أخبار اليوم - يؤكد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، في تقرير جديد، أن تشريع البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قانون طرد فلسطينيي الداخل من وطنهم لمشاركتهم في حوادث أمنية، هو آلية تهجير صامت لهم. ويقول إن في 28 أيار 2025، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن البدء بتنفيذ قانون يقضي بسحب الجنسية الإسرائيلية من مواطنين فلسطينيين، وترحيلهم إلى الخارج، بدعوى “دعمهم للإرهاب”. منوّهًا بأن هذا الإعلان جاء في أعقاب جلسة مغلقة عقدتها لجنة الكنيست بحضور كاتس ووزير الداخلية موشيه أربيل، حيث تقرر العمل بالقانون بحق كل من أُدين بتلقيه دعمًا ماليًا من السلطة الفلسطينية كتعويض عن اعتقاله، أو نشاطه المناهض للاحتلال.
من التشريع إلى التنفيذ
ويشير “مدار” إلى أن مسيرة التشريع لقانون “طرد أقارب منفذي العمليات الفلسطينيين” بدأت بمبادرة قدّمها حزب “الليكود” عام 2021، إذ اقترح فيها منح وزير الداخلية الإسرائيلي صلاحية إصدار أوامر طرد ضد أفراد من عائلات فلسطينية، في حال عبّر أحدهم عن تأييد أو تضامن مع عملية مقاومة نفّذها قريب له من الدرجة الأولى. وقد تطوّر هذا المقترح تدريجيًا وصولًا إلى إقراره في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 7 تشرين الثاني 2024، حيث نال القانون تأييد 61 عضوًا مقابل 41 معارضًا.
يمثّل مشروع القانون خرقاً جوهرياً لمبدأ المواطنة في القانون الإسرائيلي، من خلال اقتراح طرد مواطنين إسرائيليين على أساس روابطهم العائلية، لا على أفعالهم
ينص متن القانون على منح وزير الداخلية صلاحية واسعة لإصدار أوامر طرد بحق أقارب المنفذين من داخل إسرائيل نحو قطاع غزة أو إلى مناطق أخرى. ويشمل ذلك الأقارب من الدرجة الأولى، وهم الوالدان، الأشقاء، الأبناء، أو الأزواج، إذا ما ثبت أنهم كانوا على علم مسبق بنية قريبهم تنفيذ عملية فدائية، أو إذا عبّروا عن دعم أو تمجيد أو تضامن مع المنفذ أو التنظيم المسؤول عنها، وفقًا للتعريفات الواردة في قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2016.
يشترط القانون عقد جلسة استماع قانونية خلال عشرة أيام من تسليم الإخطار، يُمنح فيها الشخص المعني فرصة الدفاع عن نفسه قانونيًا، على أن يُصدر الوزير قراره في غضون أسبوعين من الجلسة. كما يمنح القانون الشرطة الإسرائيلية صلاحية استخدام القوة لتنفيذ أوامر الطرد، بما يشمل اقتحام المنازل وإخراج الأشخاص منها. وتُحدّد مدة الطرد وفقًا للوضع القانوني للشخص، بين 7 و15 عامًا، وبين 10 و20 عامًا لحاملي الإقامة المؤقتة أو الدائمة.
يقوم هذا التشريع على مبدأ “النية المفترضة”، وهي تثير إشكالات قانونية كبيرة، لكونها تُحمّل أفرادًا مسؤولية جنائية أو إدارية استنادًا إلى روابطهم العائلية وليس إلى أفعالهم الفردية.
بدأت الحكومة الإسرائيلية بتفعيل القانون بحسب ما أُعلن عقب جلسة خاصة في الكنيست بتاريخ 28 أيار 2025، فقد بدأت الإجراءات فعليًا بحق أربعة أشخاص، فيما تم نقل مئات الملفات إلى وزارة الداخلية لتنفيذ القانون بعد عامين من تجميده.
وصرّح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن الدولة تتبنّى الآن سياسة “صارمة وواضحة” ضد كل من يختار “دعم الإرهاب”- على حد تعبيره- مؤكّدًا أن الجنسية لن تُمنح لمن “يُكافأ على القتل والكراهية”، ومعلنًا أن ملاحقة هؤلاء ستستمر داخل إسرائيل وخارجها.
سناء سلامة
من أبرز المتفاعلين مع القانون كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي رحب به، معتبرًا أن تطبيق القانون هو انتصار لخط حزبه “عوتسما يهوديت”، ومطالبًا في الوقت نفسه بالمضي قدمًا نحو تشريع قانون الإعدام لمنفّذي العمليات.
في السياق ذاته، واصل بن غفير الدفع باتجاه توسيع استخدام القانون مباشرة، حيث وجّه رسالة رسمية بتاريخ 28 أيار 2025 إلى وزير الداخلية موشيه أربيل، طالب فيها بطرد السيدة سناء سلامة دقة، أرملة الأسير الفلسطيني الشهيد وليد دقة من مدينة باقة الغربية داخل أراضي 48، متّهمًا إياها بنشر محتوى “تحريضي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، تمجيدًا لزوجها وعدد من القادة الفلسطينيين، بينهم يحيى السنوار وزكريا الزبيدي.
وقد تم اعتقالها على يد الشرطة الإسرائيلية بعد أن وافقت النيابة العامة الإسرائيلية على فتح تحقيق جنائي ضدها بشبهة التحريض ودعم تنظيم “إرهابي”. وأكد بن غفير أن الحالة تمثل، بحسب تعبيره، نموذجًا يستدعي “تحركًا فوريًا”، مؤكدًا على ضرورة تفعيل القانون على الفور ومنح الشرطة الدعم لتنفيذ قرار الطرد المحتمل.
موقف الشاباك: دعم مشروط وتحذير من التوسّع
في سياق مناقشة مشروع القانون، عبّر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن موقف داعم لكنه مشروط للتشريع، وذلك خلال جلسة مغلقة عقدتها لجنة الكنيست في إطار التحضير للقراءتين الثانية والثالثة. وقد وصف ممثلو الشاباك القانون بأنه “أداة ردع فعالة”، مشيرين إلى أن تهديد العائلات بالطرد قد يُسهم في منع تنفيذ عمليات مستقبلية، من خلال تحفيز أقارب المنفذين على تقديم معلومات استباقية للأجهزة الأمنية.
مضافًا إلى ذلك، أكد ممثلو الجهاز أن دراسات سابقة أعدها كل من مجلس الأمن القومي والجيش الإسرائيلي بيّنت أن “الخوف الأساس لدى منفذي العمليات يكمن في مصير عائلاتهم بعد التنفيذ”، وهو ما يُفسّر، من وجهة نظرهم، الحاجة إلى تطوير أدوات عقابية جديدة تتجاوز الوسائل التقليدية، مثل هدم المنازل.
تحفظات جوهرية
مع ذلك، أبدى الشاباك تحفظات جوهرية تتعلق بنطاق التطبيق، موصيًا بقصر الطرد على الوالدين فقط، باعتبارهما “العنصر التربوي” الأكثر مسؤولية عن سلوك المنفذ، في حين اعتبر أن طرد الزوجة أو الأبناء قد يتجاوز مبدأ التناسب ويُسهم في تأجيج التوتر الميداني. كما اقترح أحد ممثلي الجهاز حصر تنفيذ أوامر الطرد بالعائلات التي تحمل جنسية مزدوجة، محذرًا من أن توسيع دائرة الطرد ليشمل مواطنين إسرائيليين بشكل أحادي قد يفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية.
وبالرغم من أن القانون لا ينص صراحة على سحب الجنسية، فقد أعلن ممثلو الشاباك دعمهم لتوسيع الصلاحيات لتشمل نزع الجنسية الإسرائيلية عن الأفراد الذين ثبت أنهم قدموا دعمًا ماديًا أو معنويًا للمنفذ، أو كانوا على علم مسبق بنواياه. وأشاروا في هذا السياق إلى ارتفاع ملحوظ في العام 2024 في عدد محاولات تنفيذ عمليات من قبل فلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية أو تصاريح الإقامة.
اعتراضات قانونية وحقوقية على مشروع طرد العائلات
ويستذكر “مدار” أن مشروع قانون طرد عائلات منفذي العمليات الفلسطينيين واجه جملة من الاعتراضات الحقوقية والقانونية، كان أبرزها من قبل مركز “عدالة” الحقوقي والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية. ومن أبرز هذه الانتقادات:
معترضون على القانون: إن سياسة العقاب الجماعي قد تسهم في تصعيد مشاعر الظلم وفي تعزيز التطرّف
أولًا: مساس غير مسبوق بحقوق المواطنة
يمثل مشروع القانون خرقًا جوهريًا لمبدأ المواطنة في القانون الإسرائيلي، من خلال اقتراح طرد مواطنين إسرائيليين على أساس روابطهم العائلية، لا على أفعالهم الشخصية. فحق الدخول إلى الدولة والإقامة فيها يُعد من الحقوق الدستورية الأساسية المتفرعة عن صفة المواطنة، وهو ما رسّخه “قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته”. ومع أن القانون لا ينص صراحة على الحق في المواطنة، فقد اعتبرته المحكمة العليا حقًا دستوريًا مستقلاً لا يمكن المساس به من دون مبرر بالغ الخطورة، ما يجعل منح وزير الداخلية صلاحية الطرد الإداري من دون محاكمة عادلة أو رقابة قضائية، إجراءً استثنائيًا وخطيرًا يمسّ جوهر الحقوق الأساسية.
ثانيًا: الطرد كعقوبة جماعية تُخالف مبدأ الشرعية
ينتهك القانون مبدأً أساسيًا في النظام القانوني، وهو أن العقوبة لا تُفرض إلا على من ارتكب جرمًا مثبتًا قانونًا. إذ يسمح المشروع بطرد أفراد عائلة لمجرد الاشتباه بأنهم عبّروا عن دعم أو تعاطف مع منفذ عملية، من دون أن يُدينهم القضاء أو يثبت ضدهم فعل جنائي مباشر.
ثالثًا: غياب الإجراءات القانونية العادلة
ويتنبّه “مدار” إلى أن القانون المقترح يفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، حيث يمنح وزير الداخلية صلاحية إصدار قرارات الطرد من دون تدقيق قضائي أو مسار جنائي منضبط، بل يكتفي بجلسة استماع شكلية. هذا يتعارض مع المعايير الدستورية التي أكدت عليها المحكمة العليا الإسرائيلية مرارًا، والتي تشترط تفضيل الإجراءات القضائية على الإدارية عند المساس بالحقوق الأساسية.
رابعًا: غياب أي مبرر أمني فعلي أو أساس ردعي
أحد أبرز أوجه الاعتراض يكمن في أن مشروع القانون لا يستند إلى أي تقييم أمني مهني يُثبت أن الطرد يحقق ردعًا فعليًا للإرهاب. بل على العكس، فإن سياسة العقاب الجماعي قد تسهم في تصعيد مشاعر الظلم وفي تعزيز “التطرف”. كما أن اعتماد أدوات إدارية جذرية بدلًا من محاكمات عادلة يقوّض ثقة الجمهور الإسرائيلي بمنظومة القانون، ويُضعف الأسس الديمقراطية في إسرائيل، من وجهة نظر المنتقدين.