في شارع 10 بغزَّة .. الحياة بين الأنقاض والموت المؤجَّل

mainThumb
في شارع 10 بغزَّة... الحياة بين الأنقاض والموت المؤجَّل

26-05-2025 11:36 AM

printIcon

أخبار اليوم - في زاوية معذبة من الجغرافيا الفلسطينية، حيث يمتزج صوت المدفعية مع أنين الأطفال، يعيش أهالي شارع 10 في حي تل الهوا، جنوب غرب مدينة غزة، واقعًا يوميًا من القهر والنزوح القسري.

خيام ممزقة تحيط بها الأنقاض من كل جانب، ونزوح يتكرر مع كل قصف، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي في حربه منذ السابع من أكتوبر 2023، دون توقف.

لم يعد النزوح حالة طارئة لسكان الشارع، بل تحول إلى "نمط حياة قسري"، هكذا يصفه الأهالي الذين وجدوا أنفسهم يسكنون ما تبقى من خيام مزقتها شمس مايو وريح الشتاء، بعد أن دمرت بيوتهم بفعل قصف جيش الاحتلال المستمر.

نزوح متكرر

منذ صباح الجمعة 23 مايو 2025، أجبرت الحاجة أم شريف بربخ، البالغة من العمر أكثر من ستين عامًا، إلى الفرار من خيمتها مجددًا بعد أن هدد الاحتلال السكان وأمر بإخلاء المنطقة، وسط قصف مدفعي مكثف.

"تحت الرصاص والمدفعية خرجنا من المنزل بسرعة، أخذنا بعض الحقائب التي تحتوي على أهم ما يلزمنا وخرجنا بسرعة، ليست المرة الأولى ولكن الوضع أصبح يشعرنا باليأس وفقدان الأمل في أن تتحسن حياتنا ولو قليلًا"، تقول أم شريف لصحيفة "فلسطين".

وتتابع: "نعيش وسط الأنقاض، لا نملك مكانًا نذهب إليه، كل ما نملكه الآن خيمة، لا تقي حر الشمس ولا برد الليل، لكننا نفضلها على الهرب إلى المجهول مرة أخرى"، مؤكدة أنها ستعود إلى الخيمة حالما يهدأ القصف وتستقر الأوضاع مؤقتًا.

لم تتوقف المعاناة عند النزوح، بل امتدت إلى خطر يهدد الحياة اليومية حتى عند محاولة تأمين الطعام والوقود. فقد وثق الأهالي حالات استهداف مباشرة لأشخاص خرجوا لجمع الحطب لاستخدامه بدلًا من غاز الطهي الذي لم يعد متوفرًا، أو للبحث عن بقايا طعام.

أبو إياد عودة، أب لثلاثة أطفال، يروي بمرارة: "ابني كاد يستشهد فقط لأنه ذهب يبحث عن بضع قطع خشب لإشعال النار، الاحتلال يراقب كل حركة، وأي اقتراب من منطقة تواجد آلياته قد يُعتبر تهديدًا، حتى لو كان مجرد طفل يحمل كيسًا فارغًا".

ويضيف في حديثه لصحيفة "فلسطين":" كما أن الطائرات المسيرة والكواد كابتر لا تغادر سماء المنطقة وهو ما يجعل الخوف يلازم كل من يعيش في المكان، خاصة الأطفال الذين أصبحوا يعيشون حالة من الرعب بسبب سماع صوت القذائف والرصاص بشكل مستمر".

من جهتها، تشير الأربعينية جميلة الدحدوح إلى أنها تعيش وسط أنقاض منزلها المدمر في شارع 10 لا تملك مكاناً تذهب إليه، لا توجد مدارس مفتوحة، ولا أماكن إيواء، ولا حتى مقومات أساسية للحياة، وأنها تنام على الأرض وتطبخ – إن استطاعت – فوق حجارة جمعتها من أنقاض بيوتها".

وتقول في حديث لصحيفة "فلسطين": لا نعرف إلى أين نذهب كل مرة، نترك منازلنا فجأة، نحمل أطفالنا ونركض، حتى الخيام غير متوفرة، والنزوح صار بلا وجهة، نخرج من تحت القصف لنجد أنفسنا ننام في العراء أو في زوايا المدارس المهدمة".

دمار كبير

وتعاني العائلات النازحة من غياب مراكز إيواء مجهزة، وسط دمار واسع طال المنازل والمدارس، وعدم توفر أماكن بديلة بسبب امتلاء الملاجئ المؤقتة من موجات التهجير المتكررة.

وتشير شهادات الأهالي إلى أن قوات الاحتلال تتعمد قصف المناطق المجاورة للتجمعات السكنية، لمنع الناس من العودة حتى بعد هدوء مؤقت.

يقول سعيد رضوان أحد سكان شارع 10 وهو رب أسرة نزح أربع مرات خلال الشهرين الأخيرين:"حتى عندما نعود نعيش ونحن ننتظر الضربة القادمة، لا نستطيع أن نرتاح أو نعيد بناء ما تهدّم، لأننا نعلم أن القصف قادم في أي لحظة".

ويطالب سكان شارع 10 في تل الهوا المنظمات الحقوقية والإنسانية بالتدخل الفوري والعاجل لحمايتهم من الاستهداف المتكرر وتأمين مناطق آمنة للنازحين، وتوفير المأوى والمستلزمات الأساسية للعائلات التي فقدت منازلها، خاصة الغذاء والماء والخيام ووسائل الطهي.

بين خيمة مهترئة وسماء لا تتوقف فيها الطائرات، يبقى شارع 10 في حي تل الهوا شاهدًا على الكارثة الإنسانية في غزة، وآلاف الفلسطينيين باتوا ضحايا لنزوح لا ينتهي، وعدوان لا يعرف التوقف.

وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بحقوق الإنسان، يواصل سكان غزة العيش في ظروف لا تليق بالبشر، وأعينهم لا تترقب الغيث، بل تتوجس من قذيفة جديدة تسلبهم آخر ما تبقى له.

المصدر / فلسطين أون لاين