زيارة ميدانية لمصانع في مدينة الموقر الصناعية تكشف عمق الرؤية الملكية لبناء اقتصاد إنتاجي متكامل
الساكت: الملك يدرك أن بيئة الاستثمار الصناعي المستقرة هي أساس استقطاب رأس المال النوعي
أخبار اليوم - قال المهندس موسى الساكت، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان، إن زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني لثلاثة مصانع إنتاجية في مدينة الموقر الصناعية تؤكد أن الصناعة الوطنية أصبحت في صُلب رؤية الدولة الاقتصادية، ومحورًا جوهريًا في استراتيجيات التحديث التي يقودها جلالة الملك، بهدف بناء اقتصاد إنتاجي تنافسي، يعتمد على القيمة المضافة، ويُحقق التشغيل ويُعزز الصادرات.
وأوضح الساكت أن جلالة الملك ينظر إلى الصناعة في هذا الإطار، ليس كقطاع اقتصادي تقليدي، بل كأداة سيادية فاعلة ضمن منظومة الأمن الاقتصادي والاجتماعي، لما لها من قدرة على تقليص فجوة الميزان التجاري، وخلق فرص عمل مستدامة، ورفد احتياطات المملكة من العملات الأجنبية، مؤكدًا أن دعم الملك للقطاع الصناعي يُعبّر عن قناعة عميقة بأن الصناعة هي القاعدة الأكثر ثباتًا لأي نمو اقتصادي حقيقي.
وأشار إلى أن جولة الملك في مصانع الأغذية والتغليف والألبسة تعكس بوضوح أن رؤيته تقوم على توسيع نطاق الإنتاج المحلي، ورفع معدلات التشغيل، وتمكين الصناعة الوطنية من دخول أسواق جديدة، وهو ما يمثل تحولاً نوعياً في نهج الدولة من الاعتماد على القطاعات الريعية إلى تبني الاقتصاد القائم على الإنتاج والتصدير. وأضاف الساكت أن هذه الرؤية باتت اليوم أكثر إلحاحاً في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الموازنة العامة، والعجز في الحساب الجاري.
وبيّن أن من أبرز ما حملته زيارة جلالة الملك هو تأكيده أن التصنيع الحديث لم يعد مجرد عملية إنتاجية تقليدية، بل بات يتطلب كفاءات بشرية مؤهلة، وتقنيات حديثة، وقدرة على الابتكار، وهو ما ظهر جليًا في مصنع "باين تري" الذي يشغّل أكثر من 1700 موظف، من ضمنهم عشرات المهندسين الأردنيين، ويحقق صادرات تتجاوز 100 مليون دولار سنويًا.
وأكد الساكت أن دمج المعرفة التقنية بالتصنيع هو أساس التحول نحو "الصناعات كثيفة المعرفة"، التي تعزز تنافسية الأردن في الأسواق العالمية وتفتح المجال لتوظيف أصحاب المهارات العالية.
وأوضح الساكت أن جلالة الملك يدرك تمامًا أن خلق بيئة استثمار صناعي مستقرة ومحفزة هو أساس في استقطاب رؤوس أموال نوعية، سواء محلية أو أجنبية، وأن النماذج التي زارها جلالته، مثل مجموعة "الكبوس" ومصنع شركة "راماتكس" السنغافورية، تمثل قصص نجاح حقيقية، جاءت نتيجة عوامل استقرار سياسي، وثقة بالمناخ الاستثماري، وتوافر بنية لوجستية وبشرية مؤهلة. إلا أن الساكت شدد على أهمية مواكبة هذا التوجه الملكي عبر تذليل التحديات البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات، وتوفير حوافز إنتاجية حقيقية للصناعات ذات الأثر الكبير وذات القيمة المضافة العالية على الاقتصاد.
وأكد أن جلالة الملك يبعث برسالة مهمة مفادها أن التحديث الاقتصادي لا يتحقق عبر السياسات الورقية فقط، بل من خلال الممارسة اليومية في الميدان، والوقوف على واقع الإنتاج، والاستماع إلى المستثمر والعامل والمهندس. فحضوره الشخصي في هذه المصانع لا يرمز فقط للدعم، بل يعكس ثقافة قيادة تشاركية تؤمن بأن النهضة الاقتصادية لا تُصنع في المكاتب، بل في ورش العمل والمصانع.
وأضاف الساكت أن الصناعة في فكر الملك هي بوابة الاستقلال الاقتصادي، وهي الطريق الأنجع لتقليص الاعتماد على الدعم الخارجي، والتحرر من التبعية الاستهلاكية، وتحصين القرار الوطني. وقال: "حين نستثمر في الصناعة، فإننا لا نخلق فرص عمل فحسب، بل نؤسس لأمن غذائي، وأمن دوائي، وأمن صناعي، وهي ثلاثية لا يمكن فصلها عن مفهوم الأمن الوطني الشامل".
ودعا الساكت الحكومة إلى مواكبة الزخم الملكي في دعم الصناعة، من خلال تنفيذ السياسات المقرة في رؤية التحديث الاقتصادي، وإعادة النظر في كلف الإنتاج والطاقة، ودعم التصدير، وتسهيل الائتمان الصناعي، مؤكدًا أن القطاع الصناعي الأردني يمتلك إمكانيات كبيرة، وإذا ما توافرت الإرادة الحقيقية، فإنه سيكون أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة.