مواقف صلبة ، وضغوط سياسية ، وتحديات إقتصادية ، ومع ذلك لم ينحنِ الأردن .
وما يحاول المشككون تجاهله أن هذا الموقف لم يعد موقف قيادة فحسب ، بل أصبح موقف شعب كامل .
الأردنيون اليوم ، على اختلاف منابتهم ومشاربهم ، يقفون صفًا واحدًا خلف جلالة الملك، وخلف قواتهم المسلحة الباسلة ، وأجهزتهم الأمنية الساهرة ، إيمانًا منهم بأن وحدة الصف هي السلاح الأقوى في وجه كل من يتربص .
فأي منطق هذا الذي يزعم أن شعبًا قدّم أبناءه شهداء على أسوار الوطن ، وبذل روحه رخيصة في سبيل ترابه ، يمكن أن يفرّط بسيادته مقابل دريهمات ؟
من يحمي الوطن بالدم ، لا يبيعه بالمال .
إن مشاريع الدولة ليست مؤامرة ، بل ضرورة للبقاء والصمود ، وهي تُقام لتعزيز الإقتصاد ، وتثبيت المواطن في أرضه ، وتحسين معيشته ، لا لتمرير أجندات مشبوهة . أما أولئك الذين يصطادون في الماء العكر ، فليعلموا أن وعي الأردنيين أقوى من كل حملات التضليل ، وأن الأردن الذي صمد في وجه العواصف ، لن تُسقطه الشائعات .
سيبقى الأردن عصيًا على الكسر ، قويًا بقيادته ، متماسكًا بشعبه ، محروسًا بجيشه وأجهزته ، ثابتًا على مبادئه ، لا يساوم على سيادته ، ولا يقبل أن يكون ساحة أو بديلًا أو ثمنًا .
حمى الله الأردن قيادةً وشعبًا ، وحفظه واحة أمن وكرامة ، إلى يوم الدين .