كيف تطور التلفزيون والى اين يتجه

mainThumb
كيف تطور التلفزيون والى اين يتجه

31-05-2025 12:30 PM

printIcon

بقلم : د.عامر الصمادي

يعتبر التلفزيون من اكثر الابتكارات التقنية التي أثّرت في العالم منذ اختراعه وحتى اليوم، فمنذ اللحظة الأولى التي نقلت فيها صورة متحركة إلى شاشة في منزل أحدهم، دخل التلفزيون حياة الناس، وأعاد تشكيل الثقافة والسياسة وأنماط الترفيه بل حتى عاداتهم اليومية،فمثلا اعتاد جيلنا منذ الصغر ان نجلس بعد العصر امام هذا الجهاز الساحر بانتظار ان يفتتح البث لمشاهدة برامجنا المحببة،لقد كان أكثر من مجرد جهاز إلكتروني؛ إنه مرآة للعصر، وذاكرة حية للأحداث. لكن كيف بدأ كل هذا؟ وكيف تطور التلفزيون من صندوق أبيض وأسود إلى جهاز ذكي قد يصل حجمه بحجم الجدار ويتصل بالإنترنت بل ويمكنه ان يراقبك كما تراقبه ؟


بداية الحكاية: اختراع التلفزيون
يعود الفضل في اختراع التلفزيون إلى عدة علماء ومخترعين عملوا بشكل متوازٍ في بدايات القرن العشرين. لكن الإنجاز الحاسم يُنسب إلى جون لوجي بيرد، المخترع الاسكتلندي، الذي نجح عام 1926 في عرض أول بث تلفزيوني حي باستخدام نظام ميكانيكي.
في نفس الفترة، كان المهندس الأمريكي فلاديمير زوريكين يعمل على تطوير نظام إلكتروني بالكامل، أكثر تطورًا وكفاءة. وقد أفضت جهوده وجهود العالم فارنسورث إلى تطوير أنبوب الأشعة المهبطية (CRT)، الذي أصبح التقنية الأساسية لأجهزة التلفزيون لعقود.
في أربعينيات القرن العشرين، بدأ التلفزيون في الانتشار ببطء، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكان مقتصرًا على قنوات قليلة وبث أبيض وأسود.


التحول إلى الألوان وانتشار واسع
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، شهد التلفزيون تطوراً نوعيًا تمثل في الانتقال من البث بالأبيض والأسود إلى البث الملون. وقد ساهم ذلك في ازدياد الإقبال الجماهيري على اقتناء أجهزة التلفاز، وتوسّعت الشبكات التلفزيونية وأصبحت تقدم محتوى أكثر تنوعًا: من الأخبار إلى المسلسلات، إلى البرامج الحوارية والترفيهية.
بحلول السبعينيات، صار التلفزيون موجودًا في كل بيت تقريبًا، وتحول إلى وسيلة الإعلام الأولى، متجاوزًا الصحف والمذياع.


الثمانينات والتسعينات: القنوات الفضائية والانفجار الإعلامي
دخل التلفزيون عصرًا جديدًا في الثمانينيات مع ظهور القنوات الفضائية التي أطلقت البث إلى آفاق جديدة. لم يعد الجمهور مقيدًا بقناتين أو ثلاث، بل أصبح أمامه عشرات القنوات المتخصصة في الأخبار، والأفلام، والرياضة، والدين، والتعليم.
وفي التسعينيات، بدأت تقنية التلفزيون الرقمي بالظهور، ما ساهم في تحسين جودة الصورة والصوت، وفتح الباب أمام تطور أكبر في شكل المحتوى التلفزيوني.


القرن الحادي والعشرون: الشاشات المسطحة والثورة الذكية
مع مطلع الألفية الجديدة، بدأ التلفزيون يتحول شكلاً ومضمونًا. شاشات LCD وLED حلت محل أنابيب الأشعة التقليدية، وأصبحت الشاشات أنحف، وأكبر، وأكثر دقة. ثم جاءت شاشات البلازما، والتلفزيونات ثلاثية الأبعاد (3D TVs)، وشاشات 4K و8K التي تقدم دقة صورة مذهلة.


الأهم من ذلك، ظهر مفهوم التلفزيون الذكي (Smart TV)، الذي دمج بين التلفاز والإنترنت، وجعل من الممكن تصفح الويب، ومشاهدة نتفليكس ويوتيوب، وتحميل التطبيقات، وتوصيل الهاتف أو الحاسوب بالشاشة بسهولة.
أحدث تقنيات التلفزيون اليوم


مع التقدم التكنولوجي المتسارع، بات التلفزيون في 2025 جهازًا متطورًا بكل المقاييس. من أبرز الميزات والتقنيات الحديثة:
1. شاشات OLED وQLED
توفر هذه التقنيات ألواناً أغنى وتبايناً أعلى، بالإضافة إلى استهلاك أقل للطاقة. شاشات OLED على وجه الخصوص تقدم سوادًا حقيقيًا وصورة أكثر طبيعية.
2. دقة 8K
رغم أن دقة 4K ما زالت رائجة، إلا أن بعض الشركات بدأت بإنتاج تلفزيونات بدقة 8K، التي تحتوي على 33 مليون بكسل، ما يوفر تجربة مشاهدة مذهلة.
3. الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الصورة تلقائيًا حسب المحتوى، وتحليل صوت الغرفة لتقديم تجربة صوتية مخصصة، وحتى لتقديم توصيات للمحتوى حسب سلوك المستخدم.
4. التكامل مع المنزل الذكي
أصبح التلفزيون جزءًا من منظومة المنزل الذكي، حيث يمكن التحكم به بالصوت من خلال مساعدات مثل Alexa أو Google Assistant، وربطه بالإضاءة، والستائر، وأجهزة الصوت.
5. التحكم عبر الهاتف والتطبيقات
معظم الأجهزة الحديثة تتيح التحكم بها بالكامل من خلال تطبيق على الهاتف الذكي، كما يمكن مشاركة المحتوى من الهاتف إلى التلفاز لاسلكياً.


التلفزيون اليوم: جهاز متعدد الأدوار
لم يعد التلفزيون مجرد وسيلة لمشاهدة البرامج، بل أصبح منصة متكاملة للترفيه، والتعليم، والتواصل. يستخدم البعض الشاشات في تقديم العروض، والتعليم عن بُعد، وممارسة الألعاب الإلكترونية، وحتى عقد الاجتماعات عبر تطبيقات الفيديو.
كما تطورت تقنيات الصوت المدمجة، فأصبح التلفزيون مزودًا بأنظمة صوت محيطية أو مدمجة مع أنظمة "Dolby Atmos"، ما يغني عن شراء مكبرات صوت إضافية.


ما الذي يحمله المستقبل للتلفزيون؟
رغم التحديات التي يواجهها التلفزيون اليوم – خصوصًا من حيث المنافسة مع الهواتف الذكية ومنصات البث – إلا أن التطور لم يتوقف. ومن أبرز الاتجاهات المستقبلية:
1. الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)
قد نشهد شاشات تدمج تقنيات الواقع المعزز لتقديم تجربة مشاهدة أكثر تفاعلاً، وربما حتى تحويل الجدران إلى شاشات عرض بتقنيات الهولوجرام.
2. تلفزيونات قابلة للطي أو اللف
بعض الشركات مثل LG وSamsung بدأت بالفعل في تطوير تلفزيونات يمكن طيّها أو لفها داخل قاعدة أنيقة، مما يوفر المساحة ويعزز التصميم العصري.
3. تحليل المشاهد عبر الذكاء الاصطناعي
قد يشهد مستقبل التلفزيون تحليلاً عميقاً لتفضيلات المستخدم، ليقدم محتوى مخصصاً بدقة شديدة حسب الوقت، المزاج، وحتى عدد الأشخاص في الغرفة.


خاتمة: من نافذة على العالم إلى مركز الذكاء المنزلي
من صورة بالأبيض والأسود إلى شاشات فائقة الذكاء والدقة، قطع التلفزيون رحلة طويلة، وأثبت أنه قادر على التكيف مع المتغيرات. ورغم التحديات الكثيرة، لا يبدو أن التلفزيون في طريقه إلى الزوال، بل إلى إعادة تعريف نفسه بشكل جديد كل عقد من الزمن.
ربما لن يكون التلفزيون في المستقبل جهازًا معزولًا، بل قلبًا نابضًا للمنزل الذكي، يجمع بين المتعة والمعرفة، ويواصل سرد قصصنا، تمامًا كما فعل منذ أول لحظة ظهر فيها في التاريخ ويعود محور اهتمامنا وسر دهشتنا والتفافنا حوله .