أخبار اليوم - لا تُعدّ الأزمة الفنزويلية الراهنة خلافا سياسيا تقليديا مع الولايات المتحدة، بل صراعا مباشرا حول الموارد والسيادة وحدود النفوذ الدولي، وفي جوهره تقف المصالح الأميركية، ما يجعل فنزويلا نموذجا واضحا لكيفية تعامل واشنطن مع الدول التي تحاول الخروج عن منظومة نفوذها.
تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم يُقدَّر بنحو 303 مليارات برميل، أي ما يعادل 17 إلى 20% من الاحتياطي العالمي، إلى جانب احتياطيات غاز طبيعي تتجاوز 200 تريليون قدم مكعب، وموارد معدنية إستراتيجية.
وتتمتع فنزويلا بوفرة مائية ساهمت في إنتاج الكهرباء بواقع 60%، كما يمنحها موقعها في حوض الكاريبي، قرب السواحل الأميركية والممرات البحرية الحيوية، أهمية جيوسياسية خاصة.
ورغم هذا الثقل الاقتصادي، انكمش الاقتصاد الفنزويلي بأكثر من 75% بين عامي 2014 و2021، وتراجع إنتاج النفط من نحو 2.3 مليون برميل يوميا عام 2013 إلى أقل من 700 ألف برميل يوميا خلال سنوات قليلة، ما خفّض نصيب فنزويلا إلى أقل من 1% من الإمدادات النفطية العالمية، وذلك بسبب مجموعة من العوامل، من بينها العقوبات والضغوط الخارجية.
يتناول هذا المقال الجذور التاريخية للأزمة الفنزويلية، ويشرح أسباب تصاعدها في المرحلة الراهنة، ويستشرف السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذا الصراع.
الصراع الأوروبي المبكر.. أزمة 1902-1903
قبل دخول فنزويلا دائرة النفوذ الأميركي، كانت أقرب اقتصاديا وماليا إلى أوروبا، ولا سيما بريطانيا وألمانيا.
ففي نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، ارتبط اقتصاد فنزويلا تاريخيا بأوروبا عبر القروض والاستثمارات وتجارة السلع المختلفة، في حين ظل الحضور الأميركي محدودا.
واعتمد الاقتصاد الفنزويلي آنذاك على صادرات البنّ والكاكاو، وكانت العائدات الجمركية المصدر الرئيسي لدخل الدولة، ما جعلها شديدة الارتباط بالتجارة الخارجية.
مع تصاعد الاضطراب السياسي، توقفت الدولة عن سداد ديونها وتعويضات مستحقة لرعايا أوروبيين قُدّرت بنحو 120-150 مليون بوليفار. وفي ظل ضعف الدولة ومحدودية قدرتها على التفاوض، لجأت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا إلى استخدام القوة البحرية كأداة ضغط مباشر.
التاريخ يعيد نفسه
في ديسمبر/كانون الأول 1902، فُرض حصار بحري أوروبي على فنزويلا استمر حتى فبراير/شباط 1903، بمشاركة أكثر من 20 سفينة حربية، أُغلقت خلاله الموانئ واحتُجزت السفن ونُفّذ قصف محدود لمنشآت ساحلية.
وشكّل هذا الحصار نموذجا مبكرا لاستخدام العزل البحري والاقتصادي كوسيلة ضغط سياسي على فنزويلا دون احتلال بري، وهو الأسلوب ذاته الذي تستخدمه الولايات المتحدة اليوم تجاه فنزويلا، أي أن التاريخ يعيد نفسه.
وانتهت الأزمة باتفاق واشنطن (فبراير/شباط 1903)، الذي نص على رفع الحصار مقابل تخصيص 30% من عائدات الجمارك لسداد الديون، ممهدا لإعلان نتيجة روزفلت (1904) التي وسّعت مبدأ مونرو، القائم على رفض التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي، ونقلت إدارة أزمات المنطقة من أوروبا إلى واشنطن، مؤسِّسة لبداية الهيمنة الأميركية المنهجية.
في ديسمبر/كانون الأول 1902، فُرض حصار بحري أوروبي على فنزويلا استمر حتى فبراير/شباط 1903، بمشاركة أكثر من 20 سفينة حربية
هيمنة أميركية قائمة على الشركات والدولار
مع انحسار النفوذ الأوروبي مطلع القرن الـ20، لم تلجأ الولايات المتحدة إلى السيطرة العسكرية المباشرة على فنزويلا، بل أسست هيمنة اقتصادية قائمة على النفط، والشركات متعددة الجنسيات، والدولار.
ومع تحوّل فنزويلا تدريجيا إلى دولة نفطية منذ عشرينيات القرن الماضي، أصبحت جزءا محوريا من منظومة الطاقة الأميركية.
وبحلول أواخر الثلاثينيات، سيطرت 3 شركات كبرى، وهي "ستاندرد أويل" و"غلف أويل" الأميركيتان و"رويال داتش شل" البريطانية الهولندية على نحو 98% من الامتيازات النفطية في فنزويلا.
وأدارت الشركات الأميركية ما بين 55-65% من الإنتاج، ومرّت معظم الصادرات عبر السوق الأميركية.
وبين عامي 1935 و1957، ارتفع الإنتاج من نحو 400 ألف برميل يوميا إلى قرابة 3 ملايين برميل، لتصبح فنزويلا أكبر مُصدّر نفط عالميا عام 1957، وتوفّر 35-40% من واردات النفط الخام للولايات المتحدة.
اقتصاديا، شكّل النفط أكثر من 90% من صادرات فنزويلا، ونحو 50-60% من إيرادات الحكومة، مقابل استيعاب أقل من 10% من قوة العمل.
ومع تدفّق عائدات النفط، ارتفعت قيمة العملة المحلية، ما أضعف تنافسية الزراعة والصناعة، وهي الظاهرة المعروفة بـ"المرض الهولندي"، نسبة إلى تجربة هولندا في ستينيات القرن الـ20 بعد اكتشاف الغاز عام 1959، حين أدّت وفرة العائدات إلى تراجع القطاعات الإنتاجية الأخرى، ليصبح الاقتصاد أكثر اعتمادا على قطاع واحد وأكثر عرضة للمخاطر على المدى الطويل.
لم يكن تحوّل فنزويلا نحو السيطرة على قطاع النفط قرارا مفاجئا أو خطوة أدّت إلى قطيعة مع الولايات المتحدة، بل مسار تدريجي هدفه تصحيح علاقة اقتصادية قائمة.
التأميم الجزئي ثم الكامل
لم يكن تحوّل فنزويلا نحو السيطرة على قطاع النفط قرارا مفاجئا أو خطوة أدّت إلى قطيعة مع الولايات المتحدة، بل مسار تدريجي هدفه تصحيح علاقة اقتصادية قائمة.
ورغم النمو السريع في الأربعينيات والخمسينيات، ظلّت السيطرة على قطاع الطاقة وقرارات الاستثمار بيد الشركات الأجنبية، خاصة الأميركية، في حين اقتصر دور الدولة على تحصيل الضرائب والعوائد.
ومع مرور الوقت، ترسّخت قناعة سياسية بأن ارتفاع العائدات لا يعني سيطرة حقيقية، وأن استمرار هذا الوضع يُبقي القرار الاقتصادي خارج الدولة ويجعلها أكثر عرضة للمخاطر.
شكّل قانون المحروقات لعام 1943 بداية التأميم الجزئي لقطاع النفط عبر إعادة توزيع العائدات دون نقل الملكية، إذ أقرّ مبدأ تقاسم الأرباح مناصفة بين الدولة والشركات الأجنبية، وأدى ذلك إلى زيادة كبيرة في الإيرادات النفطية خلال سنوات قليلة، دون تعطيل الاستثمار أو الإضرار بالعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة.
وتعمّق هذا المسار مع مشاركة فنزويلا في تأسيس منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) عام 1960، باعتبار التنسيق الجماعي أداة لتعزيز القدرة التفاوضية داخل السوق العالمي، لا خروجا على النظام القائم.
دخلت فنزويلا منذ الثمانينيات مرحلة تراجع اقتصادي واجتماعي بعد انهيار أسعار النفط ما أدى إلى تباطؤ النمو، وتراكم الديون، وتراجع مستوى المعيش
وبلغ هذا المسار ذروته عام 1976 مع التأميم القانوني الكامل لقطاع النفط، وانتقال الملكية السيادية للحقول والاحتياطيات والبنية التحتية إلى الدولة.
ورغم تغيّر مركز القرار، لم يتعطل الإنتاج ولم تُقطع العلاقات الاقتصادية، بل استمر التعاون مع الشركات الأجنبية عبر عقود جديدة وترتيبات تسويقية وتزامن ذلك مع الطفرة النفطية في السبعينيات، حيث دخلت إلى خزائن الدولة نحو 10 مليارات دولار إضافية بين عامي 1973 و1978، وارتفع دخل الفرد ليصبح الأعلى في أميركا اللاتينية.
شافيز.. من الملكية إلى السيطرة التنفيذية
دخلت فنزويلا منذ الثمانينيات مرحلة تراجع اقتصادي واجتماعي بعد انهيار أسعار النفط ما أدى إلى تباطؤ النمو، وتراكم الديون، وتراجع مستوى المعيشة، وفقدان الثقة في النموذج السياسي القائم. ومع هذا التراجع، تحوّل النفط من مجرد مصدر دخل إلى قضية سياسية داخلية تتعلق بمن يسيطر على عائداته وكيف تُدار.
في هذا المناخ ظهر هوغو شافيز بوصفه بديلا للنخب التقليدية، ووعد بإعادة السيطرة الفعلية للدولة على قطاع النفط. ولم يكن هدفه تأميم النفط من جديد، لأن الدولة كانت تملكه قانونيا منذ عام 1976، بل أن يكون القرار الحقيقي بيد الدولة بعد أن ظلّ لسنوات خاضعا لنفوذ الشركات الأجنبية.
وبعد تولّيه السلطة عام 1999، بدأ شافيز تقليص هذا النفوذ، وتعزيز دور الدولة في إدارة شركة النفط الوطنية، وتوجيه العائدات لخدمة سياسات الحكومة.
استخدم شافيز النفط لدعم كوبا وتوسيع علاقاته مع روسيا والصين، وهو ما غيّر نظرة واشنطن إلى فنزويلا لتصبح خصما سياسيا مباشرا للولايات المتحدة
وبين عامي 1999 و2001، أجرى شافيز تعديلات تدريجية رفعت حصة الدولة من العائدات، ووسّعت تدخلها في إدارة القطاع، من دون إقصاء فوري للشركات الأجنبية.
في هذا السياق، جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2002 في محاولة لوقف هذا المسار، وبعد فشلها، اندلع إضراب نفطي واسع في 2002/2003، ردّت عليه الحكومة بإقالة أكثر من 18 ألف موظف، وفرض شروط جديدة على الشركات الأجنبية، خاصة في حزام أورينوكو، الذي توجد به أغلب حقول النفط.
وأصبحت الدولة صاحبة الحصة الأكبر في المشاريع. ومن وافق استمر، ومن رفض، مثل إكسون موبيل وكونوكو فيليبس، غادر البلاد.
بالتوازي، استخدم شافيز النفط في سياسته الخارجية عبر دعم كوبا وتوسيع علاقاته مع روسيا والصين، وهو ما غيّر نظرة واشنطن إلى فنزويلا من دولة نفطية صعبة التعامل إلى خصم سياسي مباشر للولايات المتحدة.
مادورو.. النفط كأداة صمود
تولّى نيكولاس مادورو السلطة مواصلا نهج شافيز النفطي، لكن في وقت بدأ فيه انهيار أسعار النفط منذ عام 2014، ما صعّب إدارة الاقتصاد منذ البداية.
وواجهت الدولة قيودا مالية حادة، وتراجع أداء شركة النفط الوطنية بسبب فقدان الخبرات وضعف الاستثمار، فانخفض الإنتاج من نحو 2.3 مليون برميل يوميا عام 2013 إلى أقل من مليون برميل خلال سنوات قليلة.
بالتوازي، انتقلت العلاقة مع الولايات المتحدة إلى منظومة عقوبات متدرجة بدأت عام 2015، وتوسّعت عام 2017 لتشمل خنق التمويل، ثم استهدفت القطاع النفطي مباشرة عام 2019، ما حوّل النفط من مصدر دخل إلى نقطة اختناق رئيسية.
لم تستهدف هذه العقوبات مادورو كشخص، بل النموذج النفطي السيادي، ما دفعه للاعتماد على حلفاء خارجيين وآليات التفاف، مع كُلفة اجتماعية واقتصادية مرتفعة.
يستمر التصعيد الأميركي حاليا لأن الخلاف لا يتعلق بحكومة فنزويلية بعينها، بل بأي دولة تحاول الخروج عن دائرة النفوذ الأميركي
لماذا استمر التصعيد الأميركي؟
يستمر التصعيد الأميركي حاليا لأن الخلاف لا يتعلق بحكومة فنزويلية بعينها، بل بأي دولة تحاول الخروج عن دائرة النفوذ الأميركي.
ففي حالة فنزويلا، لا يتعلّق الأمر بالمواقف السياسية فقط، بل بسيطرة الدولة على مورد نفطي إستراتيجي لها، وإخراج الشركات الأميركية منه، ثم ربط هذا المورد بتحالفات مع دول تعتبرها واشنطن خصوما مباشرين.
ويزداد هذا القلق بسبب الموقع الجغرافي لفنزويلا داخل نطاق تعتبره الولايات المتحدة جزءا من أمنها الاقتصادي.
من هذا المنظور، ترى واشنطن أن ما حدث في فنزويلا يمثّل سابقة غير مقبولة، وتسعى عبر الضغط المستمر إلى منع ترسيخ نموذج يفقدها السيطرة على الطاقة والنفوذ معا.
كما أن التراجع لم يعد خيارا سهلا لواشنطن الآن. فبعد سنوات من العقوبات والضغوط، سيُفسَّر أي تخفيف غير مشروط على أنه اعتراف بالفشل.
ومن ثم، تحوّلت العقوبات من أداة ضغط مؤقتة إلى سياسة حصار تهدف إلى كسر هذا النموذج وفرض تفاوض بشروط أميركية بعد إنهاك الطرف الآخر، مع إرسال رسالة واضحة مفادها أن الخروج عن المصالح الأميركية له كُلفة.
لماذا التصعيد الأميركي الآن؟
ترى واشنطن أن نظام مادورو وصل إلى مرحلة إنهاك واضحة، مع تراجع القدرات الإنتاجية وتفاقم الضعف الاقتصادي والاجتماعي، ما يجعل تشديد الضغط في هذه المرحلة أكثر تأثيرا.
أظهرت فنزويلا قدرة محدودة على التكيّف مع العقوبات عبر قنوات بديلة لتسويق النفط بدعم من روسيا والصين، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة خطرا إستراتيجيا.
يتزامن هذا التصعيد مع خطوات ملموسة لتعطيل صادرات النفط الفنزويلية إلى الصين، إذ يُعد النفط الفنزويلي منخفض الكلفة موردا تسعى واشنطن إلى حرمان بكين من الوصول إليه.
يمثّل الضغط على فنزويلا وسيلة غير مباشرة لإضعاف كوبا، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الفنزويلي، إذ تحصل على نحو 20 إلى 25 ألف برميل يوميا، ما يوجّه ضربة مزدوجة لمحور تعتبره واشنطن خصما تقليديا في الكاريبي.
استغلت الولايات المتحدة النزاع مع غيانا حول إقليم إيسيكويبو الغني بالنفط، لا سيما بعد الاكتشافات الكبرى، بوصفه غطاء سياسيا وإقليميا لتوسيع الضغط على فنزويلا تحت شعار دعم شريك إقليمي.
تلعب الحسابات الداخلية الأميركية دورا مهما، لا سيما في ظل ضغوط اقتصادية وسياق انتخابي، ما يعزّز الخطاب المتشدّد والسعي لتأمين موارد إضافية تحت أطر قانونية ظاهرية.
يقف خلف هذه العوامل إرث أيديولوجي متجذّر داخل قطاعات من النخبة الأميركية، يرى في فنزويلا وكوبا رمزين دائمين لتحدي النفوذ الأميركي، ويدفع نحو مقاربات صراعية يصعب احتواؤها أو تسويتها بسهولة.
سيناريوهات مستقبل الصراع
السيناريو الأول.. استخدام قوة محدودة
يعتمد هذا السيناريو على استخدام قوة عسكرية محدودة للضغط السياسي، من دون الذهاب إلى حرب شاملة ويشمل ذلك تحركات بحرية، واعتراض شحنات نفط، أو عمليات عسكرية محدودة الهدف منها زيادة الضغط على فنزويلا من دون فتح مواجهة مباشرة.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا الأسلوب إلى دفع الصراع نحو خيارين: إما الدخول في تفاوض بشروط أميركية، وإما دفع تغييرات داخل النظام تسمح بظهور قيادات أكثر تعاونا مع واشنطن.
على أرض الواقع، تظهر مؤشرات تدعم هذا المسار. فمنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2025، جرى تحميل ما بين 12 و15 ناقلة نفط قبالة السواحل الفنزويلية، بينها ناقلات خاضعة لعقوبات أميركية، مع ارتفاع الصادرات إلى مستوى يقترب من 900 ألف برميل يوميا، مقارنة بمتوسط سابق يقارب 800 ألف برميل.
ويشير ذلك إلى أن الهدف ليس وقف تصدير النفط الفنزويلي بالكامل، بل إدارة الضغط بحذر، خاصة مع حساسية الولايات المتحدة تجاه ارتفاع أسعار النفط، ما يجعل هذا النهج المحدود أكثر ترجيحا من التصعيد الواسع.
السيناريو الثاني.. الانزلاق إلى حرب واسعة
يُعدّ سيناريو الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة ضد فنزويلا الأقل ترجيحا في المرحلة الراهنة، رغم أن بعض الأصوات داخل النخبة الأميركية، وفي مقدمتها وزير الخارجية مارك روبيو والسيناتور ليندسي غراهام، تدفع في هذا الاتجاه.
غير أن هذا الخيار ينطوي على كلفة عسكرية وسياسية واقتصادية مرتفعة، ما يجعله محفوفا بمخاطر جدية على الولايات المتحدة نفسها.
ففنزويلا دولة كبيرة تبلغ مساحتها نحو 916 ألف كيلومتر مربع، وتتميّز بجغرافيا معقّدة وتنوّع تضاريسها، ما يجعلها ساحة غير مناسبة لحسم عسكري سريع.
يُعدّ سيناريو الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة ضد فنزويلا الأقل ترجيحا في المرحلة الراهنة، رغم أن بعض الأصوات داخل النخبة الأميركية تدفع في هذا الاتجاه.
وعند المقارنة بغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، يتضح حجم التحدي، إذ تزيد مساحة فنزويلا على ضعف مساحة العراق المقدّرة بنحو 438 ألف كيلومتر مربع.
وتشير تجربة الغزو الأميركي للعراق إلى أن السيطرة على بلد أصغر مساحة وأكثر انفتاحا جغرافيا تطلّبت أكثر من 120 ألف جندي، ما يجعل الأرقام التي تلوح بها واشنطن حاليا غير كافية لدخول فنزويلا أو فرض السيطرة عليها.
في المقابل، تعاني الولايات المتحدة ضغوطا نتيجة انخراطها في صراعات مفتوحة، أبرزها الحرب في أوكرانيا، والدعم العسكري المستمر لإسرائيل.
وفي حال المضي بهذا السيناريو، قد تتحول فنزويلا إلى فيتنام جديدة، تُستنزف فيها القوة الأميركية دون حسم، مع استغلال خصوم واشنطن، مثل روسيا والصين، إضافة إلى كوبا، لإطالة أمد الصراع.
وعليه، تبرز تساؤلات جوهرية حول قدرة الولايات المتحدة على تحمّل كلفة هذا المسار وتداعياته، وعما إذا كانت فنزويلا ستكون نقطة التحوّل التي تكشف حدود القوة الأميركية في عالم لم يعد يُدار من مركز واحد.
الجزيرة